يا سلام.. أخيرا وصلنا مقر معهد علوم الاتصال التابع للمجلس الثقافي البريطاني، لنبدأ دراسة فنون العمل التلفزيوني.. على الصعيد الشخصي كان من حقي أن أتنفس الصعداء، فرغم أن وزارة التربية التابعة لحكومة جعفر نميري هي التي رشحتني للدراسة، فإن نفس الحكومة تفننت في عرقلة إجراءات سفري.. ثم حاولت الطائرة التي استقللناها من الخرطوم النزول في مطار فرانكفورت «ترانزيت» وكدنا نروح «في داهية تودي وما تجيب»، بسبب السحب الركامية، ثم دخلت في صدام الحضارات مع السلالم الكهربائية في مطار هيثرو، ثم في محطات قطار الأنفاق، ونجحت في كسب جولتين من ذلك الصدام بتقدير «مقبول».. وكما نقول في السودان «العافية درجات» بمعنى أن التحسن والتطور يحصل تدريجيا وليس دفعة واحدة.
أحسن الجماعة في المعهد استقبالنا، وأعربوا عن أسفهم للظروف التي تسببت في تأخير وصولنا (حدوث محاولة انقلابية في الخرطوم أدت إلى قطع العلاقات مع بريطانيا لأن بي بي حشرت أنفها في الموضوع وقالت ان مذابح أعقبت الانقلاب).. وطافت بنا موظفة في أقسام المعهد، وكان أغرب شيء أنها أجبرتنا على النزول من الطابق الثاني حتى الطابق الأرضي مشيا على الأقدام ثم قادتنا إلى الشارع لتحدد لنا «نقطة التجمع»، وكان ذلك تمرينا وشرحا لنا لما ينبغي أن نفعله في حال حدوث حريق، ومن يعمل او يدرس في بريطانيا يلعن ابو اليوم الذي رماه في سكة الخواجات بسبب هوسهم بتدريبات تفادي الحرائق sllird erif فبمناسبة وبدون مناسبة يقولون لك: عندنا الساعة كذا من يوم كذا تمرين على إخلاء المبنى، وتكون مطالبا بعدم استخدام المصعد الكهربائي، وبأن تكون في نقطة التجمع المخصصة لك، ويا ويلك لو كمشوك وأنت تحمل حقيبتك أو أي ممتلكات تخصك، فمن المهم عندهم ان يغادر الإنسان فورا المبنى من دون تضييع الوقت في حمل مقتنياته بمجرد سماع صافرة الحريق.. الغريب في الأمر أن إجراءات السلامة التي يتمسك بها الخواجات في مواقع العمل والسكن أعجبتني كثيرا، وإلى يومنا هذا ما عملت أو سكنت في مبنى إلا ودرست مواقع المخارج في حالات الحريق، وترسخ عندي ذلك الإحساس الأمني بعد عملي مترجما في شركة أرامكو التي تولي أمور السلامة في العمل أهمية قصوى، بل كانت تعتبر ومنذ السبعينيات أي موظف لديها يقود سيارة خاصة بالشركة من دون ربط حزام الأمان مستهترا بلوائح العمل فيؤثر ذلك سلبا على العلاوة السنوية التي يتقاضاها… ومنذ عام ١٩٨٧ لم يحدث قط أن قدت سيارة أو جلست في مقعدها الأمامي من دون أن أربط حزام الأمان، ويا ما عرضني ذلك لعبارات تهكم حتى من شرطة المرور الذين كانوا يعتبرون ذلك نوعا من «الفلفسة» وهي «الفلسفة على الفاضي»، وتقليدا للخواجات وبالتالي خروجا على «تقاليدنا الأصيلة».
ثم صرفوا لنا بعض الأدوات اللازمة للمنهج الذي سندرسه، وكان أهمها جهاز تلفزيون صغير لكل واحد منا، لأن الهوم ويرك krow emoh (وليس وورك كما ينطقها كثير من العرب) هو مشاهدة البرامج التلفزيونية.. شوفو العز والمتعة.. تجي لندن بزعم الدراسة ويقولون لك شاهد برامج كذا وكذا وتعال بكرة.. ما أمتع ذلك لشخص ظل لا يرى في التلفزيون إلا صورة السيد الرئيس وبعض الوزراء وبرامج البكش التي تؤكد أننا سنصبح قوة عظمى «بس طولوا بالكم شوية أيها المواطنون الأحرار».
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]