ولكي نعرف لماذا يرقد صديقي بأنف مهشم وأربعة غرز دعونا نرجع فلاش باك ، لأيام قليلة للوراء ، لنتابع هذه القصة … أنا وعبدو نعمل في معمل المستشفى .. قل عنا فحيصين ، قل تقنيين ، قل أطباء مختبر كما هو مفترض ، قل ما يحلو لك عن وصفنا الوظيفي الذي حيّر العالم ودعني أكمل باقي القصة … منذ زمن وأنا عندي هواية سوداء غريبة يستنكرها معظم الزملاء .. فأنا يا سادة مغرم بجمع نتائج الذين ماتوا قبل أن تخرج فحوصاتهم ، والأحتفاظ بها في أرشيف صغير عندي لأتذكر هؤلاء وأتذكر الموت كلما فتحت الإرشيف … وذات يوم ونحن نعمل ناولني صديقي عبدو نتيجة وقال لي بلا مبالاة :
– الزول ده أتلحس ، وأهلو ما جو للنتيجة .. خليها معاك
تناولت النتيجة التي تحمل إسم : عثمان السيد وأدخلتها في جيبي ، ونسيت الموضوع … بعد ثلاثة أيام وبينما أنا في البيت أجلس بجوار جدتي التي تحكي للصغار ، رن هاتفي الجوال ، فتحت الخط فسمعت صوتا غريبا به ( نخنخة ) يقول :
– إنت دكتور إبراهيم
– أيوا أنا هو
– نتيجتي وين يا دكتور ؟
– نتيجة شنو ؟
– نتيجة فحوصاتي .. أنا مشيت المعمل وقالو إنت شلتها معاك
– ما قاعد أشيل معاي نتائج للبيت… إنت إسمك منو ؟
– أنا عثمان السيد
– ………………………………………………
– ألو .. ألو .. إنت معاي يا دكتور ؟
تخاذلت ركبتي ورحت أرتجف وأردد البسملة وأنا أقول :
– أنا .. إنت .. عبدو قال .. ال…
قال بصوته المنخنخ :
– أنا محتاج ليها ضروري شديد … الجماعة ديل محتاجنها
قلت لها مرتجفا :
– وهم هناك بحتاجو لنتائج فحص ؟
– طبعا يا دكتور .. دي مسألة حساب في النهاية
– ح ح حساب
– أيوا حساب … أنا بجيك بكرة بشيلها منك
وأغلق الخط وتركني وأنا أرتجف ، ثم أسرعت لملفي وتفحصته … فعلا : عثمان السيد ، طلب فحوصات وظائف الكلى لأنه مصاب بفشل كلوي … وحبوبتي في الخارج لا تزال تحكي للصغار :
– والبعاتي يا أولادي بيتم تلاتة أيام في قبرو ، وبعد داك بطنو بتتنفخ وتتنفخ ، وطرااخ تنفجر ويطلع منها دخان أسود وياخد شكل الزول المات … البعاتي صوتو بينخنخ وما بيقدر يعاين للسما ، وريحتو عفنننننة ..
الله يطمنك يا حبوبة … قصة مناسبة جدا تحكينها لنا منذ كنا في الثانية من أعمارنا … وطوال الليل راحت الكوابيس تهاجمني عن بعاتي عملاق إسمه عثمان عاد من قبره وراح يخنقني سائلا :
– نتيجتي وين ؟ نتيجتي وين ؟
وفي الصباح قررت عدم الذهاب للمستشفى ، لن أقابل هذا الشئ أبدا … ولكن قبل أن
أزيد في تفكيري إرتفع صوت هاتفي … بيد مرتجفة أرد :
– الو
نفس الصوت المنخنخ :
– أيوا يا شاب .. إنت وين ؟ أنا منتظرك في المستشفى
– أأأأ أنا تعبان الليلة ما بقدر أجي
– خلاص وصف لي البيت أنا بجيك
– لا لا لا لا لا … خليك هناك أنا بجيك ..
– سريع عليك الله والله الجماعة ديل زانقني شديد في الموضوع ده
بلعت ريقي بصعوبة كأنني أبلع قنفذا ، وسألته :
– يعني أنا لما أمشي ليهم لازم أشيل معاي نتائجي ؟
– طبعا يا دكتور … وده أحسن ليك من جهجهتي دي
وذهبت للمستشفى وأنا أردد كل ما أحفظه من قرآن وأدعية وأناشيد دينية … أمام المعمل لا يوجد أحد .. أين هو ؟ وشعرت بيد توضع في كتفي وصوت منخنخ يقول :
– أخيرا جيت يا دكتور
و… طاخ سقطت فاقدا للوعي ….
أفقت لأجد نفسي على سرير صغير في الحوادث وحولي مجموعة من الناس وبينهم صديقي عبدو ورجل لا أعرفه يقول بصوت منخنخ :
– مالك يا زول الحصل عليك شنو ؟ هسي أخرتني من ناس التأمين منتظريني من الصباح .. لا حول ولا قوة إلا بالله
وقال لي صديقي عبدو ضاحكا :
– الزول المات إسمو السيد عثمان ما عثمان السيد ههههههههههههه
وقبل أن يكمل ضحكته ، طاااااخ هوت اللكمة على وجهه … أنتم تعذرونني الآن لأنني هشمت وجهه وأنا غير نادم …. لا أدري لماذا أتمنى إضافة نتيجته لأرشيفي العزيز
الكاتب الساخر : د.حامد موسى بشير