وإذا كان من الطبيعي أن نفهم هذا الموقف فى إطار وجود هذه الحركات داخل الجبهة الثورية والتحالف القائم بينها وبين ما يسمى بقطاع الشمال فإن من غير الطبيعي ولا المنطقي أن ننظر الى (حل شامل) سيجمع ما بين حركات تطرح قضايا تخص دارفور، وقطاع شمال يطرح أطروحات هلامية تنادي بما يسمى بالسودان الجديد.
لو أن لهذه الحركات الدارفورية (ذاكرة سياسية جيدة) فإن عليها أن تسترجع من الماضي القريب وعلى أيام الانتقال فى اتفاقية نيفاشا 2005 الموقف الذي وقفته وظلت تقفه الحركة الشعبية الأم من أزمة دارفور.
فلو كانت تلك الحركة لديها أدنى اهتمام بأزمة دارفور وجادة فى التوصل الى حل بشأنها لمارست ضغوطاً وبذلت جهداً فى ذلك الحين لحل الأزمة وكان ذلك في متناول يدها ولم تكن الحكومة السودانية حكومة الانتقال تلك تمانع فى حل الأزمة، بل إن قادة الحركة الشعبية رغم كونهم شركاء مع المؤتمر الوطني فى الحكومة المركزية وحكومات الولايات لم يزوروا لا من قريب ولا من بعيد وقتها إقليم دارفور للوقوف على مشاكله وقضاياه!
فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للحركة الشعبية الأم، فما بالك بالحركة الشعبية (البنت) والتي هي الأخرى لا تساوي (جناح بعوضة سياسي) فى الميزان الوطني السوداني حالياً، إذ أنها وحتى فى مناطقها التى إنطلقت منها -المنطقتين جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق- ليس لها مؤيدين يمكن أن يُشار إليهم بالبنان.
ولو كان قطاع الشمال هذا له من القوة والسطوة ما يمكنه من تحقيق أهدافه، وكان واثقاً من نفسه لما فتح الباب للحركات الدارفورية المسلحة للتحالف معه ولهذا فإن كانت هذه الحركات المسلحة تقرأ التاريخ وتتدبر فى دروسه فإن عليها أن تعي الدرس من استخدام الحركة الشعبية منذ أيام الراحل قرنق لأبناء المنطقتين فى الحرب الطويلة التى امتدت لأكثر من عقدين، ثم لما سحنت لها السانحة تخلت عنهم -دون أن يطرف لها جفن- وعملت على فصل اقليها وإيصاد بابها من ورائها، تاركة أبناء المنطقتين لمصيرهم.
لم تكن الحركة الشعبية على استعداد لحمل أي أثقال على ظهرها لا تخصها هي وحدها، وقد كان بوسعها -وهي ضمن إطار الشراكة- أن تجتهد فى حل مشاكل المنطقتين، ولكنها لم تفعل بل لم تسجل ولو زيارة واحدة عابرة لها لتقف على الأوضاع على الأرض.
الأمر نفسه الآن يكرره قطاع الشمال مع الحركات الدارفورية المسلحة، فهو يستفيد من زخم غضبها وحملها السلاح لكي يعطي إيحاء أن الأزمة فى السودان كبيرة وهائلة ولكن لن يهتم كثيراً حين تسنح له السانحة بحل أزمة دارفور أو استمرارها.
لهذا من الغريب أن تردد الحركات الدارفورية -كما الببغاء- أكذوبة الحل الشامل فى وقت تعلم فيه أن الحل متاح وممكن بالنسبة لها فى منبر الدوحة حيث بإمكانها حل أزمتها بالطريقة التى تروق لها بعيداً عن خطرفات الحل الشامل، ويا ترى من منح حركات دارفور الصلاحية للحديث عن حل شامل إذا كانت هذه الحركات هي نفسها وفى داخل إقليمها غير متفق عليها؟
سودان سفاري