الطيب مصطفى : الموازنة المضروبة ..!!

[JUSTIFY]سوء طالع عجيب ومخيف ذلك الذي صاحب موازنة «2014»، فقبل أن تُجاز موازنة العام القادم التي بلغ العجز الكلي فيها حوالي الثمانية مليارات جنيه، انفجر بركان الجنوب واحتل د. رياك مشار ولاية الوحدة حيث يُنتج معظم البترول وخرج النفط من سلطة حكومة سلفاكير، بل توقف إنتاجه نهائياً مما جعل التعويل على إيرادات نفط الجنوب التي أُدرجت في الموازنة مجرد أمانٍ وأحلام .

العجز الناتج عن فقدان أموال بترول الجنوب يُمثل ثلث العجز الإجمالي البالغ الآن جراء التطورات الأخيرة 12 مليار جنيه فهل تتجه الحكومة إلى «الحيطة القصيرة» أو قُل إلى الشعب بمزيد من القرارات الاقتصادية التي تزيد من أوجاعه وبؤسه أم تجد و«تنكرب» هذه المرة وتتبع القول بالعمل من خلال تطبيق حزمة السياسات التي أعلنت عنها عند إعلان رفع الدعم عن الوقود؟!

سؤالي ناشيء عن تجربة سابقة فاشلة اعترف بها دهاقنة ملف الاقتصاد في الحزب الحاكم، فقد أعلن كل من رئيس القطاع الاقتصادي د.صابر محمد الحسن و أمين الأمانة الاقتصادية بالمؤتمر الوطني في وقت سابق عن فشل الدولة في إنفاذ البرنامج الاقتصادي الثلاثي خاصة فيما يتعلق بخفض الإنفاق الحكومي ومحاربة التجنيب، فبالله عليكم ما الذي يجعلنا نثق هذه المرة في وعود الحكومة التي لم تجد غير ظهر الشعب لتسحقه بقراراتها، بعد أن نأت عن إلزام نفسها بما قررته من سياسات، ضاربة بذلك المثال السيئ في أمر الناس بالبر ونسيان نفسها؟!

مجدداً تعود الحكومة لقطع الوعود فها هو وزير الدولة بوزارة المالية د. محمد يوسف يُعلن الحرب على التجنيب ويؤكد أن الموازنة الجديدة تتضمن آليات جديدة تمنع تلك الآفة التي أعيت الطبيب المداوي بما في ذلك قفل الحسابات بالبنوك التجارية وحصرها فقط في بنك السودان بما يمكن وزارة المالية من إحكام ولايتها على المال العام.

إن أكثر ما ايأسني من قُدرة الحكومة وتحديداً وزارة المالية على إنفاذ هذه السياسات أن كبار قيادات الدولة باتوا لا يتورعون عن الدفاع عن خرق القانون وأعني أنهم يدافعون عن التجنيب ويتحدثون عن مزاياه والفوائد التي حققها في خرق فاضح لأهم مبادئ الحكم الراشد وفي تناسٍ غريب لحقيقة أن التجنيب يُعتبر من أكبر عوامل الفساد و الإفساد.

البلاء الآخر الذي ينهش في جسد الاقتصاد السوداني ويزيد من مشكلة الفساد المُستشري إلى جانب التجنيب الذي يُخرِج جزءاً كبيراً من المال العام من سلطة وزارة المالية ويتركه نهباً لأصحاب المصالح يتمثل في شركات القطاع العام التي أحدثت من التخريب في اقتصادنا الوطني ما لم يعلم به إلا الله، فإذا كان رئيس الجمهورية قد أطلق على ذلك السوس الذي ينخر في اقتصاد البلاد اسم شركات «النهب المصلح» فقد انتهى الحديث وقطعت جهيزة قول كل خطيب، ولا أظن أن أحداً سيجد وصفاً ساخراً ومعبراً عن حجم الفساد الذي تحدثه تلك الشركات أكثر من تلك العبارة المُشتقة من ذلك الوباء الذي يفتك بأمننا الوطني وباستقرارنا السياسي المعروف بالنهب المُسلح.

ليس أدل على بشاعة الجرم الذي عجزت الدولة عن مكافحته من أن تُقر به في موازنتها، فقد كشفت موازنة العام 2014 عن وجود (613) شركة حكومية منها (247) بالولايات و (190) شركة اتحادية!!

العجب العجاب أن مشروع الموازنة وصف أداء معظم الشركات الحكومية بالمعدوم أو «صفر»، فبالله عليكم ما الذي يُبقيها بعد أن اعترفت الدولة بأنه لا فائدة منها غير المصالح التي تحققها للقائمين عليها؟!

كثيراً ما سمعت كبار قيادات الدولة يتحدون من يتحدثون عن وجود فساد أن يأتوا بالدليل وأعجب أن يكون الدليل بين أيديهم ولكنهم يرفضون النظر إليه، فلطالما قلنا إن مجرد وجود تجنيب يُعتبر فساداً يتبختر بين الناس في تحدٍ سافر للقانون الذي يحرمه، ولطالما تحدثنا عن أن وجود هذه الشركات الصفرية في حد ذاته وعجز الدولة عن خصخصتها يقدم دليلاً ناصعاً على فساد كبير و داء وبيل يفتك بهذا الوطن المنكوب.

هكذا نحن دائماً في تعاملنا مع الأزمات لا ننظر إلا في مستوى أرنبة أنوفنا، فقد كانت الموافقة على الحريات الأربع قفزة في المجهول وثبت اليوم والجنوب على شفا الحرب الأهلية أن منحنا لأبناء الجنوب جميعاً الحق في معظم ما تُتيحه المواطنة الكاملة يمكن أن يدخل البلاد في كارثة كُبرى حيث تضطر الحرب الملايين إلى الهجرة إلى السودان بكل ما يعنيه ذلك من أخطار أمنية ومشكلات اقتصادية وسياسية مجهولة الأبعاد والتداعيات.

نفس الشيء حدث حول إدراج بترول الجنوب في الموازنة العامة وليتنا نمر على الاتفاقيات الثماني المبرمة مع الجنوب ونراجعها تحسُباً لما يمكن أن تحدثه من تأثير حال تطبيقها إذا اشتعل واشعل معه السودان.

أكثر ما يُخيف في موازنة العام القادم هو الانعكاسات الأمنية لحرب الجنوب على السودان بالإضافة إلى حرب دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، فهل نتمكن من التأثير على الأوضاع في الجنوب ونحيلها إلى نعمة على السودان بدلاً من نقمة تقضي على الأخضر واليابس؟!

صحيفة آخر لحظة
الطيب مصطفى
ت.إ[/JUSTIFY]

Exit mobile version