نمارق ضو البيت : سيناريوهات الموت برداً

[JUSTIFY]توفي أحد المشردين برداً بشوارع الخرطوم في مثل هذا الوقت من العام الماضي، رحل ذلك المتسول بهدوء تام بالقرب من السوق المركزي، وذلك حين خارت قواه ولم يعد بمقدور جسده الهزيل تحمل موجات البرد القارس التي اخترقت مساماته وأنهكت عظامه، وشيئا فشيئا توقفت الدماء عن الجريان في عروقه وكف القلب عن الحلم ببعض الدفء مستسلما لخروج روحه.. استشعر وفاته أحد المواطنين الذين اعتادوا المجيء لذات السوق، وبعد إحالته للمشرحة أكد الطبيب الشرعي أنه مات برداً، فوجئ الكثيرون وتعاطفوا مع ذلك الرجل، كان ذلك في العام الماضي، وقبلها في عام 2002م تحديدا، لقي (13) شخصا مصرعهم للسبب ذاته، جاء ذلك بعد أن اجتاحت البلاد موجة من البرد خفضت درجة الحرارة الصغرى إلى 8,6 درجة مئوية، وبلغت القصوى 20 درجة، بعد أن أشارت مصلحة الأرصاد الجوية إلى أن هذه الدرجة كانت ثاني أقل درجة حرارة سجلتها الخرطوم آنذاك، فالأولى كانت في العام 1992م وقد وصلت حينها درجة الحرارة الصغرى إلى 7,5 درجئة مئوية.

في ذاك الوقت شددت الجهات المسؤولة على المواطنين ارتداء ملابس دافئة والبقاء في أماكن أكثر دفئا، حتى لا تتزايد حالات الوفاة بسبب انخفاض درجة الحرارة، وفي هذا العام تأخر الشتاء قليلا على مزارعي القمح، إلى أن تسلل اليأس إلى قلوبهم من تضرر محاصيلهم بالتقاوي الفاسدة أو ضعيفة الإنبات كما سماها البعض، وهذا الشتاء الذي تأخر عن موعده عوضهم عن تأخيره باحتضانه للبلاد بنوبة ترحيب قارسه، دفعت الكثيرين لتأجيل مواعيدهم في عطلتي الجمعة والسبت ليكتفوا بالتقرفص داخل بطانياتهم، علهم ينعمون بقليل من الدفء في هذه الايام الباردة، ما جعل حركة السير أكثر سلاسةً وهدوءا داخل العاصمة، فمصائب قوم عند قوم فوائد.

لكن ما موقع هؤلاء المشردين الذين يملأون الشوارع، ويعيشون في مجموعات فقيرة ومتفرقة؟، تلك المجموعات التي نزحت للمدن هربا من الحرب، أو عبر توغلهم من الدول المجاورة، أعداد كبيرة منهم لا يتناولون الطعام المناسب ولا تحيط بهم جدران تدرأ عنهم ولو بعض البعض من البرد..

هذا هو حال الفقراء، المشردين، المتضررين من الحروب في كل مكان، فقد أعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أمس الأول عن وفاة 22 سورياً بينهم أطفال ونساء، فأجسادهم المنهكة من الجوع وعدم تناول الغذاء الجيد وفقداهم المنازل، التي تقيهم برد الشتاء وحر الصيف أسباب عجلت برحيلهم.

وأفادنا منتصر الصادق أحد أعضاء مجموعة شارع الحوادث أن المجموعة بدأت فعليا في إطلاق حملتها (صرير الصي)، التي تعمل على توزيع ملبوسات شتوية وبطاطين على مشردي الشوارع، ووزعت 180 بطانيه على المتشردين بالسوق العربي أمس الأول، ووزعت أمس بعض البطاطين والملابس الدافئة على مشردي أمدرمان، بدأ أعضاء المجموعة في التجوال بالشوارع واستبدال أغطية المشردين الكرتونية بأغطية أكثر دفئا، وستستمر الحملة إلى أن تغطي العاصمة، هذا بعد أن عرضت المجموعة توصيل مساعداتها إلى الفقراء في أماكنهم، وهي على استعداد لتقديم الإغاثات الشتوية خدمة لهذا الوطن.

صحيفة اليوم التالي
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version