جنوب السودان صراع له تاريخ !

[JUSTIFY]رغم أن انفجار الأوضاع في جنوب السودان مطلع هذا الأسبوع بدأ للبعض مفاجئا إلا أن الذين ظلوا يتابعون مجريات الأحداث والعلاقات بين المجموعات السياسية والعرقية المختلفة التي تشكل الحركة الشعبية والتوتر الخفي الذي يسود تلك العلاقات لم يفاجأوا بهذا الانفجار، وكانت إرهاصاته تتواتر في سماوات الدولة الوليدة وظلت حاضرة منذ مرحلة الصراع المسلح ضد دولة السودان ولكن شخصية د.جون قرنق خلال حياته مكنته من الإمساك بكل الخيوط واحتواء كافة الأزمات إلى أن حقق انتصاره الأكبر بتوقيع اتفاقية السلام الشامل مطلع العام 2005 ولكن القدر لم يمهله ليدير شؤون الحركة وهي تجتاز المرحلة الانتقالية، وقد واجهت الحركة الشعبية أصعب التحديات برحيل جون قرنق ولم تكن بين صفوفها شخصية قيادية مجمع عليها لتوحيد كل عناصر الحركة لتولي القيادة ولكن يحسب لصالحها أنها تمكنت من توحيد صفوفها تحت ضغط الأزمة والتفت حول قيادة سلفاكير متناسية ولو بصورة مؤقتة صراعها الداخلي الحاد والذي كان وصل ذروته في اجتماع قادتها في رومبيك آخر العام 2004 في اجتماع مشهود واجه خلاله جون قرنق أخطر الاتهامات الموجهة لأسلوب إدارته للحركة وكان سلفاكير هو نجم ذلك الاجتماع الذي نشرت وقائعه لاحقا وكان محور هجومه (أولاد قرنق) في إشارة سالبة للمجموعة الصغيرة المحيطة بزعيم الحركة آنذاك د.جون قرنق واتهامه بمنحهم من السلطات في إدارة الحركة ما يفوق وضعهم فيها وتهميش القيادات الأخرى الأكثر تأثيراً والأسماء التي وجه لها المتحدثون الاتهامات في ذلك اللقاء هي نفس الأسماء التي تقود المعارضة اليوم ضد سلفاكير والتي تعتقد أنه يسعى لتصفية حساباته معهم وفق حيثياته التي طرحها في اجتماع رومبيك عام 2004 وأنه سكت عنهم طوال هذه الفترة ليبني قواعده داخل الحركة بعد أن قبلوا قيادته للمرحلة الانتقالية وأنه كان يخطط للإطاحة بهم في الوقت المناسب الذي حل الآن.

شخص واحد لم يكن ضمن مجموعة (أولاد قرنق) هو د.رياك مشار الذي خرج من الحركة باكراً ومعه الدكتور لام أكول ووصل إلى اتفاق مع حكومة السودان (اتفاقية الخرطوم للسلام) وأطلق على حركته اسم (حركة استقلال جنوب السودان) في وقت كانت الحركة الشعبية ترفع شعار (السودان الجديد) وتعلن تمسكها بوحدة السودان وتحالفت قواته مع قوات الحكومة ضد جيش الحركة وأدار معارك شرسة بين قبيلته (قبيلة النوير) ضد قبيلة دينكا بور فسقط آلاف الضحايا ونهبت المواشي والممتلكات وحملت الحركة رياك مشار المسؤولية الكاملة عن تلك المأساة ولكن رياك مشار فارق حكومة السودان بآخره ليعود ويطلب الرجوع للحركة والذي أثار الاستغراب أن جون قرنق لم يقبله فحسب بل منحه وضعا داخل الحركة أعلى من وضع لام أكول الذي عاد أيضاً لصفوف الحركة.

بهذه الخلفية فإن (رياك مشار)الذي يتهمه الجنوبيون بالطموح الزائد والسعي لحكم الجنوب ووراثة جون قرنق ليس حليفا طبيعيا (لأولاد جون قرنق) الذين يقودهم باقان أموم ودينق الور وآخرون، وإن التحالف القائم بينهم اليوم ليس سوى زواج متعة ولا يجمع بينهم سوى استهداف قيادة سلفاكير وهو يدرك ذلك تماما وظل منذ عام 2005 يبني زعامته بأسلوبه الخاص وبتحالفاته الخاصة استعداداً لمثل هذا اليوم.

الانفجار العنيف الذي يعيشه الجنوب اليوم هو الحصاد الطبيعي لصراعات هذه الصفوة وهي صراعات ظلت تنضج على نار هادئة ولكنها باتت تتصاعد تدريجيا منذ بداية هذا العام عندما بدأ تحالف(مشار/ باقان) يطرح قضية (خلافة سلفاكير) في قيادة الحركة ويعبر علانية عن رغبة كلا الجناحين المتحالفين(جناح باقان وجناح مشار) في طرح أنفسهما كمنافسين لسلفاكير في مؤتمر الحركة القادم ليحصدا رئاسة الحزب ومن ثم رئاسة الحكومة حين يحين موعد الانتخابات الرئاسية لأن دستور الحركة ينص على أن رئيسها هو مرشحها لرئاسة الجمهورية وأعلن كلا الطرفين رغبتهما في منافسة سلفاكير في رئاسة الحزب فكان ذلك الإعلان إشارة لسلفاكير بأن ساعة المواجهة قد حلت وأنه لا بد أن يتحرك متسلحا بسلطات رئيس الحزب ورئيس الجمهورية للقضاء على منافسيه من الجناحين فأقدم على تجريد رياك مشار من سلطاته التي فوضه إياها أولا كنائب لرئيس الجمهورية، ثم عزله من منصبه ثانيا، واستهدف دينق الور بتحقيق جنائي ثم جمد سلطات باقان أموم كأمين عام للحزب وأعقب ذلك بإجراء تعديل وزاري شامل طال كل وزير محسوب على هذه الجماعة وشكل حكومة ولاؤها الكامل له وحده وأجرى تغييرات بهذا المعنى في قيادات الجيش.

هكذا تهيأ المسرح للمعركة التي تدور رحاها اليوم بينه وبين معارضيه بعد أن جردهم من كل سلطة حزبية أو حكومية ولم يترك لهم سوى الولاء الحزبي المتمثل في قواعد الحركة الموالية لهم والولاء العسكري لمجموعات عسكرية ومليشيات تابعة لهم والولاء القبلي ليرتد كل واحد لعشيرته وقبيلته باحثا عن مساندتها وهذا هو مكمن الخطر في المواجهة الحالية إذ إنها مواجهة عسكرية وقبلية في آن واحد وخارج إطار السياسة بمعناها المدني فهي مواجهة في بلد ينتشر فيه السلاح بصورة شاملة ويغيب فيه حكم القانون في دولة هشة وتعاني من انفلات أمني كبير هذه وصفة جاهزة لانهيار الدولة وتشظيها على نموذج الصومال ما لم تتداركها أطراف ثالثة تستطيع أن تجسر هذه الهوة العميقة وقد يكون من المبكر البحث عن إجابة السؤال الكبير عن احتمال نجاح مشروع تجسير هذه الفجوة خاصة والمعارك المحتدمة ما زالت دائرة والسلاح هو سيد الموقف!

smc
ت.إ[/JUSTIFY]

Exit mobile version