“ليت هذا العام يمضي”.. كانت تلك العبارة ترد على ألسنة كثير من المثقفين جراء فاجعة رحيل محمد حسين بهنس، الشاعر والموسيقي والفنان التشكيلي، الذي عثرت عليه السلطات المصرية متجمداً من البرد والجوع في أرصفة القاهرة.. بهنس الذي مات بحسرة العبقرية بخلاف ما سبقه وما تلاه من فجائع هو مستودع البارود الذي يقف عليه وزير الثقافة الجديد الطيب حسن بدوي.
* وصية الرئيس
الطيب البدوي الذي صعد بخفة من رئاسة مجلس الشباب والرياضة وجلس على عرش وزارة رمادية وعصية على التصنيف، وجد نفسه محاصراً بمعنى مغاير لذلك المعنى الذي صوبه عبد القادر الكتيّابي ساعة أن سمع بتعيين ابن الشاعر صديق المجتبي وزيراً للثقافة، حينها قال الكتيابي قولته الشهيرة “إنه الرجل المناسب في المكان المناسب في الزمان غير المناسب”، مبعث التساؤل: هل سيلتزم البدوي بتلك الرؤية التي أسرّ بها الرئيس البشير للأستاذ محمد لطيف في محاولة لتعريف المشروع الحضاري؟ حيث دفع رئيس الجمهورية بالقول :”إنّ المشروع الحضاري في الأصل مشروع ثقافي”، وأضاف: “لم نأت لنعلم الناس الصلاة والصيام ودخول المساجد، ولم ندّع بناء المدينة الفاضلة، فالمدينة المنورة حينما كان يعيش فيها الرسول صلّى الله عليه وسلم، كان يعيش بجانبه فيها المنافقون واليهود والذين في قلوبهم مرض”.. وذهب الرئيس إلى أن البعض أساء مفهوم المشروع الحضاري والبعض أساء تطبيقه، وأعلن أن وزارة الثقافة عائدة بمهام كبيرة واستراتيجية.
ليالي الخرطوم الثقافية كانت وستظل معلماً بارزاً.. “الثقافات السودانية وتنوعها هي سلاحنا لمحاربة القبلية والجهوية والإثنية.. عبر رعاية هذه الثقافات وتطويرها والعمل على تلاقحها”، وخلص إلى أن “تراجع الاهتمام بالحياة الثقافية كارثي النتائج”، واعتبر أنّ المرفوض هو التبرّج والتفسخ والمظاهر الشاذّة، وليس المطلوب الحجر على حركة الحياة الطبيعيّة ولا مصادرة حق الناس في الحياة العادية.. “الشعب السوداني بكل سحناته وأعراقه وثقافاته ولهجاته محبّ للغناء والشعر والتطريب، متفاعل معه، وعبر عن هذا التفاعل، وهذا حقّ مشروع ومكفول في حدود الالتزام الذي تحدّده الأعراف الاجتماعية لا القوانين السلطوية”..
محتوى تلك الرؤية أنّ الثقافة هي بلسم لمعالجة الجهوية والقبلية، وهى المهمة سيضطلع بها الطيب في الغالب.
* كرة اللهبالطيب ليس وحده الذي فتحت قبالته بوابات الجحيم، ولكن وزير المالية الجديد بدر الدين محمود ربما يكون هو الرجل الذي يناسبه لقب (سيئ الحظ)، فبعد أيام قليلة من طرح الموازنة والتأكيد على أنّ حجم العجز الكلي لا يتجاوز نسبة (5.1%) من حجم الناتج المحلي الإجمالي من حزمة تباشير، اندلعت المعارك في جنوب السودان بشكل مفاجئ وحلّق شبح الموت على مقربة من من الشرفات وتعقّدت الحسابات.. ذات الأنابيب التي عمل وزير المالية على أن تضخّ له في الخزينة العامة العافية والدولار تحوّلت إلى أنابيب بارود قابلة للاشتعال، وتصاعد دخان كرة اللهب بعد أن احتلت قوات مشار مناطق البترول في ولاية الوحدة، ومضى الرجل صاحب الطموحات الشاهقة والفلجة والعصا السحرية إلى التهديد بوقف تدفّق النفط..
آراء الاقتصاديين ذهبت إلى أنّ التأثير المباشر على الشمال يدخل من بوابة الاقتصاد، سيّما وأن موازنة العام المقبل والتي أودعت البرلمان حوت أربعة مليارات دولار في بند الإيرادات من عوائد رسوم النفط الجنوبي.
* عودة الصفوفالحرب الجنوبية التي ألقت بظلالها على الوضع في الشمال رشت بلعنتها مباني وزارة الطاقة.. مكاوي محمد عوض حصل على نصيبه أيضاً من نيران الجنوب، فنمت الشائعات عن ندرة في الجازولين، وخرجت الصحف بالعناوين المروعة: “الصفوف تطوق الطلمبات.. الحافلات تتوقف عن الحركة”.. ثمة أزمة في الجازولين ولازالت الكثير من الطلمبات تشكو من نقص التموين.. مكاوي دخل في معمعة جديدة، وقد ذهبت وزارته إلى التأكيد بأن الوضع طبيعي ولا أزمة في الوقود، ولكن واقع الحال رصف خطوطا جديدة على مدار الأزمة.
على مقربة من ذلك أثار الانقطاع المفاجئ للكهرباء نهاية الأسبوع الماضي في كل أنحاء العاصمة جملة من الأسئلة، أخطرها: ما الذي حدث بالضبط؟ ولماذا لم يصدر خبر يطمئن الناس على استقرار التيار؟ الوزير معتز موسى في أول ظهور إعلامي له أوصى منسوبي الوزارة بإخلاص النيّة والتجرّد وأكّد مضي الوزارة في تشييد السدود وحفر الحفائر، ومشروعات حصاد المياه، ومدّ شبكات الكهرباء لكل أنحاء السودان.
إذاً، جملة من التحديات تواجه الوزير الشاب كما تواجه زملاءه، فكيف سيتصرفون حيالها، وخلال هذه الفترة القصيرة التي تسبق انتخابات (2015)؟
صحيفة اليوم التالي
ع.ش