ومع محدودية هذه المحاولات إلا أن جهات الاختصاص تأخذ حذرها وتستنفر قواتها لمواجهتها وردعها، وحتى بعد القضاء عليها تبقى سيارات الاحتياطي المركزي وشرطتها بارزة للعيان تظهر قوتها وتلوّح بما سيكون منها إن لزم الأمر.
ونحن في شهر ديسمبر ونقترب من نهاية العام الميلادي وما يعرف بليلة رأس السنة، وقد اعتاد «بعض» الناس أنهم يقومون بــ «تظاهرات»!! من نوع «خاص» في كثير من الأماكن والصالات وبعض الشوارع الرئيسة والكباري وأرصفة الشواطئ!! في العاصمة و«بعض» الولايات..
تكثر الحفلات، وتعم السهرات وتكتظ الحدائق بالنساء المتبرجات فرادى وجماعات!! شباب غافل عن ذكر الله مجيب لداعي الهوى في لهو وتسكّع، ومجموعات مختلطة تعسكر هنا وهناك وجميعهم يهتفون هتافاً واحداً ــ بلسان الحال وربما بلسان المقال ــ أن لا تعظيم لحرمات الله، وأن الهوى وملذات النفس تقدم على توجيهات الرحمن وما نصح به سيد ولد عدنان عليه الصلاة والسلام.. ويعلنون بهتافهم الصامت الذي يدل عليه الفعل والتصرفات ـ والفعل قد يكون أبلغ من القول كما لا يخفى ـ يعلنون أنهم عبيد للشيطان وعبيد لأنفسهم التي تؤزهم على الشر والعصيان أزاً، يعلنون أنهم في ما هم عليه قد تحرروا من عبودية الله التي خلقهم لأجلها، وهربوا بأنفسهم لعبودية أنفسهم وعبودية الشيطان..
هربوا من الرق الذي خلقوا له *** فبلوا برق النفس والشيطان
فهذه التظاهرات تحمل في طياتها المجاهرة بالعصيان لله الرحمن وقد ورد الوعيد الشديد للمجاهرين والمجاهرات بالإعراض والعصيان، فقد قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين».. رواه البخاري ومسلم.. وهي مجاهرة تنذر بمزيد من العقوبات العامة ونحن دوماً في حاجة لرحمة أرحم الراحمين.. ونعاني في زماننا هذا فتناً وبلايا ونكبات.. فقد عمّ الغلاء وانتشر الوباء وكثر الاختلاف والتناحر وتزعزع الأمن وفسدت كثير من الأحوال.
وإذا كان وقوع هذا النوع من «التظاهرات» من الأمور التي تقع في كل بقاع الدنيا لوجود الهوى والشيطان والنفس الأمارة بالسوء، فإنه يجب على جهات كثيرة القيام بالواجب تجاهها.. فإذا كانت شرطة الاحتياطي المركزي والنجدة والعمليات وغيرها من الجهات الأمنية هي الجهات المنوط بها مواجهة «المظاهرات» ومحاولات الشغب، فتتولى ذلك وتبرز للمتظاهرين وتقف أمام وجوههم وتقطع طرقهم وإن احتاجت رمتهم بالغاز المسيل للدموع «البنبان» لتفريقهم، وإن احتاجت استخدمت العصي.. فهدفها إفشال المظاهرات وتفريق جمعها، فتتنوع وسائلها لتحقيق غايتها وهدفها وخلفها جهات تتابعها وتراقب معها الأوضاع.. ولا يخفى على من له أدنى معرفة بدينه أن «الحفاظ على الدين» مقدم على الحفاظ على الأنفس والأموال؛ فالدين هو الضرورة الأولى من الضروريات الخمس ويليه النفس ثم العقل ثم العرض والنسل ثم المال..
فما هي يا ترى الجهات التي يجب عليها أن تواجه «الجموع المتظاهرة» من الفتيان والفتيات والتي تعلن المجاهرة بالعصيان والتشبه بأهل الكفر في أعيادهم؟! من يا ترى هي الجهات التي تتصدى لهؤلاء المتظاهرين بالحسنى، وتأخذ بأيديهم وتسعى لإنقاذهم مما هم فيه؟! هل يا ترى لوزارة الوقوف والإرشاد ولأمانات العقيدة والدعوة دور في إيصال النصح لهؤلاء؟! وهل لعامة العلماء والدعاة والوعاظ والمدرسين، وعامة الناس دور في إنكار هذا المنكر بالأسلوب الشرعي، مع استصحاب الرفق واللين لدلالة هؤلاء إلى ما فيه الخير لهم؟! وما هي الجهات التي تسهم في زيادة هذه التظاهرات؟! وما هي الجهات التي تقنن بل باتت تشجع الحفلات المختلطة الساهرة في أيام رأس السنة وغيرها؟! بل تزين مناطقها ليشد لها الفتيان والفتيات الرحال من مئات الكيلو مترات؟! بل من عجائب ما سمعنا أن يجاهر أحد المسؤولين في جهة ما ويتوعّد من يأتيه ببلاغ في قضية أخلاقية في ليلة رأس السنة!! بل أصبحت تخلو تلك المدينة في ليلة رأس السنة من الشرطة بأمر المسؤول الذي حكّم هوى نفسه وقدّمه على ما يعرف من الحق!! ولا يدري أنه لا يحيق المكر السيء إلا بأهله.. فاختلط الحابل بالنابل ونام الفتيان والفتيات القادمون من مدن شتى في أسطح بعض الفنادق بعد السهر والرقص والاختلاط والفساد في الأرض؛ وهذا من أقبح أنواع «المظاهرات» التي تناقض ما دعت إليه الديان، والمؤسف أن يشجعها بعض من لا يرى بأساً بقتل المتظاهرين الذين يهددون «الدنيا والمال والمنصب والجاه»!! وليسأل هذا المسؤول المضيع لأمانته عن دور اللقطاء وكم يأتيها ممن هم كانوا بسبب هذا النوع من الاحتفالات!!
تأملت هذا النوع من التظاهرات فهالني الأمر وذلك لعلمي أن نصح هؤلاء المعرضين والغافلين من «الواجب الكفائي» الذي إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين وإن لم يقم به أحد أثِمَ الجميع، فاللهم رحماك رحماك.. أين نحن من الشفقة والحرص على هداية هؤلاء التائهين الحيارى؟! أين براءة الذمة في هذا الجانب؟! وأين المعذرة إلى الله وإقامة الحجة على هؤلاء؟!
مؤسف أن تكون ديار إسلام كديارنا يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة تكاد تكون غائبة.. وقد كان مما يبايع عليه الصحابة الكرام نبي الهدي والرحمة: النصح لكل مسلم فالنصيحة هي من حق المسلم على أخيه المسلم ففي حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَشَرَطَ عَلَيَّ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فَبَايَعْتُهُ» متفق عليه.. ولبعض الإدارات والأجهزة ببعض الدول دور مشرف في الإتيان عند أماكن تجمع أمثال هؤلاء ونصحهم بالوسائل المناسبة، والإهداء لهم من بعض المنشورات والكتيبات ومناقشتهم.. فأين يا ترى دور أمانات الدعوة وأين دور المنظمات الدعوية؟! إن لم ينصحوا هم وعامة الناس هؤلاء فمن يا ترى من يقوم بنصحهم؟!
ولما فرط بنو إسرائيل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأضاعوه، قال الله جل وعلا في حقهم: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ». ثم فسر هذا العصيان والاعتداء فقال سبحانه: «كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون». فجعل هذا من أكبر عصيانهم واعتدائهم، وجعله التفسير لهذه الآية.
وفي مقال أمس بينت الحكم الشرعي في حكم الاحتفال بالكريسماس ورأس السنة، ونتفاءل أننا في هذا العام يكون مجتمعنا في معافاة من هذه المظاهر المخالفة للدين والتي تأباها الفطر السليمة وتأنف منها النفوس المستقيمة وليتق الله ولي كل فتاة في حماية عرضه.
والموفق من وفقه الله.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش