‫(المكنسة )

‫‫(المكنسة )
ومن مكان ما بحياتنا أنا وأحمد ، ظهرت ( ليما )…
إسمها الأصلي طبعا هو ( حليمة ) ، وهي الإبنة الوحيدة لأستاذ جامعي هاجر منذ سنوات للخليج ، وحين رزقه الله بها عاقبها بأن أسماها على أمه ، لذلك تكونت لديها (عقدة حبوبة) واضحة من إسمها .. صارت تكره جدتها ، وقرية أبيها الصغيرة في الجزيرة ولولا المبالغة لقلت أنها تكره والدها نفسه ، والويل كل الويل لك إذا ناديتها بغير إسم ليما في الجامعة … أنا أعترف أنها جميلة … لست ظالمة في الحكم على أحد لذلك أعترف لها بالجمال .. ولكنه ذلك الجمال النمطي الذي تجده أسفل كل حجر في أي جامعة .. وجه ملئ بالمساحيق .. طرحة على الكتفين وشعر ناعم منسدل في ذيل حصان طويل على الكتف من ذلك النوع الذي نسميه أنا وصديقاتي ( مكنسة ) ، ولا ننسى طبعا نظارة سوداء كبيرة من النوع الذي يجعل وجه الفتاة شبيه بوجه النملة …أنا أفهم جيدا هذه النوعية من الفتيات ، ولكن ما لم ولن أفهمه أبدا هو سر تعلق الشبان بهن وإنجذابهم لهن !!! … وإليكم يا سادتي حكاية أحمد وسوسن … وليما …
في ذلك اليوم زارني خطيبي أحمد في الكلية … أنا في السنة قبل الأخيرة وهو قد تخرج قبل عامين ، والجامعة في طريق عمله لذلك يزورني يوميا تقريبا … وبينما نحن جلوس ، هلت علينا ليما ، وسلمت علينا :
– هاي سوسن .. هاي ….
أحمد لا يعرفها لأنها أنتقلت حديثا من جامعة أخرى لجامعتنا لذلك قمت بالتعارف :
– أحمد خطيبي .. أحمد دي حل… أقصد ليما وش جديد في كليتنا
رحب بها أحمد متصنعا الوقار ، فجلست بلا تكلف بيننا بينما أنا أنظر لها بحنق ، لهذه ( الطفاسة ) ، ومما زاد حنقي أن هذا الأبله نهض بكرم وأشترى لها كوب عصير فاخر ، وأشركها في جلستنا …هي سطحية تماما ومخها كالصفحة البيضاء ، وكل كلامها خليط من العربية والأنجليزية عن الأفلام الأمريكية وآخر أخبار (البوكس أوفيس) ، بينما هو ليس سطحيا ولكنه يعرف هذه الأشياء ولغته الأنجليزية ممتازة ، لذلك إنزلق بمنتهى السهولة معها في حوار من نوعية :
– وااااو شفت (Gossip girl) ؟ الفيلم ده مباااالغة يا أحمد .. فظيع فظيع .. لو عندك ( A walk to remember ) بليييز تجيبو لي معاك
وأنا يا سادة لا أعرف حقا ما هي هذه الأشياء ، التي تتكلم عنها ، ولكنني مقتنعة تماما أنها قد تجاوزت خطوطها الحمراء في التبسط مع خطيبي ، لذلك وحتى لا أنفجر أمامهما إستأذنت بدعوى الذهاب للإستراحة ، وذهبت لمكان بعيد عنهما ، لأتسلى بتمزيق نفسي من الداخل ، وأنا أشعر بالعذر للمدخنين الذين يشعلونها عندما يتوترون ، لأنني أشعر الأن فعلا بكمية من الدخان في صدري لو تركت لها العنان لخرجت من أنفي كالتنين … وحين عدت لهما كان هو يدخل هاتفه في جيبه ، وهي تعبث في (الأي فون ) الخاص بها .. لقد تبادلا الأرقام كما هو واضح … وقالت لي ليما بمرح :
– سوسن .. أحمد قال حيشرح لي ، وحيديني ساعة كاملة من وقتو كل مرة يجي … ثانكس شدييد ، خطيبك زوق فعلا
ونهضت وغادرتنا …
ومن يومها بدأ أحمد يتغير… لا أريده أن يقول عني أنني غيورة وحساسة ، لذلك صمتّ ولم أعلق .. هناك أشياء صغيرة في كل علاقة هي ما تمنحها الحياة ، وتجعل لها معنى وطعم خاص … هذه الأشياء التي تبدو تافهة في نظر الغير ، هي أول ما تتغير عند تغير الطرف الآخر .. لم تعد نغمة هاتف أحمد هي أغنية ( زهرة السوسن ) التي يحبها وأحبها ، بل صارت ( كنا في أواخر الشتا قبل اللي فات ) … وفي داخلي كنت أخاطبه قائلة :
– إستيقظ يا أحمد … إستيقظ يا حبيبي … هذا الثوب ليس بمقاسك .. أنت من بلد تغني فيه الفتاة لحبيبها وهي تمسك بالدلوكة بمنتهى الإستمتاع ( سيد الحمار الحر … البسطونة تحتو تجر ) … أنت لست من أهل أواخر الشتا ، لأنه في أواخر الشتا قبل اللي فات ، كنت تعمل ك (طلبة) في إحدى العمارات تكملة مصاريف دراستك ..
لم يعد أحمد يطري طريقة لبسي كما يفعل دائما ، والساعة التي كانت مقررة للشرح مع هذه المكنسة تحولت لساعات … والنظرات في أعين صديقاتي وزميلاتي تحولت لهمسات واضحة ومسموعة … أنا لا أريد أن أظلمه لأنني أراه مجرد طفل إنبهر بلعبة جديدة في واجهة المتجر وسرعان ما سيتركها عندما يكتشف كم هي باهظة الثمن .. أنا أحبه وأثق به ، ولكني لا أثق مطلقا بكروموسوم ( واي ) في جيناته … وإن كنت لا أثق قيراطا بكروموسوم ( واي ) عنده ، فأنا لا أثق قنطارا بكروموسوم ( أكس ) عند بنات جنسي …. وذات يوم أهدت له وردة في عيد ميلاده .. لم أسأله من أين عرفت تاريخ ميلاده ، ولم أقل له إن تاريخ ميلاده كان في زمن الجفاف ، وهو شئ لا يستحق مطلقا تذكره أو الإحتفال به … لقد طفح بي الكيل .. وعندما يطفح الكيل بسوسن ، فالتهرب الشياطين وتختبئ الوحوش … لذلك توجهت للأستراحة وكانت هي هناك ، ولم يكن هناك غير طالبتين من صديقاتي ، لذلك واجهتها .. لم يعد هناك خيار .. هذه واحدة تريد ببساطة خطف خطيبي مني وأنا ببساطة سأقطعها بأسناني … وقد فعلت .. وفي الخارج سمع الناس صوت زئير وخربشة وضربات ، حتى ظنوا أن هناك أسودا تتصارع بالداخل .. وعندما فرغت منها تكفلت إحدى الزميلات مشكورة وأعارتها عباءة ونقابا لتخرج بكرامتها من باب الكلية .. لم يتدخل أحد ولم يتحدث أحد لأن ما يحدث في إستراحة البنات يظل في إستراحة البنات … وكما قلت من قبل هناك ميزات عديدة لكون المرء شهادة عربية ، وأولها إنه بإستطاعته الإنتقال لأي جامعة يريد ووقتما يحلو له ، لذلك يا سادة لم نشاهد الأنسة حليمة في جامعتنا مرة أخرى … وفي اليوم التالي عندما جاء أحمد كنت أنا في إنتظاره بإبتسامة رقيقة ، وبريئة قلت له :
– هاي أحمد
نظر لي بإرتباك ، ورد التحية فأكملت أنا :
– ليما بترسل ليك تحياتها … أبوها نقلها جامعة تانية وما قدرت تقول ليك ، لكنها خلت ليك هدية وأترجتني أسلمها ليك
وأخرجت من حقيبتي خصلة شعر طويلة هي ذيل الحصان الذي قصصته بصعوبة من رأس تلك الغبية ، ووضعتها أمامه وغادرت بدون إضافة كلمة … لقد وصلته الرسالة كاملة .. لقد قطعت من قبل ذيل كلبة والأن ذيل حصان مكنسته ، وإن لم يكف عن اللعب بذيله ، فأنا أعرف أين أضع مقصي في المرة القادمة … لا تغادروا مقاعدكم أيها السادة ، فإنتقام سوسن قادم لا محالة ….

الكاتب الساخر : د.حامد موسى بشير

Exit mobile version