** ولايزال مشهد الطفل وهو يتوسل لعمي : (يا عمو ممكن أجي أحضر معاكم المسلسل؟)، يتراءى لخاطري حين أمر بالأسواق والطرقات، وأجد فيها من يعرض بعض الأشياء المستعملة من شاكلة : تليفزيون، رسيفر، طبق فضائي، دولاب ملابس، ثلاجة و..و.. وتلك أشياء ليست ذات قيمة لمن ينظر إليها بقصر النظر من برج عال، ولكنها أشياء تخلف فراغاً مؤلماً في الأسرة .. لقد كانت تستخدمها قبل أن يصيبها ضنك الحياة بحيث يرغمها على عرضها للبيع بثمن زهيد، لتعيش بثمنها بعض الوقت أو لتداوي بقيمتها أحد أفرادها.. ينزعها رب الأسرة – أو ربتها- نزعاً من الصغار، ليخرج بها إلى السوق بقلب حزين، ويكون لسان حاله عند النزع : ( إن شاء الله لمن الظروف تتحسن بجيب ليكم أحسن منو)، وتكون غصة الألم – في تلك اللحظة – قد بلغت الحلقوم، ولكنها ليست أغلى الروح والشرف، إذ بما كانوا يملكون يسترون حالهم في دنيا التعفف.. ومع ذلك، لايتعلم بعض من ولاهم القدر أمر الناس، بحيث يكونوا كما رعيتهم يسترون حال البلد بـ( القليل الموجود).. وما حكاية (عربة إسعاف مستشفى الصداقة)، إلا محض نموذج ..!!
** إذ ليس بعاقل من يجرد مشفاه من عربة الإسعاف، ليجود بها إلى آخرين مشافيهم أفضل حالاً من مشفاه، أو كما فعلت وزارة الصحة بالتنسيق مع بعض شيوخ المنظمات، تحت غطاء ( دعم غزة والصومال).. لم يفكر أحدهم عما يحدث لامرأة تتمخض في أمبدة ولاتجد إسعافاً، ولا في ما يحدث لمصاب بحادث مروري ولايجد إسعافاً..لو فكروا قليلاً ، لما جردوا هذا المرفق من تلك العربة، ولكنهم – كما ضل الدليب- يظلون الغير، بيد أن رعيتهم تلتحف الهجير.. ومع ذلك، يبقى الشعب نبيلاً..ويتصل أحدهم، الدكتور طارق سيد أحمد، سوداني مقيم بكوريا، متأثراً : ( والله ما عايز اتكلم معاك في موضوع الإسعاف دا..بس أعمل فيني خير ووريني أسرع وأسهل طريقة ارسل بيها عربية إسعاف لمستشفى الصداقة)، ثم يواصل ضاحكاً : ( أنا غايتو بعمل العلي وبرسلها ليهم خلال الأسبوع الجاي، بس راقبوها وما يقوموا كمان يتبرعوا بيها للبوسنة ولا للشيشان).. الشكر لله، ثم لشعب طيب الأعراق، وما طارق إلا أحدهم..!!
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]