[JUSTIFY]
شهدت حاضرة ولاية سنار مدينة سنجة الوادعة حادثة مفجعة تختلف في تصميمها وتنفيذها وعناصرها، وهي ليست بالدخيلة فحسب بل تكاد لا تكون حتى في مخيلة السلطات الأمنية أو المواطن المتسامح بهذه المدينة الرائعة، فالجاني امرأة تتوارى خلف نقاب، والمجني عليها صبية لم تبلغ الـ (15) سنة وهي مريضة تعاني من حمى جعلت تنهش في عظامها الغضة فتعرضت لها أيدٍ قذرة واختطفتها قبل أن تتناول حتى مسكن الحمى.. والقصة بسيناريو رديء الإخراج فما بين المسافة من مركز صحي أبوالعلا بسنجة وحتى الميناء البري بالخرطوم كانت الصغيرة (إنذار) فاقدة للوعي وهي قصة اختطاف مؤلمة نروي تفاصيلها لتكون (إنذار) إنذاراً للجميع.
سماحة الوالد والبلد
اليافعة إنذار تعاني من الحمى فحملها والدها نصر الدين خليفة حسن في صباح الأحد مع مجموعة الركاب الذين يقلهم يومياً وأنزلها بالقرب من مركز صحي أبو العلا الذي يقع في وسط بيوت المواطنين بمدينة سنجة، وتركها لحالها فالمدينة فاضلة والكل بإمكانه أن يكون أخاً وأباً وأماً وأختاً لـ (إنذار) فضلاً عن ذلك؛ فالصغيرة تتميز بذكاء وإدراك يجعلها تعرف طريقها للتداوي من الحمى والالتهاب، رغماً عن ذلك وبشفقة الأبوة أوصى والدها اثنتين من النساء لمساعدتها..
التصيد للبراءة
ودعت الصغيرة أباها لأنها تعلم أنه سوف يوصل الركاب ويعود إليها حال مجيء دورها لمقابلة الطبيب ولأنها تحمل بطاقة تأمين صحي فإن دورها قد يتأخر بما يسمح لعودة ولي أمرها، تحركت الصغيرة وهي ترتجف وتتصبب عرقاً وتسعل بما لا يصدر صوتاً ويتضح ذلك من حركة يدها اليمنى التي تغطي به «زكامها» الصامت.. ظلت تتحرك ببطء صوب مدخل المركز وهي تسابق بنظراتها لموقع تريح فيه أنفاسها المتقطعة قبيل التسجيل عند ضابط التأمين الصحي، وبينما هي تفكر التخيير بين بدء الإجراء أم الاستراحة نادى عليها صوت سيدة منقبة وهي على متن ركشة، وقالت لها بصوت حنون: (يا بتي عليك الله جيبي لي الولد الصغير دا) وكان بالفعل أمامها طفل في طريقه للمركز.. لم تتردد (إنذار) في مساعدة أم تبحث عن علاج صغيرها، فقد ورثت المدينة فضائل الأفعال ولم يحول الرهق الذي تحمله الصغيرة من مساعدة سيدة متدينة ومنقبة فحملت الصغير وتوجهت به صوب الركشة.
إغماءة إنذار
تفاجأت (إنذار) بما لم تتوقعه حيث وضعت المنقبة منديلاً به مادة مخدرة على أنف الصغيرة مع تكميم فاهها العاجز حتى عن السعال فاخترق المخدر أوداجها المنهكة فما استغرق الأمر بضع ثوانٍ إلا وفقدت وعيها التام ولفترة غير معلومة.
من سنجة للخرطوم
رعاية إلهية ظللت ذلك الجسد النحيل وبدأت عروقها الرفيعة تنبط (كنقاع الزير) وفتحت عيناها (زي قمر حايمة حدابو سحابة) و(فتحت خشيمة الناي البهمس والربابة) وبدأت أذناها تلتقط همهمات متداخلة مع أصوات مزعجة وصياح مختلط ولمة وزحمة بلا رحمة.. قالت بصوت خافت (إنتو منو؟ وأنا وين؟ ودايرن شنو؟) فردت عليها الخاطفة بقسوة زادت من رعشتها وقلقها إنت منو؟ فردت وهي ترتعش: (اسمي إنذار) فقمعتها بكلمة فظة كذابة.. إنت نازك!! لم تستطع الصغيرة رداً غير دمعات معتصرة وتنهدات متقطعة حرام عليك أنا إنذار ودي بطاقتي ولعل الله أراد لبطاقة التأمين الصحي أن تكون ملاذاً ومخرجاً عجزت عن الوصول إليه كل لجنة أمن الولاية.
مصارعة المخدر والأقدار
رغم أن المختطفة لم تك المستهدفة إلا أن الخاطفة فقدت ضميرها وإنسانيتها وأمومتها وحتى أخلاقها وقالت في ذلك الموقف: (يالله طيري من وشي كده) فما كان من الصغيرة إلا أن لاذت بالبكاء وقالت: (أطير وين وأنا هسة وين؟) فكانت المفاجئة من الخاطفة أنت في الميناء البري الخرطوم! وهمت بالمغادرة إلا أن ابنة الخاطفة كانت تحمل شيئاً من الرحمة فتوسلت لوالدتها يا أمي دي بنية صغيرة ومسافتها بعيدة رأيك شنو نسوقها معانا البيت وبكرة.. وقبل أن تكمل حديثها قاطعتها وبالحسم: دايرة تعملي لينا مشكلة تاني؟ فتركتها في الميناء البري تصارع المُخدّر وتواجه الأقدار!.
الخير في أمة محمد:
بينما كانت الطفلة (إنذار) في تلك الحالة لا تعرف ماذا تفعل وصلت امرأة فضلى من سيدات الحصاحيصا للميناء وهي في طريقها لأهلها فوجدت الصغيرة وسألتها عما تعانيه وعن قصتها ومن أين أنت وابنة من أنت؟ فأجابت بما استطاعت قوله ولحسن الحظ أن لـ «إنذار» أخ من أبيها يقطن الحصاحيصا تعرّفت عليه السيدة واتصلت به وحملت له البشرى وطمأنته إلى صحة الصغيرة فاتصل على فوره لوالدها بقرية الرياض جنوب غرب سنجة فعادت إنذار بصدمة تتجاوز عمرها وتجربتها.
الإنتباهة مع الأسرة
توجهت (الإنتباهة) على فورها صوب الأسرة المنكوبة وجلست معهم بقرية الرياض فما عاد حديث هناك سوى عودة (إنذار) ووثقت جزءاً من مشاهد الفرح والدهشة التي غمرت الجميع؛ فالكل يعتبر الصغيرة ابنته والكل يعتصر المرارة والأسى… ويظل السؤال الجوهري الذي يدور في مخيلة الجميع من هي نازك؟ وما علاقتها بالمجرمة؟ وماذا كانوا يريدون بها وهل هي وحدها
المستهدفة أم هنالك أخريات؟
اختطاف إنذار هو إنذار بالخطر لأسرة نازك المستهدفة وتنبيه للسلطات الأمنية التي بذلت جهداً مقدراً بحثاً عن البريئة لحظة تبليغها بأن هذه المرأة ربما تعمل لصالح شبكة منظمة وتذكير للأسر بتوعية أبنائها، فالأجهزة المختصة هي المعنية بالإجابة عن التساؤلات، ولطالما لا تفرق المتهمة بين نازك وإنذار فإن الاجتهاد يسير نحو تنفيذ مهام وبحلقات متواصلة فانتبهو أيها السادة.
نعود ونقول إن اختطاف «إنذار» هو الأول من نوعه من حيث الطريقة المستخدمة وهذا يؤكد تطور الجريمة ونذكر باختطاف طفلين رضيعين من مستشفى سنجة أحدهما عثر عليه والآخر في علم الغيب.. وقبل فترة قصيرة اختطفت طفلة ليس ببعيد عن منزل أسرتها اختطفت بحي القلعة بمدينة سنجة وهي في طريقها للمدرسة صباحاً عبر عربة صغيرة سوداء حسبما روى والدها للصحيفة، ولكن سرعان ما تم إنزالها من قبل المختطفين حينما علموا أن الطفلة ليست هي المستهدفة.
صحيفة الإنتباهة
محمد العاقب
ع.ش
[/JUSTIFY]