أحمد يوسف التاي : « من أين لهم هذا » ؟

[JUSTIFY]«المؤتمر الوطني يعلن عن وثيقة تاريخية لمحاربة الفساد».. العبارة بين القوسين هي «مينشيت» بالخط الأحمر طالعناه بالزميلة «الصحافة»… حسنًا، هل هي عملية تخدير جديدة؟ إذا كان تكوين مفوضية لمحاربة الفساد جاء في مرحلة كثر الحديث فيها عن الفساد بأوجهه القبيحة، فلم من بُدِّ من تنفيس الناس، وتخديرهم بهذه الخطوة لعلها ترفع درجة العشم في القضاء على فساد استطال حتى مشى به الركبان، ثم ذهبت المفوضية ببريقها ووعدها ووعيدها، تحمل على ظهرها أحلام الناس وتطلعاتهم وأمانيهم المستحيلة وتحلق بها بعيدًا في الفضاء، وما لبثوا إلا قليلاً حتى تفجرت براكين الحديث عن الفساد مرة أخرى، وجيء ساعتئذٍ بآلية أبو قناية وانتهى أمرها بإقالته وبدا الأمر عصيًا، حينها تذكرت مقولة العميد عبد الرحمن فرح وزير الأمن في حكومة الصادق المهدي التي قال فيها إن الحكومة لا تستطيع محاربة الفساد باعتباره جزءًا من حماية النظام نفسه …الآن تجيء مرحلة جديدة، وحديث واسع النطاق عن إصلاح وتغيير بحجم الانقلاب على كل ما هو قديم، فلا بد من «تاكتيك» جديد لمرحلة جديدة لمحاربة فساد قديم أرسل جذوره إلى أعماق الأرضية التي تقف عليها الإنقاذ وامتص كل ما مكث في الأرض خلال «24» عامًا ولم تُبقِ لغيرها سوى زبد راب لا ينفع الناس في شيء.. إن محاربة الفساد كما قلنا كثيرًا تحتاج إلى قرار سياسي شجاع وعزيمة قوية، وطاقة جبارة، وجرأءة في الحق لا تلقي بالاً إلا لله رب العالمين، وتهيُّب يوم الحساب، وليكن القدوة في ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز حينما قدم إلى رئاسة الدولة الإسلامية، فقام بسحب كل مخصصات الأمراء من عشيرته وعائلته، وألغى جميع امتيازاتهم، ونزع منهم الإقطاعيات الزراعية، وأودعها جميعًا بيت مال المسلمين، وبدأ بنفسه وتخلى عن كل أمواله وأملاكه حتى أرض «فدك» التي ورثها من أبوه – الأمير الأموي – وذلك عندما سأل نفسه من أين لأبي هذه الأرض، وأدرك حقيقتها أن الله سبحانه وتعالى أفاءها على رسوله «ص» في يوم خيبر فخصصها لأبناء السبيل، وعندما آلت الأمور لـ «معاوية» فوهبها لـ «مروان بن الحكم» ومن مروان إلى ابنه عبد العزيز والد الخليفة «عمر» الذي كتب إلى واليه في المدينة أن يضمها لبيت مال المسلمين ويصرف ريعها على النحو الذي كان يفعله الرسول «ص»، وحينما بدأ بنفسه جمع كل ثروته، وحتى حُلي زوجته وبناته وثيابه الفاخرة وأودعها بيت المال، ثم أخذ ينزع كل ما أخذه الأمراء من بني مروان والمسؤولين بغير حق، أو استغلوا فيه نفوذهم وأودعه خزينة الدولة، وهو يعلم أن هذه الثروات التي جمعوها وأثروا بها ليست بعرق جبينهم ولا كدهم وإنما هي حق المسحوقين، فكان القرار الشجاع والعزيمة على رد الحق لأصحابه.. الآن لا نريد منكم أن تكونوا عمر بن عبد العزيز ولكن كونوا «ذرة» من إحساسه بالمسؤولية والجرأة في الحق والخوف من الله وطبقوا في كل المشبوهين مبدأ: «من أين لك هذا».

صحيفة الإنتباهة
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version