رجاء حسن خليفة “2”: كنت طفلة شقية ونشأتي في أم درمان أسهمت في تكوين شخصيتي

[JUSTIFY]* نريد أن نتعرّف على الطفلة رجاء؛ بنت أبروف والفتيحاب وود البنا؟

– أنا مولودة في 22 أكتوبر 1958، أكملت الحمد لله (55) عاماً. نشأت على النيل أعبث على شواطئه في أبروف، وعندما يفيض النيل كنا نعبر النيل بين المدرسة والبيت، وهكذا كانت النشأة أم درمانية، ودرست كل مراحلي في أم درمان، التي شكلت لي وأنا طفلة كثيرا من الذكريات الجميلة، وعلاقات الصداقة والجوار والتواصل ما بين الجيران ولمّة الأسرة الكبيرة، وتظلّ هذه الذكريات في خاطري حتى الآن.

* رجاء كانت طفلة شقية؟

– نعم أنا كنت طفلة شقية، ولكن لم أكن عنيفة، مشاغبة، وكنت أشارك في الفصل.

* كنت متميّزة في الدراسة؟

– لا، كان تحصيلي متوسطاً.. أعتبر نفسي مثابرة، ولكنّي لم أكن من أوائل الفصل، وكنت أثابر دائماً في تحسين مستواي، ولا أتذكّر إنّني عملت مشكلة بالفصل، ولكن أتذكّر أنّه كانت لي مشاركة مع المدرّس، كلّما قال كلمة أكملتها له، خاصّة أستاذ اللغة العربية، ولازمتني هذه العادة حتى الجامعة، وبعض المدرّسين كان يضيقون بذلك.

* هل كان معك أحد من المشاهير أيام الدراسة؟

– نعم… كانت زميلتي في الدراسة الصحفية إنعام محمد الطيب، وصباح محمد آدم، كانتا معي بالمدرسة، وبعدها درستا الإعلام وأنا درست آداب لغة عربيّة.. من المعلّمات أتذكّر المعلّمة رابحة محمد محمود، وكانت معلّمة لغة عربيّة متميزة.

* أي لعبة أحببتها في صغرك؟

– نطّ الحبل والحجلة وفي زماننا لم يكن هناك إسبيس تون، كانت ألعابنا بسيطة.

* حدثينا عن الأب والأم؟

– أمي أم درمانية، رحمها الله، اسمها مهدية، في الشهادة فاطمة، لكن تلقب بمهدية، فهي أم درمانية أما وأبا، وجاءوا أم درمان مع الإمام المهدي.

* مقاطعة… سميت مهدية نسبة للإمام المهدي؟

– نعم.. والدي ليس من أهل أم درمان، من نهر النيل، أمّه من الجعليين، وأبوه من أبو حمد.

* يعني نقدر نقول عليك جعليّة؟

– لا… أنا سودانية… أنا سودانية، والدي دخل أم درمان منذ الأربعينيات، ونشأت في أسرة متوسطة، ونحن 3 أولاد و3 بنات ترتيبي الثانية بعد إنصاف، ويليني صلاح، وفيصل وخليفة، كنا أسرة من وسط المجتمع مع الأحياء الشعبية، ولكن طلعنا برصيد ترابط مجتمعي وعلاقات حميمة، وهذا ساهم كثيرا في تكوين شخصيتي في المستقبل.

* متى انضممت إلى الحركة الإسلامية؟

– انضممت متأخرة وأنا في الجامعة في العام الأخير، وإن كانت ميولي للدعوة كبيرة.

* من جندك؟

– علوية محجوب، فأنا بعد الجامعة انتقلت مباشرة للتدريس في المرحلة الثانوية، وكنت مع التيار الإسلامي بالهوى والميول دون برامج، لكن الانتظام جاء بعد التخرج مباشرة، وكنت رافضة أن يلتزم الشخص في تنظيم، فكنت شغالة داعية، وكنت أرى أنني أعمل بالفعل، وليس بالضرورة هذا الانتظام، ولكن أقنعتي علوية بجدوى الانتظام، وبعدها حدث لي تحول نفسي كبير بإحساسي بالالتزام بعد البيعة.

* بايعت من؟

– بايعت على المستوى القاعدي، وكنا خمسة وعملوا لنا احتفالا.
* كيف تتم البيعة؟

– بايعت على الطاعة والبعد عن المعصية وأن تعمل للإسلام وهكذا، والبيعة تعمل نقلة نفسية مهمة جدا، والتزام قوي بالعمل، واكتشفت أن الإمام البنا لم يخترعها من فراغ، واستفدت من هذه البيعة وندمت أنها تأخرت.

* جندتِ من؟

– كثير جدا، وأفتكر أن العمل بالتعليم أتاح لي فرصة كبيرة جدا، فأنا دخلت في تيار اقتنعت أنه على حق، ولذلك أي شخص أحبه يجب أن يدخل معي في الحركة الإسلامية، فهي مفيدة لغيرك وللمجتمع كله، فالعمل في التعليم أتاح لي الفرصة لدخول العديد من التلميذات والمدرسات، وهناك اثنتان من زميلاتي دخلتا بعدي مباشرة لأنني دخلت. في مراحل متقدمة شكل الدعوة والتجنيد اختلف، فكنا نرى أن الذي له ميول ومؤمن بتوجهنا يجب أن يلتزم معنا، وأعتز بانضمام الأستاذة فاطمة الطاهر حضرة، وكانت مهمومة بالعمل الاجتماعي في بحري، وأدت البيعة على يد الشيخ حسن الترابي.

* حدثينا عن أول خروج من أم درمان؟

– أنا لم أخرج من أم درمان إلا بعد تعييني في منطقة أم ضوا بان، وكانت منطقة بعيدة وقتها، فالطريق إليها لم يكن سهلا، كانت منطقة سفر وتستغرق أكثر من ساعتين لنصل إليها، وكانت تجربة مهمة جدا، وبعد المنطقة الروحي أيضا أثر في كثيرا بوجود المسيد، وهذه الفترة صادفت فترة الحملة الانتخابية بعد الانتفاضة، ففي 87 حضرت الانتخابات هناك، ولم نكن معلمات فقط، كنا داعيات في الأحياء، وكنا نبشر للجبهة الإسلامية القومية وحملتها الانتخابية، وكانت فترة ثرية استمررت بها سنتين، وبعدها انتقلت إلى أم درمان الثانوية، والتحقت للماجستير في معهد الخرطوم الدولي للغة العربية، وبعدها كلفت بأول مهمة عمل سياسي وعمل اجتماعي لاتحاد المرأة بغرب دارفور.

* دخولك للعمل السياسي نقلة فكيف كان هذا الدخول؟

– بعد رجوعي من أم ضوا بان، كنت أعمل مع وحدة الحي في الحارة 14، في عمل الدعوة في البيوت والمسجد، وكانت هناك حلقات أشهرها حلقة الثلاثاء، وانتخبت في الفترة التي قبل الإنقاذ في مؤتمر عام في 1988 في اللجنة الشعبية للحي، وكان هناك رموز للعمل الإسلامي واليساري بها، وانتخبت من ضمن 6 وكانت لجنة منوعة، وكان فيها تنوع في الفكر، وعملنا معا لخدمة الحي، وبعد سنة انتخبت مرة أخرى في لجنة شعبية، وهذا أتاح لي فرصة عمل نسوي من عمل دعوي لعمل اجتماعي خدمي لعامة المواطنين، فعملت في التواصل مع الفقراء وغيره من العمل الاجتماعي، وكانت هذه الفترة من أخصب الفترات التي عملت بها، وكنت أحفظ جميع البيوت بالحي، وعددها 1020، وأستطيع أن أفرق بين مستوى كل أسرة وأسرة ما بين فقيرة ومتوسطة وهكذا… كنا نعرفهم بالاسم، فكان تواصلا لصيقا وقويا بالمجتمع، وأنا كنت أعمل مع والدي منذ الجامعة لتحمل نفقات الأسرة مع الوالد في المساحة، فكانت لي بدايات للعمل العام، حتى جاء الاتحاد العام للمرأة السودانية.
* هذه أيضا محطة مهمة في حياتك فهل كان الاتحاد فكرتك أنت؟

– هي فكرة جماعية، وكنت كادرا قاعديا في الحارة 14، منذ الثمانينيات حتى 1989، وعلاقتي بالإنقاذ بها جانب روحي.
* كيف؟

– كنت أعمل مع مدير شيوعي بعد الانتفاضة، وكان ملحدا، فكان عندما يرى بنتا محجبة كان يخلع لها الخمار بطريقة مستفزة، وكان يمارس سياسة قهر وظلم على طالبات التيار الإسلامي، وكنت معلمة وتحصلت على كتب إسلامية فصادرها وقال لي هذه الكتب بها سموم، فكنا نشعر بالظلم طالبات ومعلمات، وكانت هناك انتخابات وترشحت فيها، وفزنا بها، وكانت هذه بداياتي في العمل النقابي، ويوم الثلاثاء الموافق 26 يونيو 1989، رأيت في المنام أني خرجت من مسجد، فقابلني المدير منزعجا وقال لي مصيبة يا أستاذة، البلد دي سيحكمها عمر بن الخطاب، فلم أعلّق، وصحوت من نومي وفي حلقة للدرس، حكيت لهم الحلم وانتهينا على ذلك، قالوا خيراً، وفي صلاة الجمعة التي تلت مباشرة في 30 يونيو جاءوني يكبرون، قالوا لي إن الانقلاب الذي حدث قام به شخص اسمه عمر، قلت اللهم اجعله خيرا، وقلت لهم لا تربطوا الأمور؛ نننتظر لنرى.

* ومتى بدأت العمل مع الإنقاذ؟

– بعد ستة أشهر كان هناك مؤتمر للإنقاذ، ووجدت اسمي موجوداً من ضمن المدعوين، وكانت أوّل مشاركة لي، فكنت معلمة ثانوي وكان يعتمد علي في الحملات الانتخابية في الجبهة الإسلامية قبل الإنقاذ في الأحياء، وكنت معروفة، وتمّ ترشيحي للمؤتمر، وجلست به 10 أيام تقريبا، والتقيت بأسماء مشهورة منهن سارة أبو، وزينب المكي صادق، وتم التداول في كل القضايا، وتمت تسمية التنظيم المقترح، وبالانتخاب تم اختيار الاتحاد العام للمرأة السودانية، فالناس لم يريدوا تسميته بالاتحاد النسائي، وكنت في الماجستير، وفي منتصف 1991 انتهيت منه، وجاءتني اثنتان من أخواتنا باركتا لي، وكلفتاني أن أذهب في اليوم الثاني إلى الجنينة لإنشاء الاتحاد هناك.

* ذكرياتك في أول خروج؟

– محطة غرب دارفور كانت أول سفر خارج الخرطوم، وأول ركوب للطائرة، وكان مفروض أن يكون 10 أيام فقط، وقعدنا 45 يوما مع الأخت نوال غلام، وأتذكر أن شنطة ملابسي ضاعت في المطار، وذهبت بغيار واحد في كيس، وهذا الوقت كانت دارفور محافظة ومواردها شحيحة، وإمكاناتها ضعيفة، وكانت هناك أمطار ووسائل حركة صعبة ومشينا كل المحليات، وكانت الاستجابة كبيرة جدا، وأغلب مؤتمراتنا كان يحضرها نساء ورجال، فكنت أناقش مع النساء قضاياهن وذهابهن للحقل، والرجال أيضا كنا نناقشهم في هذا الموضوع بأنّ ذلك ليس عملاً للنساء، وحضرنا مؤتمراتهم العامة، وبعدها كانت درجة الاستجابة كبيرة من حملات نظافة، وتكافل اجتماعي، وكانت بذرة صحية فعلا، ورغم أن النساء كن يأتين مرهقات من الحقل، ولكن بكل محبة وروح طيبة يفرغن من واجبهن المنزلي ويأتين للمؤتمرات ليلا، تحت أضواء الفوانيس والرتاين، لم تكن هناك كهرباء، إلى أن انتهينا من مؤتمر المحلية، ولم يكن هناك أي تليفونات ولا اتصالات لطمأنة الأهل، وحتى الناس كان يقولون لأهلي (بنتك دي خلاص ناس الحكومة أخذوها).. كانت بالنسبة لي حملة متصلة بخطاب جماهيري في 45 يوما، كانت بدايات لعلاقات لتواصل اجتماعي، وتعلمنا من نساء دارفور كثيرا من العزيمة والإرادة وقوة الشخصية والصدق والوفاء، والكرم، والتهادي ثقافة أصيلة لدى أهل دارفور، فهم يهدوك أيا كانت حالتهم الاجتماعية، فدارفور كانت مدرسة وكانت حبلى بالمحطات السياسية والاجتماعية.

* ومتى بدأت عملك النقابي؟

– كلفت بمهمة عمل نقابي وتم استيعابي في جامعة العلوم والتكنولوجيا، والجامعة كانت عالما آخر، وفي أي مؤتمر للاتحاد كنت أشارك فيه، وفي الجامعة بدأت علاقتي بالنقابات، وتم تكليفي بالعمل النقابي ورشحت في أول لجنة في جامعة السودان، وكنت سعيدة لأنه كان بها من مختلف المجالات المهندس والفراش، وتعلمت منهم الكثير، وفزت من جامعة السودان لنقابة التعليم العام، إلى أن تم تصعيدي إلى للجنة المركزية لاتحاد العمال، ودخلت المكتب التنفيذي في 1993، وكنت أول امرأة في نقابة عمال السودان، في هذه المحطة تم التفكير في رابطة للنساء العاملات، وكنت مكلفة ببناء هذه الرابطة، وبين هاتين المحطتين، اتحاد المرأة كان يبنى في كل السودان، في 1993، وعقد المؤتمر التأسيسي له، وانتخبت فيه سمية أبو كشوة أميناً عام، وأنا عضوا للأمانة العامة ومجموعة من الأخوات، وكنت أعمل في 3 أجهزة نقابية، كنت الأمين السياسي لاتحاد المرأة وعضو اتحاد العمال وعضو المرأة العاملة، كل محطة أعطتني كثيرا، وتركت الرابطة بعد عام. وفي 1996 دخلت البرلمان وجلست به سنة مع شيخ حسن، وفي 1997 كنت أمينا سياسيا للاتحاد وعضو برلمان، وفي هذا الوقت تم تعييني وزيرة بولاية نهر النيل ولم أعرف بتعييني إلا من الإذاعة.

* كيف حدث ذلك وما هو إحساسك عندما سمعت بأنك وزيرة؟

– لم أكن سعيدة، ففي الاتحاد ننتخب النساء، ولذلك كنا نحس بسعادة الفوز، وكنت وقتها مع سمية أبو كشوة في البيت وجلسنا نكتب كلما أتى اسم من نعرفها كنا نكبر، وعندما جاء اسمي بكيت.

* (مقاطعة)… من الفرحة؟

– أبدا لم تكن فرحة، كنت أشعر أنني اقتلعت من عمل جماهيري كنت سعيدة به، وأنا في الاتحاد وفي البرلمان، لم أكن أطمح للوزارة، كنت سعيدة بالعمل مع النساء، وكأنما الرسالة بخروجي من الاتحاد، وفي الليل قابلنا عبد الرحيم محمد حسين، وقال لي أن الزبير محمد صالح لن يقبل أي اعتذارات، وأفضل ألا تعتذري، وجلست بالوزارة سنة تقريبا، وتزوجت قبل أن أذهب.

* كيف تم الزواج؟

– كان هناك أكثر من شخص تقدم لي، وبعد تأدية القسم فكرت أنه من الأفضل أن أذهب إلى الولاية وأنا متزوّجة.

*…؟

– لم آخذ أمر الزواج بجدية، والشخص الذي تقدم لي لم أكن أعرفه، كان يعمل بالعمل العام، وكنت في اجتماع، وجاءتني سميّة أبو كشوة وانزعجت، كنت أتخيل أنّ هناك شيئاً قد حدث، فقالوا لي هناك عريس، وأخذت الموضوع على أنهم يريدون تزويجي قبل المنصب، وكأنّهم اجتمعوا بشخص وأمروه أن يتزوجني، فأقسمت لها لولا أنني أديت القسم لكنت تراجعت هذا المنصب، فقالت لي لا تستعجلي، وقالوا لي إن العريس اسمه إبراهيم الطاهر، وكان أمينا للحركة الإسلامية بولاية نهر النيل، وعضو برلمان الولاية، وقالوا إنّه حافظ للقرآن وأثنوا عليه كثيرا، فطلبت أن أراه ثم أستخير بعد ذلك، ولكن الموضوع عموما كان مستفزا، وفي الوقت نفسه كان لابد أن أتزوج، وظللت أردد “اللهم إني أشكو لك ضعف قوتي وهواني على الناس”، وثاني يوم استدعوه وفي مكتب الأمين العام لاتحاد المرأة، وكان معه ثلاثة من كبار إخوة نهر النيل، وعندما رأيته شعرت أنني رأيته من قبل من خلال المؤتمرات التي كنا نحضرها، وأول ما رأيته قلبي أعطى له تأشيرة مرور (50%)، وتحدثنا وقال لي إنه يعرفني تماما، فسألته لماذا تقدمت لي هل لأنّ الإخوة طلبوا منك ذلك؟ فقال لي أبدا، وضحك وقال لي لا يوجد رجل بالدنيا يجبره أحد على الزواج، فهذه رغبة مني، وقلت سأستخير، وقال لي أنا متزوج وعندي أطفال، وزوجتي من الأخوات وملتزمة وليست عندها مشكلة فأنا تزوجتها زواج دعوة، وكلمتها وأخذت موافقة، وأهلي موافقون، واستخرت ورأيت في منامي أنّنا في حديقة كبيرة بها أشجار نخيل وتحت الأشجار هناك صحن به عصيدة بيضاء وروب أبيض، وهو يقدم لي هذا الصحن وتزوجنا.

* كيف كان الفرح؟

– ضحكت… عرسي كان عبارة عن مهرجان سياسي، فبعد خمسة أيام من مقابلتنا، أتى الفرح ولاة ووزراء، كان يوم 12 أكتوبر في 1997، وكان به آلاف النساء من المحليات، وكان وكيلي الشهيد الزبير محمد صالح، وعقد قراننا الشيخ حسن الترابي، وعمل الترابي خطبة سياسية كبيرة، وكان بفرحي لافتات مكتوب عليها نبارك للأستاذة رجاء وتكبير وتهليل، ولم ألبس زينة ولا ذهبا كثيرا فكان الشكل العام في ذهني ودخلت الولاية وأنا متزوجة.

* الزواج كان نقلة بحياتك؟

– كثير جدا، كنت على قناعة أنه لابد أن أذهب وزيرة للشؤون الاجتماعية وأنا قدوة للناس، وزوجي شكل لي دعما نفسيا كبيرا جدا، فكان شخصا موسوعيا يعرف نهر النيل قرية قرية وحيا حيا، ويعرف تاريخها وقياداتها، فكان مستشارا جيدا جدا لي، ودعمني نفسيا في عملي دون أن يتدخل فيه، ولا أتذكر أنه توسط عندي لأي مشكلة تخصه، وعندما حملت بابني الوحيد أحمد في شهوري الأولى، كان مساندا لي حتى أحافظ على الحمل، فكنت في الأربعين والحمل يحتاج إلى رعاية، وعدم إجهاد، وكانت الوزارة تحجيما لعملي الكبير بالاتحاد، والحمد لله لم يعطلني في عملي، وبعد الإنجاب في 1998، وتوفى زوجي منذ 3 سنوات.

* وبعد الولادة؟

– كنت أسمع أنهم يرغبون في عودتي إلى الاتحاد، ولكنني لم أكن مشغولة بذلك، وقالوا نريد أن نرجع للاتحاد حيويته، وأتتني وفود من النساء فقبلت، وقتها الوالي قال خلاص نعفيك، فقلت أنا التي سأطلب الإعفاء، ووافق على ذلك، وانتخبت أمينا عاما للاتحاد، واستمررت به 3 دورات متصلة، دورتا أساس والثالثة استثنائية، والاتحاد كان محطة كبيرة بالنسبة لي عرفني على السودان وقراه ونسائه، ومسيرة السلام والجهاد والاستشهاد، وسبقنا الكل بأننا أخذنا قرارا في مؤتمرنا الثالث للاتحاد، انتخبنا سارة أليجا وهي جنوبية كعربون لجعل الوحدة جاذبة، وأبلت بلاء حسنا ولكن إرادة الجنوب كانت في الانفصال.
* ومع ذلك يقولون إن الاتحاد كان مسيسا ويهتم أكثر بعضوات المؤتمر الوطني والإسلاميات؟

– هذا كلام غير صحيح، بشمول بنائه، فهو تنظيم يشمل كل السودان من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه، وبعد الانفصال كانت به نساء من اتجاهات أخرى، صحيح أن استجابة القاعدة كانت بشكل كبير من الإسلاميات، لأن الاتجاهات الأخرى لم ترد الاشتراك فيه، وهناك نساء مختلفات اشتركن في الاتحاد، فلم يكن مقصورا على الإسلاميات، فهو مفتوح، قد يكون هناك رباط روحي مع الإنقاذ وأطروحاتها الفكرية، مع استجابته لنداءاتها في السلام والتنمية والجهاد، وغيرها، فالاتحاد مدرسة كبيرة في قوميته، أما السياسة، فلأن العمل السياسي حظه في الإعلام أكبر فكان التركيز على أعمالنا السياسية أكبر من عملنا الاجتماعي والاقتصادي.

* تحبّي ترتاحي وين بعد هذا المشوار الطويل؟

– لا راحة حتى ألقى الله، فالحياة أصلا ليست مكانا للراحة، سنواصل وجودنا في الحياة، وسنكون موجودين بالخبرة لإحداث التغيير، وأنا معنية بالتوثيق، وكانت رسالتي للدكتوراه للتوثيق بعد فترة طويلة من العمل والخبرة، والعمل أخّرني كثيراً عن إنجاز الدكتوراه التي انتهت منذ أيام بسيطة، ولكني عملتها بعد تجربة، وسأواصل في التوثيق عن العمل الاجتماعي والنسوي.

صحيفة اليوم التالي
صباح موسى
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version