مشكلة كل المبعوثين الأمريكيين، أنهم لا يرغبون في الانصراف عن قضايا السودان وهمومه بعد أن تنقضي مهامهم الفاشلة أصلاً بوصفهم مبعوثين للبيت الأبيض، فيلجأون لإعطاء الدروس وتدبيج المقالات الكاذبة مثل مقالات وكتابات المبعوث الأسبق ناتسيوس، كلما وجدوا قضايا السودان رائجة في سوق السياسة الدولية أو حركتهم جماعات الضغط للحصول على إفادات سالبة في حق السودان.
والسيد ليمان ليس له أي حق في تقديم مثل هذه المقترحات، فالسودان حدد مساراته الانتخابية والأطر الدستورية التي تنظم حياته السياسية، فالانتخابات المقررة مطلع 2015م لا رجعة عنها، والظروف الحالية لا تشبه ظروف 2010م وما قبلها، وكانت الأوضاع يومها أكثر تعقيداً من الآن.. وحثت عليها وأيدتها يومئذٍ الإدارة الأمريكية والدول الغربية وباركت نتائجها التي اعتبرت اليوم معيبة، من أجل سواد عيون الحركة الشعبية حتى يقام الاستفتاء على مصير جنوب السودان في مواعيده، توطئة لقيام الدولة الجديدة عقب انفصالها.
لكن اليوم ليس هناك ما يستدعي الالتفات إلى أية اعتبارات أخرى، سوى أن هناك داخل الولايات المتحدة جماعات ومنظمات تريد إطالة أمد توترات بعض الأوضاع في السودان كما هي مثل الوضع في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور.
وتفكر جهات أمريكية تترصد وتتصيد السودان، في أنه في حال سير الأوضاع في البلاد على ما هي عليه الآن وانحسار التمرد في مناطق النزاع، واستفادت الخرطوم من هدوء علاقتها مع جوبا في ترتيب أوضاعها الداخلية خاصة في المجال الأمني والاقتصادي وقطع دابر التمرد، فإنه من الصعب بعدها أن يقتلع النظام الحاكم في السودان وستقوى شوكته، ولذلك الدعوة إلى تأجيل الانتخابات يقصد منها قطع الطريق أمام تفويض شعبي جديد قد تحصل عليه الحكومة في عام 2015م، وزيادة الأزمات، والبحث عن سبل كفيلة بإعادة إنتاج التمرد في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق في ثوب جديد، والبحث عن دعم له لمواصلة إضعاف السودان وإغراقه في بحار من الدماء.
وعندما يصدر ليمان أحكامه الجزافية الخرقاء ويتوهم أن الانتخابات القادمة ستكون معيبة كما كانت في 2010م، والتي اعترفت بنتائجها الإدارة الامريكية التي ابتعثته من قبل، فإنه يعطي إشارة واضحة ومسبقة للقوى السياسية والكيانات الحزبية بعدم الانخراط والمشاركة فيها، ويمد لهم حبل النجاة من نتائجها المتوقعة، ويطلب منهم الاستعداد لإفشال أية انتخابات تعقد بعد عام وتضفي الشرعية على الحكومة القائمة، بالانسحاب منها ورفض تمخضاتها!!
لو كان ليمان حريصاً على استقرار السودان وعلى الأمن والسلام والتنمية والحوار، لعمل وهو في موقع المسؤولية للجم الحرب ومنع تمددها، ولعمل على تنقية الأجواء وتطبيع العلاقات بين بلاده والخرطوم، ولساهم بفاعلية في طي ملف العقوبات الاقتصادية ومنع أيادي وأصابع بلاده من العبث بأمن وأمان السودانيين الذين أرهقتهم الحرب التي تصنع أجندتها وتمول من داخل الولايات المتحدة الأمريكية.. ولسعى لإخراج السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب برغم معرفة أمريكا وعلمها علم اليقين أن السودان لا يدعم الإرهاب ولا يأويه، وتعلم جميع الأجهزة الأمنية والاستخبارية الأمريكية هذه الحقيقة، لكنه الابتزاز السياسي ومنطق الكيل بمكيالين والرضوخ لضغط مجموعات الضغط الصهيونية واليمين المسيحي المتطرف.
السودان ماضٍ في مساراته ودربه، بإجراء الانتخابات في موعدها ولن يؤجلها، فمن أراد معرفة وزنه السياسي من الأحزاب والتكوينات السياسية فليقدم عليها، ولا سبيل يرتضيه الشعب السوداني للتغيير إلا صناديق الاقتراع.
على السيد ليمان وهو يعيش خريف عمره وقد قارب الثمانين عاماً.. أن يبتعد عن الخرف السياسي محتفظاً بمقترحاته ونصائحه!!
صحيفة الانتباهة
[/JUSTIFY]