الصادق المهدي .. حكايات الميلاد في وطن على شفا الحرب

[JUSTIFY]قبلة على رأس (الحبيب) من بوابة دخوله في نادي المائة الأكثر تأثيراً في العالم الإسلامي، يضع الصادق المهدي قدمه بخطوتها الأولى ماضياً نحو عامه (الثمانين).. عيد ميلاد الإمام الصادق المهدي شموع تنتظر من يوقدها وشموع انطفأت.. أم درمان ذات ميلاد تبحث عمن يقرعون أجراس الاحتفالات، الأرض التي رحل لها المحتفلون لم تجد ما تستقبل به ذكرى رسول التسامح غير الدماء التي تختلط بالأرض والناس يبحثون عن السلام قبل المسرة. أتباع المسيح رحل جنوباً ولم يبق منهم إلا القليل هنا، من تبقوا في الأرض المنشطر جنوبها ظلوا يبحثون عن مفقودهم (التسامح) فلم يجدوا سوى إمام الأنصار وزعيم حزب الأمة الصادق المهدي ليوشحوه بلباس السودانية في صباح الميلاد الذي يوافق ميلاده.
(الملازمين) ذات صباح، الخيمة المكتوب عليها (أفراح الشعب) حيث الأنصار والأحباب والأصدقاء كلهم هناك يبحثون عن مقعد للجلوس، يتبع العبارة (سيدي الإمام كل عام وأنت بخير) أمنياتهم ترافق أمنية أخرى: (سيدنا وطن الإمام متى يأتيك الخير؟) استفهام الخير يرافقه استفهام آخر يتعلق بمغزى احتفاء الإمام ومكتبه وأسرته بذكرى ميلاده.. الرجل يسميها (وقفة مع الذات) مبتعداً بها عن البدعة كما يقول آخرون.
ثمة جديد يمكنك ملاحظته أمس وهو أن الرقم المحدد لسنوات عمر الإمام غاب عن المنصة الرئيسة على عكس ما كان يحدث في الأعوام السابقات.
حكاية أولى وأنت تضع قدمك إمام خيمة الاحتفال بعيد ميلاد الإمام تتابع معك المشاهد والخيم.. قبل عامين كانت ثمة خيمتان تحيطان بالخرطوم: خيمة (الحزن) في عد حسين حيث كان يقام مأتم الدكتور خليل إبراهيم؛ وخيمة (عيد الميلاد) لتخبراك بأن مسيرة الحياة والموت يتوسطهما وطن.. أمس خيمة الإمام المنصوبة بعناية في قلب الملازمين ترافقها خيام للحزن نصبت في مدن الجنوب الدولة التي خرجت من ضلع نيفاشا الأعوج بحسب تعبيرات الإمام، هناك ما تزال المعركة محتدة على آخرها في انتظار من يضع لها سيناريو النهاية ولشعب الجنوب الخلاص. قوسي حاضرة في حديثه في ذكرى ميلاده بدأ الإمام حديثه بشكر عائلته لأبيه باختيارها الاحتفاء بميلاده هذا العام، احتفاءً تم ربطه بتكريمه بمناسبة نيله جائزة قوسي للسلام من الفلبين لتظل هي الموضوع الرئيس في الاحتفال وتربط باحتفاء آخر بأول امرأة تعتلي منصب عميدة لكلية طب في العالم العربي وأفريقيا وتنتمي لأسرة المهدي وهي الدكتورة لمياء أحمد محمد الحسن التي تم تكريمها في ميلاد الإمام وكرمها الإمام الصادق نفسه إعلاءً للدور الذي يلعبه في ما يختص بقضايا النوع الاجتماعي والجندر المعترف بإيجابيته من كل الذين كانوا هناك. تفاصيل ما حدث في العام أكثر من مجرد ذكرى للتباهي الشخصي وتقديم الهدايا وجعل صاحبها أو صاحبتها محط الأنظار فهي نوع من الترف الاجتماعي الضار. ولكنها مناسبة لوقفة مع الذات من باب (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، ومن باب تقديم كشف حساب ومساءلة فهي حميدة، فالنقد الذاتي أكبر وسيلة للبناء عرفها الإنسان.

هكذا ينظر الإمام لذكرى الاحتفال بميلاده محاولاً فيها الربط بين الخاص والعام بغية الوصول إلى نتيجة تفضي للاستقرار في بلاد ظل يمارس فيها العمل السياسي لأكثر من نصف قرن.. بالعودة لذات اللحظة فإن قضايا الاختلاف السوداني السوداني ظلت في ذات محطتها القديمة دون حدوث اختراق إلا في اتجاه الأسوأ فما تزال بلاد الإمام تعاني من الحروب الداخلية أو المحيطة بها، وتعاني من إشكاليات الاقتصاد وغياب التوافق بين مكوناتها السياسية رغما عن أنف التغيير الوزاري الذي لم يتخط شهره الأول..
مشهد عام الإمام المنتهي أن الحرب ما زالت مشتعلة وأن الأزمة الاقتصادية تزداد تعقيداً وأن عملية الإجماع على كلمة سواء تظل بعيدة عن مهوى الأمنيات السودانية المنتظرة.. “الإنقاذ هي المسؤولة عن كل ذلك..” هكذا قالها الإمام في وقفته مع الذات، وانتقل إلى النقطة الأخرى معلناً خلالها التزامه التام بالعمل من أجل خلق إجماع سوداني وفقاً لمعياره المعلن منذ عامه السابق وهو (النظام الجديد).

نداءات الميلاد ونداءات العيد عند الإمام تبحث عن عدل للحال المائل.. النداءات التي ابتدرها أبومريم بالحزب الحاكم المؤتمر الوطني بالقول: (آن الأوان للتخلي عن العناد والانفراد والاستجابة لمطلب الشعب المشروع لإقامة نظام جديد يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل، هذا الهدف وحده الذي يمكنكم من إنقاذ دوركم وخلاص الوطن) والنداء يمضي في اتجاه الجبهة الثورية التي طالبها الإمام بالموافقة على النظام الجديد معلناً استعداده للتحالف معها في هذا الاتجاه.. ونداءات الإمام تتجاوز حدود البلاد إلى الخارج ليقف بها في محطة جوبا المحزونة بنزاعها وصراع أهلها “نناشدكم بأقوى صورة وقف إطلاق النار، وقبول لجنة أفريقية محايدة للتحقيق في الأحداث، ومساءلة الجناة، والتفاوض بين الفريقين لإيجاد حل وفاقي انتقالي يعقبه إجراء انتخابات حرة ليحسم الشعب خياراته. ويرجى أن يحرص الطرفان على المحافظة على تنفيذ الاتفاقيات بين الدولتين على ألا يقوم أي طرف بعرقلة إنتاج وترحيل البترول ولا بعرقلة التجارة والمراعي بين البلدين”. قائلاً: “الجنوبيون أكثر دراية بأن ضحايا الصراع الجنوبي الجنوبي يتجاوزون بمراحل ضحايا الصراع الجنوبي الشمالي” وأعلن الإمام تدخله من أجل منع أي تدخل للسودان في الصراع الجنوبي إلا في الإطار الإيجابي، ودعا الإمام إلى وحدة الرأي بعيداً عن جدلية السلطة والمعارضة في ما يتعلق بالصراع في جنوب السودان..
ونداءات المهدي تعبر من جنوب الوادي لشماله مخاطباً أهل المحروسة بأن المعالجات الأمنية والإدارية لن تضع نهاية للانفجار في مصر. مشاهد من الاحتفال المهدي شايقي
قدمت الاحتفال المذيعة عفراء فتح الرحمن وحاولت أن تزيح عنها جدلية الانتماء لحزب الأمة ووجودها وحضورها على المنصة.. دفع بخاري الجعلي بأن يداعب الإمام قائلاً: لحقتو بنات الشوايقة؟ وهو الامر الذي دفع بالإمام ليعلن قومية طرحه في المنصة ويكشف أن الشلوخ التي كانت في وجه الإمام الكبير وضعتها على خده حبوبته التي تنتمي إلى (الشوايقة) مما دفع بالجعلي للرد من مقعده بالقول: “إن قوميتك هي التي جاءت بنا لنحتفي بك” حضور نسائي طاغ شهد الاحتفال بميلاد الصادق أمس حضوراً طاغياً للعنصر النسائي، وهو الحضور الذي مثلته في صورته الأولى بنات الإمام وهن يجلسن أقصى الخيمة في طاولة بدت وكأنها خصصت لهن، بينما اتخذت رباح موقعاً لها بالقرب من المنصة، بينما تمثل حضور آخر لرئيسة حركة حق هالة عبد الحليم والمحتفى بها العميدة لمياء التي جاءت متأخرة وتقدمت باعتذارها، بينما افتقد الحاضرون أمس طلة الراحلة حواء الطقطاقة التي غيبها الموت في العام الماضي.. ولكن ثمة حواء أخرى صعدت للمنصة هي والدة عبد المحمود أبو أمين هيئة شوؤن الأنصار التي أنشدت من خلف المايكرفون إنشاداً أخرج زغرودة مريم وانهمرت له دموع رباح الصادق، وصعدت أيضاً للمنصة الصحفية مشاعر عبد الكريم التي تحدثت عن تسامح الإمام الذي يجعل من الاختلاف معه اختلافاً له وليس ضده. مصطفى عثمان حضور في مكان غندور المشهد الآخر كان هو غياب مساعد رئيس الجمهورية والقيادي بالمؤتمر الوطني إبراهيم غندور الملتزم بحضوره الدائم وهو الأمر الذي دفع بالحزب الحاكم لإرسال مصطفى عثمان ليشغل مقعد حضوره في الاحتفاء بميلاد الإمام الصادق المهدي. وكالعادة شكل حضور رجالات السلك الدبلوماسي مشهد آخر من مشاهد تأثير الإمام الصادق في أحداث المنطقة.
شمعة جديدة يوقدها الإمام في دفتر حياة الوطن وهي الشمعة التي ينتظر منها أن تضيء سنوات القادم بأمنية أن ينتهي الصراع الدائر بين القبائل الآن بالصلح والوئام، هو ذات الصلح الذي وصف من خلاله الإمام علاقته بأجهزة الإعلام المختلفة وشكرها على دورها.

انتهى الاحتفال ومضى الثمانيني لمواصلة رحلته السياسية والوطنية.

صحيفة اليوم التالي
الزين عثمان
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version