خالد حسن كسلا : نفط الجنوب الآن والميزانية السودانية

[JUSTIFY]إذا كانت دولة جنوب السودان من الناحية الاقتصادية دولة تافهة مثل كثير من الدول الإفريقية ودول أوروبا الشرقية كان يمكن القول إن القوة الأمريكية «والمؤامرة» الإسرائيلية لن يتدخلا في حسم الصراع هناك في وقت «معين» لصالح شركات وخطط متقاطعة تخص واشنطن وتل أبيب. لكن نفط «الجنوب» الذي استخرجته «الخرطوم» أثناء حرب الجنوب وهو ما يلهج بالشكر عليه لسان حال الشعب الجنوبي، سيحسم الصراع هناك على الأقل في جوبا والمناطق التي تحضن حقول النفط في الوحدة وأعالي النيل.

إذن لا خوف على ميزانية 2014م إذا كانت تعتمد فيما تعتمد على رسوم عبور نفط الجنوب. فلن تستطيع قوة متمردة في الجنوب أن تعتدي على حقول النفط هناك كما حدث لحقل هجليج السوداني. لأن هذا سيكون محسوباً عليها بقسوة شديدة بعد انفصال جنوب السودان لأن استهدافه يعني استهداف معيشة المواطن الجنوبي، وسيكون بعدها للقبائل الإستوائية التي تستضيف أرضها عاصمة البلاد رأي واضح وشفاف حول المواطنة التي تجمعهم بالقبائل التي توجد حقول النفط على أرضها مثل النوير. ومعلوم أن الإستوائيين كانوا قد ضغطوا على نميري لتقسيم الجنوب وكان ذلك تحت شعار «الإقليم الإستوائي الآن».

فقيادات قبيلة النوير العسكرية محاطة بظروف سياسية وإنسانية لن تجعلها تمس حقول النفط بسوء. أي أن السودان سيقبض رسوم عبور النفط، وعلاوة على ذلك سيخفض فاتورة الحرب في جنوب كردفان بعد تأثرها بالأوضاع في الجنوب وها قد بدأ بإعادة سيطرته على سبع عشرة منطقة كانت محتلة من قبل الجبهة الثورية. إن المتمردين يتأثرون بتغيير الأوضاع في دول الجوار من إثيوبيا إلى تشاد إلى ليبيا.

إطاحة حكم منقستو في إثيوبيا عجّل بانتقال معسكرات حركة قرنق المتمردة حينها إلى يوغندا، وتحسين العلاقات السودانية التشادية بعد ملاكمة عنيفة جعل رحيل معسكرات حركة خليل إلى ليبيا هو التصرّف الأنسب، أما إطاحة القذافي فقد شكلت تمهيداً لمقتل خليل إبراهيم وكسر شوكة حركته وهو في طريقه إلى دولة جنوب السودان كبديل ثالث بعد تحرير ليبيا من نظام القذافي. الآن حتى دولة جنوب السودان ما عاد بإمكانها أن تقوم بنفس دورها الذي أعقب الانفصال حينما كان ضمن قادتها الرسميين باقان أموم ودينق ألور وإدوارد لينو ولوكا بيونق. فهؤلاء هم أعداء السودان الحقيقيين فهم يحركون الفتن ضد المسيرية في أبيي، ويدعمون الجبهة الثورية لتستمر في السيطرة على مناطق عديدة خرجت مؤخراً سبعة عشر منها بسبب تباشير «عملية الصيف الساخن» الذي يعتزم إطلاقها الجيش السوداني. إن «الصيف ضيعت اللّبن»، لكن قبل حلوله ها هو يضيع آمال الجبهة الثورية. لبن المتمردين دائماً هكذا مصيره عند تغيير الأوضاع والظروف في دول الجوار. وكان جون قرنق هو الأذكى في الاستفادة من دول الجوار فقد قال في تصريحات له أيام تمرده إنه كان يحاول استلام أكبر دعم وأكثر أسلحة من القذافي خشية أن يتغير نظامه بآخر ونكون لم نحصل على الكثير منه.

وبالفعل كان القذافي من حين إلى آخر يتعرض لمحاولة إطاحة لحكمه فقد عانى من المحاولات الانقلابية مثلما عانى نميري. الآن لا بديل أمام الجبهة الثورية إلا العودة بطريق السلام إلى الخرطوم فهم في وضع أضعف مما كان عليه جون قرنق حينما فاوض الخرطوم في المرة الأخيرة. وأكرم للجبهة الثورية «قطاع الشمال وحركات دارفور» أن تعود برغبتها قبل «تدويل المفاوضات» كما حدث مع الحركة الشعبية. يكفي تدويل القضية ولتكن المفاوضات بالكرامة بعد خسران الميدان ودول الجوار وحتى إفريقيا الوسطى حالها الأمني يُغنى عن السؤال. إن مصلحة السودان إذا كانت تمضي موازية مع مصلحة «أخرى»، فإن واشنطن من أجل هذه «الأخرى» ستصرف النظر عن التأثير على المصلحة السودانية المتمثلة في رسوم عبور نفط الجنوب.
لكن إذا كان كل هذا يضمن حماية الاعتماد على رسوم عبور بترول الجنوب في الميزانية للعام القادم، فلماذا نهتم بأموال الرسوم ولا نهتم بأموال أهم الإيرادات في الداخل؟! إن السؤال على ضوء انتقاد العضو البرلماني مهدي عبد الرحمن أكرت لتجنيب إرادات بعض الوزارات مثل الكهرباء والمعادن؟! يقول أكرت إن المجلس الوطني أجاز قوانين لتحصين التجنيب. ويطالب بإصلاح قانوني قبل الاقتصادي.

إذن مشكلة السودان ليست من جوبا، فمن جوبا كان الجزء العظيم في حل المشكلة الأمنية، فهل من إصلاح قانوني يحل جزءاً عظيماً في المشكلة الاقتصادية؟!.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version