للمرة الـ«خُرتمية»، أذكر القراء بأن هذه السلسلة من المقالات متكاملة، لأنها تتعلق بتجربة معينة، هي بالتحديد أول زيارة لي لبلد أوروبي (بريطانيا)، وما تبع ذلك من صدام للحضارات، وكيف أنني وبحكم وجودي في بلد يصنف الناس بحسب ألوان بشرتهم، اكتشفت أنني «خاطف لونين»، أي عرنوبي أي عربي- نوبي وبالتالي عربيقي أي عربي – إفريقي، وأذكر مجددا أنني أعتزم بعون الله إصدار هذه السلسلة من المقالات في كتاب يحمل اسم «العربيقي»، وقبل الاسترسال، لابد أن أضيف إلى قاموس غير السودانيين كلمة جديدة هي «خرتمية»، ولشرح معنى الكلمة سأستخدمها في عدة جمل: المدير للموظف: حذرتك خرتمية مرة ألا تدخل مكتبي من دون استئذان!! الأب لولده: قلت لك خرتمية مرة إنني لن اشتري لك جزمة أديداس أو نايكي!! الزوجة المفترية للزوج الغلبان: نبهتك خرتمية ألف مرة لازم ترجع البيت قبل الساعة تسعة مساء!! هل فهمت معنى الكلمة؟ بالضبط، هي مفردة مفبركة مثل «خرنق» ولكنها شائعة الاستعمال في السودان للمبالغة والتهويل في «الأعداد»، وفي معظم الدول العربية يستبدلون خرتمية بـ«دشليون»، وهي مثل خرتمية عدد للتهويل، في الأمور التي لا تحتاج إلى الدقة في تحديد العدد، والإنجليز والأمريكان يستخدمون كلمة «زيليون» بنفس المعنى، أي أنها لا ترمز إلى عدد حقيقي بل القصد منها التهويل بأن الأمر يتعلق – ربما – بآلاف البلايين، أما عند التهويل البسيط فإنهم يستخدمون كلمة «أمتين umpteen»، بأن يقولوا مثلا: حذرتك أمتين تايمز (مرة) من اللعب بالكرة داخل غرفة الجلوس، وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن معظمنا لا يعرف من الأرقام ذات الأصفار الستة ومتوالياتها، سوى بليون (مليار بالفرنسية) وتريليون، وبالحساب الأمريكي فإن ما يلي التريليون هو الكوادرليون ثم الكوينتليون، أما ديشليون المستخدمة عند العرب لتهويل الأعداد فهي تصحيف لـ«ديسليون» بالسين وهو العدد واحد (١)، وأمامه ٣٣ صفرا عند الأمريكان و٦٠ صفرا عند البريطانيين.
كنت قد فزت بمنحة دراسية إلى لندن في عام ١٩٧٦، على نفقة حكومة ألمانيا الغربية، وكدت من الزهو أغيّر اسمي إلى جعفر ستوفر عباسومبوس، لأنني أحسست بأنني أول من اكتشف بريطانيا، وزاد من فرحي بالمنحة أنني كنت قد غادرت السودان بعد عقد قراني على زوجتي الأولى (والأخيرة)، من دون إتمام مراسيم الزواج السودانية المعقدة والمرهقة ماديا، ولكن وبعد نحو أربعة أشهر في لندن صرت من الأثرياء، لأن مدخراتي بلغت المائة جنيها سودانيا للمرة الأولى في حياتي (عقبال المليون بس مش بالجنيه السوداني، علما بأنه كان وقتها يساوي نحو جنيهين استرلينيين إلا بضع بنسات)، وبعد عودتي من بريطانيا بنحو سنة تعاملت مع «الألف» ولكن بالريال السعودي عندما التحقت بشركة أرامكو في وظيفة مترجم.. سبحان الله كنا فين وبقينا فين، فاليوم صرت بفضل الله مليونيرا، ويشاركني اللقب ما لا يقل عن خمسة ملايين سوداني، بعد ان صار الدولار الأمريكي يساوي نحو ٦٠٠٠ جنيه سوداني، ورغم ان حكومتنا – نكاية بي – قامت بحذف ثلاثة أصفار من عملتنا بحيث صار المليون (١٠٠٠) فقط، فإن من يعرف عزه مستريح، وما زلت مثل معظم السودانيين لا اعترف بالأصفار المحذوفة، لأن ذلك مريح نفسيا من ناحيتين: تستطيع مثلا أن تقول لشخص ما إنك ستعطيه مليون جنيه ك«مساعدة»، رغم أن جنيهاتك في عُرف الحكومة «ألف»، وتستطيع أن تشكو لأن سعر الخروف بلغ ٧٠٠ ألف، بينما يزعم بنك السودان المركزي أن سعره ٧٠٠ جنيه فقط لا غير.
[/JUSTIFY]جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]