التنحي
قال الاستاذ علي عثمان محمد طه القيادي بالمؤتمر الوطني ان الدافع الاساسي لتولي المناصب السياسية هو الحرص على خدمة المبادئ التي يؤمن بها، وان الله اختص امر التولية للمسؤولية العامة شأناً خاصاً لا ينازعه فيه احد. وهذا جعل الانسان حينما تجيء به الاقدار لتولي المسؤولية يظن ان هذا هو قدره واذا اطمأن لهذه الناحية لن تحصل الكثير من (المدافرة) والصراعات مثل ما يحدث.
وقال انه يعزي مسألة تنحيه الى زاويتين. زواية شخصية لا يحب الوقوف عندها كثيراً، واخرى موضوعية.
قال في الاولى بعد توقيع نيفاشا شعرت بأن السودان يدخل مرحلة جديدة وانه ينبغي ترك المواقع لأننا عاصرنا الحرب والسلام، وبالتالي ترك المناصب للآخرين سيكون اجدى، ولكن اقدار الله ورغبة اخواننا جاءت مع الاستمرار في التكليف.
وحول ما اذا كان هناك طلب من النائب الاول السابق جون قرنق بضرورة بقاء علي عثمان، قال انه لا يذكر ذلك على وجه الدقة ولكن كانت هناك رغبة من قرنق بوجودنا في السلطة لاسباب اساسية تعود لمعرفتنا بملفات نيفاشا. وأوضح انه ليس هناك خلاف حول التشكيل الوزاري وانه لم يطرح تشكيلاً وزارياً حتي يرفضه الرئيس، وان القرار قرار مؤسسات ويتم التداول حوله في المكتب القيادي للحزب وانه حتي الرئيس نفسه احياناً يطرح بعض الافكار ويرشح بعض الاسماء، ولكن يتم رفضها في المكتب القيادي. وفي الزاوية الموضوعية الاخرى في العام 2011م رأينا ترتيبات اوضاع السودان في هذه المرحلة المفصلية بعد حدوث الانفصال انه يجب ترتيب الوضع ليس على مستوى المؤتمر الوطني فقط، بل على كل الساحة السياسية. وحاولت التعبير عن رؤية شخصية عبر رؤية إستراتيجية ومنظومة اسميتها الجمهورية الثانية وقتها لم يقف الناس عندها طويلاً، ولكن المؤتمر الوطني بعد حكم فاق الاربعة وعشرين عاماً ويمضي نحو الخمسة وعشرين بدأ ينظر في تجربته الانجازات التي تحققت والإخفاق في هذه المسيرة باعتبارها جهداً بشرياً قابل للخطأ والصواب، ورأينا ان المؤتمر الوطني يضم تشكيلات تقليدية وشرائح ضخمة من المثقفين في كافة التخصصات ومن هنا جاءت الرؤية للتجديد.
في سبتمبر 2011م في المؤتمر التنشيطي قمنا بنظر كلي لمراجعة السياسات في المؤسسات القائمة على صعيد الحزب والدولة باعتبار الحزب حزباً حاكماً، وطلبنا وضع ضوابط ومعايير لتجويد الاداء وصنع محاولة لاستقرار المسرح وخلق تناغم وتفاعل ايجابي في شكل القوى السياسية وقوى المجتمع. واذا لم يتحقق هذا التداول السلمي للسلطة عبر هذه الرؤى والمنظومة يصبح المصير مظلماً.
التغيير:
التغيير الذي جرى في الايام الماضية ليس معنياً به فقط المؤتمر الوطني، وانما الرسالة الاكبر للقوى السياسية وللسودان بان علينا فتح نوافذ المستقبل بجرأة وبقوة، انا على الصعيد الشخصي خضت تجارب فيها تداول وتجارب في الاتحادات الطالبية وفي النقابات ورأينا في محطينا في الحزب وفي الحركة الاسلامية لدينا حركة فيها كوادر صاعدة ومميزة ومتعلمة بذلت الكثير من الجهد حتي التضحية بالنفس والعمل لبناء الوطن، ولذلك هذه المجموعات لابد ان تُحترم ولا ينظر لها القائد من اعلى وانا ارى انه اذا رأيت سياستك تتحقق ويحملها قوم كُثر يتبنونها ويتلبسونها ذلك ادعى للنجاح والاطمئنان من ان تحمل القضية بنفسك.
إبعاد وابتعاد:
وحول ما اذا كان قد أُبعد او ابتعد عن الحركة الاسلامية، قال ان تنحيه عن الحركة الاسلامية كان بنفس الروح التي ذكرها سابقاً، موضحاً انه تولى امانة التكليف اميناً عاماً، وقال كنت حينها في الخارج بنيفاشا و2004م ايضاً تم التجديد لي واعادة تكليفي ولكن كان همي ان توسع الحركة من قياداتها وقلت لهم نريد ان نجعل من الحركة الاسلامية نموذجاً للتعاقب السلس. قلت ايضاً ان نضع دراسة لتكون الحركة الاسلامية محددة الاطار والعلاقات بينها وبين الحركات والمجموعات الاسلامية الاخري بالسودان وبالخارج وبالمكونات الاخري التي ترتبط بها، وكان نتاج ذلك ان اتفق علي تحديد اجل المواقع دورتين على التوالي ولذلك حينما اكملت الدورتين غادرت، وليس هناك إبعاد او ابتعاد، وانما مبادرة وتراضي علي روح القانون ونصه كنت سأجدد ولايتي في الحركة الاسلامية بناء على رجاءات البعض وعلى نص القانون باعتبار انه لا يطبق بأثر رجعي ولكن رأيت ان هذه مسألة التفاف .. الواقع ان السوداني بلد حي والنسبة الغالبة فيه الشباب والعمل معهم وتقديمهم يتيح مساحة واسعة من تبادل الخبرات والحركة التي لا تستطيع ان تحدث هذا التناغم وهذا التكامل هي حركة مقضي عليها بالفشل.
خلافة الحركة:
ونفى طه ان يكون قد اعد خليفة له في الامانة العامة للحركة الاسلامية، وقال كنت اوصي اخواني بألا تكون هناك قوائم مسبقة حتي يكون التنافس حراً ويقدم الناس الاكفأ والاجدر وانا علي المستوى الشخصي يكفيني ما تحملته من مسؤولية ولا اريد تحمل مسؤولية من يأتي بعدي. واشار الي ان الامين العام الذي تم انتخابه الشيخ الزبير احمد الحسن من الكوادر الصلبة في الحركة الاسلامية منذ الجامعات، وهو ورع وذو خلق ودين وله حضوره الدائم في الحركة الاسلامية في اوقات الشدة واوقات الرخاء.
تكهنات:
وحول التكهنات التي حدثت بشأن التغيير الاخير، قال ان من الطبيعي ان يكون التغيير بهذا الحجم مدعاة للتأمل والتكهن وان يذهب الناس فيه مذاهب شتى بالتحليل والقراءة من زوايا سياسية مختلفة. واسباب الاجتهادات التي يقوم بها البعض هي ان دائرة الفعل التي يقوم بها المؤتمر الوطني لها تأثير كبير علي الساحة وان هذا التغيير الذي حدث مجرد رأس الجليد. فالبنسبة للاشخاص لم ينتهِ بعد ومستمر في اروقة الحزب في المركز والولايات وعلي مستوى السياسات هناك مراجعة شاملة لسياسات الحزب لدوره في الدولة وقيادة التوجهات التي تشكِّل الرؤية في الفترة القادمة في القضايا المهمة مثل قضايا السلام والحرب والاقتصاد وادارة الدولة والحكم الرشيد.
كل هذه القضايا الآن يجري فيها حوار جريء وهناك لجنة تعكف علي هذه الرؤية الشاملة. هذه هي الحقيقة في امر التغيير الذي بدأ النقاش حوله منذ العام 2011م، سبق ذلك كل مذكرات الاحتجاج والخروج للاشخاص والجماعات ونأمل في استخلاص المخرجات النهائية لهذه الاصلاحات ان تكون معبرة عن واقعنا ونافعة للبلد.
البعض يقول لماذا لم يحدث التغيير في السياسات اولاً ومن ثم الاشخاص؟. وانا اقول انه ينبغي ان يكون هناك مناخ افضل لوضع السياسات ومنهجية ناقدة وتقديم القيادات الجديدة من شأنه ان يخلق مناخاً جديداً لعدة اسباب، منها انها تحاول كسب من سبقها وتحاول القرب من واقع القوة المحيطة بها في المجتمع والتحديات التي تواجه الناس في المرحلة القادمة، يشارك فيها الجميع من تقدم ومن ترجَّل لتنفيذ هذه السياسات والمعايير الضابطة للتداول التعاوني. واذا لم يتم هذا الشيء داخل المؤتمر الوطني، يبقى فاقد الشيء لا يعطيه لأنه اذا لم يقع تداول سلمي داخل الحزب، يكون هناك فقدان ثقة في ان يقع التداول السلمي بينه والآخرين.
واعتقد ان الحركة القادمة لن تكون حركة ميكانيكية تقليدية، وانما ستكون حركة بنيوية يتم فيها التصعيد التشكيلي لقيادات الحزب في مؤسساته حتي يكون البناء قوياً ويتمكن الحزب من عبور المرحلة الحالية الى بر الامان.
الخلاف مع الرئيس:
ليس هناك خلاف البتة بيني وبين الاخ الرئيس ودرجة الاحترام التي بيننا كبيرة جداً، بل احياناً انا لا اشعر بأنني اتعامل مع رئيسي، وانما اتعامل مع اخ وزميل رغم تقدمه عليَّ في المسؤولية، لكنه كان يكِنُ لي الكثير من الاحترام، وكنت اتحرك في مساحات واسعة ليست من صلاحياتي الدستورية، وانما بتفويض وثقة واحترام الرئيس.
الخلاف مع نافع:
ايضاً ليس هناك خلاف جوهري بيني وبين الدكتور نافع علي نافع، وانما هناك اختلاف في الاسلوب. كل واحد فينا مدرسة في التعبير السياسي وتحديد الاولويات هنا وهناك، ولكن لا خلاف في القضايا الكلية بدءاً من نيفاشا. ونافع كان الرجل الثاني معي من بدايتها وحتي نهايتها ولا اختلاف حول كبريات القضايا ولكن بطبيعة البشر قد تكون هناك ملاحظات والحكم والفيصل دائماً ظل هو الشورى.
رأس الرمح:
حول ما اذا كان سيترشح في الانتخابات القادمة لرئاسة الجمهورية، قال انا قلت ان القضية ليست قضية شخصية وكما ذكر الاخ الرئيس انا كنت نعم رأس الرمح في التغيير وعبرت عن مواقفي بصورة مباشرة ولم يكن ابتعادي موقع مفاجئ ولا سري وانما ظللت ادعو للتجديد باستمرار. ولديَّ العديد من الافكار والمقترحات التي اسعى من خلال مؤسسات الحزب الى ان تدخل دائرة التنفيذ، وبان تكون دائرة الانفتاح نحو الآخرين بصورة اكبر، بل ونسعى لتعديل النظام الانتخابي بحيث تشارك كل الاحزاب والمؤسسات، ونوسع دائرة التمثيل النيابي بانتهاج مسألة سياسة التمثيل النسبي، ولذلك انا من المتحمسين للتغيير وهو في اروقة الحزب وفيها حراك كبير يتناسب مع نبض الحياة اليومية، ولذلك قررت ان ارفع الحرج عن نفسي وعن اخواني وعن الرئيس بالتنحي ويبقى بعد ذلك علي الذين هم ادنى موقعاً أن يذهبوا. وافتكر نحن والمجموعة التي معنا قدمنا ما في وسعنا وقد نكون اصبنا واخطأنا ونسأل الله ان يغفر لنا فيما اخفقنا فيه.
وزير الدفاع:
اقول ان راضٍ عن ما قدمه وزير الدفاع واقول ان الوضع الامني القائم الآن يقتضي استقراراً في المؤسسة التي تشرف على هذا العمل، واود ان اقول بالصوت العالي وشهادة للتاريخ ان الاخ عبدالرحيم محمد حسين قد قدم للقوات المسلحة الكثير رغم ان البعض يريد تحميله مسؤولية بعض الاخطاء مثل اخفاقات امنية او عسكرية هنا وهناك، وانما هذه يتحملها الجميع. وبالمقارنة بجملة ما قدمه من عطاء لبناء قوات مسلحة قادرة على حفظ الامن الوطني، يكون بقاءه حتي اكمال هذه الدورة امر منطقي ومقبول. وهناك ترتيب وزير الدولة بالدفاع وهذا يمكن ان يعين ويكمل مسألة التغيير في المستقبل.
معايير النجاح:
قال ان الذين خرجوا في التغييرات الاخيرة مثل الوزراء كمال عبداللطيف وعوض الجاز واسامة عبدالله وغيرهم، ليس معنى خروجهم انهم فشلوا في مهتمهم او ان الرأي العام طالب بإبعادهم، وانا اؤمن بان هؤلاء الثلاثة خرجوا وهم في قمة العطاء وهذا عين المطلوب حتي يكون ما قدموه رقماً لدفع وتحفيز لمن يأتي بعدهم. ولذلك انا اقول هذا ليس هو المعيار الاساسي لتغييرهم.
ترشيح بكري:
وقال طه اشتركت في ترشيح بكري حسن صالح وفي تزكيته ورغم ان الناس دائماً يحكمون بالانطباعات العامة، وبكري يمكن ان يكون فيه محاسن وعيوب ولكن محاسنه دفعتني لتقديمه.
مرشح الرئاسة:
ملف مرشح الرئاسة للدورة القادمة لم يُفتح بعد بالحزب والاتفاق ان يرجأ الى وقت مناسب ولذلك الحديث عن ترشيح بكري حسن صالح او غيره لرئاسة الجمهورية امر غير وارد في هذا الوقت وهذا امر تحكمه عوامل الوطن وامنه واستقراره السياسي وما يتفق عليه الحزب.
انقلاب عسكري:
ما حدث من تغيير ليس انقلاباً عسكرياً وليس فيه صراع سياسي، وابعد ما يكون عن اقصاء عسكري للمجموعة التي خرجت. خرجنا للرأي العام بهذا الترتيب الداخلي للمؤتمر الوطني وهذه الرؤية سيتم تنفيذها والتعبير هنا في شكل مؤسسات. بعض الاقلام اشفقت على الوجوه الجديدة ولكن هناك سياسات ستدعم هذه الوجوه وهناك رؤية لتطوير الاداء الاداري للدولة وتيسير معاملة المواطنين في الدواوين الحكومية بمنظومة اداء اعمال حديثة.
الحوار:
وفي ختام اللقاء قدم الاستاذ علي عثمان الدعوة للقوى السياسية بالداخل لادارة حوار عميق، وقال ادعو حملة السلاح في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق بان يدخلوا في حوار مع السلطة والبلد الآن مهيأة للمزيد من الحوار وسنشكِّل من مواقعنا الموجودين فيها الآن في دفع الجهود لتحقيق التوافق الوطني وطرح افكاراً تُعبِّر عن ان السودان لنا جميعاً ونعمل على تعزيز المسار الديمقراطي.
أشرف إبراهيم: صحيفة الوطن
[/JUSTIFY]