ابرهيم عثمان: أوقفوا الرقابة … دعوا حسين يبيع بضاعته “الأصلية”
بعض أحاديث حسين خوجلي لا تعدو أن تكون مجرد طق حنك و بيع كلام فهو يملأ فراغات برنامجه – الذي لا يخلو من إشراقات – بقصص متكلفة مصنوعة مبالغ فيها ، مثل حديثه عن جنود الشرطة الذين يخلعون ملابسهم و يحملونها في أكياس خوفاً مما قد يجره عليهم إرتداءها في الشارع من مشاكل ! ، و قد علَّل ذلك بأنهم يسكنون في أماكن طرفية بعيدة لذلك يخشون أن يتسبب لبسهم للزي الرسمي في أن تأتيهم طعنة سكين أو أي شكل من أشكال الإعتداء !!! أخذ الأمر من حسين خوجلي سنوات طويلة ليقول كلاماً مختلفاً في قضايا ظلت مطروحة و بإلحاح أكثر منذ أن كان قلم حسين و لسانه مدافعاً عن موقف النظام تجاه ذات القضايا ، و ذلك ما يعرفه جيداً كل من يتذكر جيداً مقالاته في صحف الإنقاذ ، و خطبه في جامعة الخرطوم في التسعينات كلما اقتربت انتخابات الإتحاد . يحاول حسبن خوجلي أن يروج بطريقة ماكرة لنظرية أن إنقلاباً قد حدث و أن معظم الإخفاقات يتحملها “المُنقَلَب عليهم” .. يظن بعض متابعيه أنه يحاول تسويق التغيير الذي تم بخطابه الذي يزاوج بين الذم الكثير الذي يذهب معظمه إلى المترجلين و باقيه إلى الوزراء الحاليين مع استثناء الرئيس و بعض المقربين منه من النقد المباشر _ و إن كان ذلك يحدث بطريقة أخرى عبر المبالغة في تجريم النظام بكامله _ و بين المدح لما تم من تغيير و الحديث عن “الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة ” الذين – بحسب خوجلي- لولاهم لنُهِبت البلد بكاملها !!! .. و حسين يتقصد أن يجرح و يداوي عبر مدح الجيش وانتقاد حركات التمرد – على خفيف – ثم العودة للغمز من قناة النظام بطريقة غير مباشرة عبر إنتقاد “الحل الأمني” و كأن النظام قد رفض الحوار و الحل السلمي . في ظني – و أسأل الله ألا يكون ظناً آثماً – إن حسين لا يقصد تلميع و تسويق التغيير و كل ما في الأمر أن لحسين مرارات مع بعض المبعدين لأسباب سياسية تتعلق بالمفاصلة التي يتعاطف هو مع أحد أطرافها ، و في سعيه لتسويق لنظرية الإنقلاب يتحدث بلغة تحاول أن تصور المترجلين بأنهم سدنة النظام البائد الذين تُستَحل أعراضهم و يُخاض فيها دون حرج مما يمكن أن يحقق له هدفين عزيزين : الشماتة فيهم و هذا هو الهدف الأهم و الذي يتحقق فوراً ، و ارسال رسالة لهم بأن النظام قد باعكم وجعلكم هدفاً سهلاً لإنتقاداتي اللاذعة و تجريمكم بالجملة و بأقسى العبارات مما قد يثير حنقهم و يصنع جواً عدائياً بينهم و بين اخوانهم الموجودين في السلطة ، مما يخلق صراعاً يضعفهم جميعاً و يسهِّل الإنقضاض عليهم ، و هو هدف استراتيجي للحزب الذي يتعاطف معه ، يراوغ حسين خوجلي و ينتقي من عناوين الصحف ما يحافظ على معادلته : نقد عنيف ثم ونسة و قصص و حكاوي ثم مدح ، و طرق للمواضيع بتبسيط شديد و لكنه ماكر ، و الوقوف على حافة الخطوط الحمر و اجتيازها أحياناً في ضربات خاطفة سريعة ثم التكفير عنها بمدحٍ لا يبدو هو نفسه مقتنعاً به ، و لكن يظهر الأمر كتطبيق عملي لمقولة “الإضينة دقوا و اعتذرلوا” . في كل القضايا الكبرى يتحدث حسين كثيراً و يتناقض أحياناً – ليس بالضرورة في الحلقة الواحدة – و خلاصة الحديث و الكر و الفر و ” الدقة ” و ” الإعتذار ” هي تسويق بضاعة المعارضة – السالمة من انتقاداته – بما فيها حركات التمرد التي يضطر أحياناً إلى التضحية بها و جعْلِها مادة الإعتذار كأقل الخيارات تكلفةً خاصةً و أن مجمل نشاط حسين بعد الجمع و الطرح يصب في صالحها . خاصةً و أنه ليس جذرياً في انتقادها ، فهو يلتقي معها استراتيجياً و إن أجبره التكتيك على وضع مسافة بينه و بينها هي ذات المسافة التي يحتاجها للمناورة .
يحاول حسين خوجلي أن يوظف كل خبراته كتاجر يجيد حساب الربح و الخسارة و كصحفي مرموق و كدارس للفلسفة و كنجم مجتمع واسع العلاقات و كصاحب مخزون وافر من القصص و الحكاوي ، أن يستغل كل ذلك لتحقيق مقاصده و لكنه يحاول أن يبيع بضاعته عبر سلسلة طويلة من المراوغات بعضها لا يُلام عليها و أقصد خوفه من الرقابة التي قد تضر بمصالحه و بعضها يتعلق بالخيارات الرمادية التي جعلته و منذ زمن طويل يحاول أن يدعي لنفسه وسطية لا تعبر عن حقيقة مواقفه و التي لا تغيب عن كل مراقب موضوعي ، مما يجعله يبدو أقرب إلى الممثل منه إلى صاحب الرسالة ، و لكنه كتاجر متمرس استطاع بذكاء أن يتجنب منزلقات خطاب الشعبي و أن يبيع بضاعة رائجة في كل زمان و مكان : التعبير عن هموم الشعب و آلامه و آماله بأقل قدر من الحمولة الخلافية التي ينوء بحملها خطاب الشعبي بخياراته السياسية التي يلتقي معها خوجلي على استحياء و بطريقة ذكية تخدم ذات الفكرة بأكثر مما يفعل كمال عمر و المحبوب و بشير آدم و أبو بكر عبد الرازق و غيرهم . و هو بذلك يتجنب رقابة النظام و رقابة المجتمع الذي لا يوافق في معظمه على طروحات الشعبي الصادمة و غبائنه الظاهرة .
إلى الحكام : ارفعوا الرقابة عن الصحف و القنوات و لا تجبروا أمثال حسين خوجلي على التمثيل ، دعوه يعرض بضاعته الحقيقية دون مناورات و مداورات تحد من طلاقته الفكرية و السياسية فالرجل مثله مثل إسلاميين كثر قد قطع مسافة فكرية كبيرة بعيداً عنكم ، تضطره مداراة الرقابة إلى التعبير عنها على استحياء مما يجعل التغليف يصرف من جهده الكثير بدلاً من تقديم البضاعة مباشرةً مما قد يربك المشترين من جميع الأطراف و يجعلهم يسيؤون الظن بالتاجر فيقع بين مطرقة الإتهام بالحفر الماكر و سندان الإتهام بالتنفيس و تسويق النظام بعد التغيير .
ابراهيم عثمان – مكة المكرمة .