وإذانجح هذا الهجوم في إطاحة سلفا كير فهذا لا يعني تغييبه تماماً هو وجماعته العسكرية من المسرح العام كما حدث للملك فاروق والملك السنوسي وشكري القوتلي وإسماعيل الأزهري، فسينازع لاسترداد الحكم كما فعل اللواء الثاني مدرعات حينما استرد حكم نميري من الشيوعيين في يوليو 1791م. وحتى هذا الهجوم الذي شهدته مدينة جوبا لا يرقى إلى مستوى تخطيط انقلاب الشيوعيين الذي نفذه الرائد «م» هاشم العطا والمقدم عثمان حاج حسين أبو شيبة قائد الحرس الجمهوري والعقيد عبد المنعم محمد أحمد الهاموش قائد اللواء الأول مدرعات وكان بإشراف سياسي من عبد الخالق محجوب يعاونه الدكتور مصطفى خوجلي الذي اختاره عبد الخالق ليكون في الفترة الأولى رئيساً للوزراء. وكل هؤلاء كانوا يمثلون الحزب الشيوعي بشقيه السياسي والعسكري. أما الشفيع أحمد الشيخ فقد كان ضحية لانتمائه للحزب الشيوعي بعد أن نال باسمه الوزارة ورئاسة اتحاد العمّال ووسام لينين.
المهم في الأمر هو أن قادة الحركة الشعبية سواء كانوا السياسيين أو العسكريين الذين يناصبون سلفا كير العداء منذ عملية التطهير الدستوري التي قام بها ضدهم مؤخراً من أجل المصلحة العليا للبلاد قد تكون مقرونة بمصالح شخصية وقد لا. إنهم لا يستطيعون التخطيط لتغيير حكم ترضى عنه واشنطون وتريد كسبه إسرائيل لتوسيع رقعتها الدبلوماسية في إفريقيا. إن لإسرائيل تمثيلاً دبلوماسياً في جنوب السودان. وهذه الدولة الجديدة ليست مثل غيرها يمكن أن يحتشد شعبها متجاوزاً القبلية والطائفية في مكان واحد للضغط على الجيش لكي يتحرك لتغيير الحكم بقوة السلاح حتى ولو كان الرئيس هو القائد الأعلى له مثل حسني مبارك أو نميري من قبل. إن الفريق جيمس بوث قائد أركان الجيش الشعبي لا يمكن أن يخضع لضغوط حشود جماهيرية ساقها إلى الشارع مشار وباقان وكوستا مانيبي والمواطن السوداني «دينق ألور» فهو من حفدة دينكا نقوك الذين استوطنوا في أرض المسيرية «أبيي». ولا يمكن لهؤلاء أن يسوقوا المواطنين الإستوائيين إلى الشارع لإطاحة حكم الرجل الثاني فيه منهم وهو جيمس واني إيقا.
فالظروف السياسية في دولة جنوب السودان وخاصة العاصمة جوبا معقدة جداً ومعالجة تعقيدها لن يكون إلا بواسطة جيل يمثل كل القبائل لم يتخرج بعد في الجامعات المحلية والخارجية. إن الجيل الذي قاد التمرد وتنعم بالدولارات والإقامة في الفنادق وتطاول بالبنيان في الخرطوم وجوبا ونسي القطاطي المصمّمة للمناخ الخريفي لن يلتفتوا إلى الوطن وإلى ما تتطلبه فترة ما بعد «الانفصال».. وسيقعوا أو بالأحرى قد وقعوا في أسوأ من السلوكيات السياسية التي وقعت فيها القوى السودانية الشمالية بعد «الاستقلال».. وها هو السودان يقترب من الاحتفال بالذكرى السابعة والخمسين. مضى على الاستقلال أكثر من نصف قرن بسبع سنوات هي تقريباً عمر رئيس الجمهورية، وقد يكون الرئيس القادم من مواليد ما بعد الاستقلال ومع ذلك أنظر إلى أنواع وأشكال مشكلات البلاد. لقد أضعنا الوقت على أجيال سابقة ولاحقة وقادمة ويقول د. نافع مؤخراً في النيل الأبيض إن الإنقاذ تشهد ميلاداً جديداً لها بالتغييرات الأخيرة. جاء هذا الميلاد بعد ربع قرن من الزمان. وجاء تصفير عداد «الإنقاذ» بعد سبعة وخمسين عاماً مضت على يوم نيل الاستقلال. ترى هل صفّر سلفا كير عداد الحركة الشعبية بعد التغييرات التي قام بها في رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس التحرير للحركة الشعبية؟!. تختلف التغييرات هناك منها هنا. لكن ربما يكون سلفا كير أراد التخلّص من دم الحجامة في حكومته وحركته لمجابهة تحديات الحكم، وكأنه قام بقرارات «الرابع من رمضان» أخرى.. الأولى هنا أنتجت تمرداً إضافياً في دارفور والثانية في جوبا أفرزت الأحداث الأخيرة وكلتاهما ضريبتان للإصلاح الداخلي والخارجي.
٭ نلتقي غداً بإذن الله
صحيفة الإنتباهة
ع.ش