لأننا نحن الشعب السوداني نريد أن نعرف رغم وجود العالم الخارجي الذي يضغط في اتجاه العلاقات وتفشيل المفاوضات بين الطرفين.
فنحن لا نريد من حكومتنا التي أوليناها مسؤولية قيادتنا أن تنزلق نحو متاهات الاستسلام أذا كان ذلك واقعاً فيجب أن ترفض هذا الواقع لأنه يتميز بنوع من التبعية، فالمستعمر يسعي لتفتيت بلادنا ولا يريد أن يحترمنا بالرغم من إدراكه بأننا قوة قادرة للنهوض ببلادنا وقادرة للمجابهة، فالمشكلة الوحيدة التي تواجهنا الآن إننا لم نتوحد ولم نتضامن ولم نتسق ونتعاون بالرغم من إننا تجمعنا ديانة واحدة ومثل قيمته عليا إلا أثناء اللحظات اللاستثنائية المصيرية تتوحد فيها قوانا السياسية لفترات قليلة محدودة.
لقد وعدت حكومتنا بإنهاء حرب دارفور قبل نهاية هذا العام والعمليات العسكرية تشتد ضراوة لأن قضية دارفور قد امتزجت بقطاع الشمال، وونت الحركتان جسماً عسكرياً جبهوياً أسموه بالجبهة الثورية التي أقرب إلي الجبهة التخريبية من الجبهة الثورية وبدأت تناوش الحكومة عبر عمليات عسكرية في مناطق لا تتوقع الحكومة دخولها في دائرة الحروب، وكأنها تريد أي الجبهة من إشعال البلاد كلها بنيران الحروب مما تقود قضيتها السياسية الحروبية إلي قضية شديدة التعقيد وتدفع الحكومة لولوج طاولة المفاوضات حتي تنهي التمرد عسكرياً.
فالكثيرون من الذين غرر بهم لدخول هذه الحروب لا يعرفون مسببات نشوب هذه الحروب.
فالحلو كان نائباً للوالي خاض جولة انتخابية ضد الوالي هارون وعقار كان والياً لولاية النيل الأزرق ومناوي كان مساعداً لرئيس الجمهورية وإمام كان وزير دولة بوزارة الشباب والرياضة وحاكم سابق لغرب دارفور.
فالذي يتابع بالتمعن والتمحيص يجد أن الخلاف لا مبرر له بين هؤلاء القادة المتمردين الذي أدوا يمين الولاء للمشير البشير وكانوا أقرب المقربين له، حيث فاز عقار بالتوافق والتراضي وأصبح الحلو نائباً للوالي بالتراضي والتوافق وكل من زعماء الجبهة الثورية التخريبية كانوا أصحاب قرار في نفس الحكومة التي رفعوا ضدها السلاح الآن.
ومعظمهم خرج عبر صالة كبار رجالات الدولة.
أيتها الحكومة الرحيمة لازلنا نحن الشعب نلح عليك بضرورة تحديد مواقع الخلاف بينك ومناصريك من قادة هذه الجبهة التخريبية.
حتي نتمكن نحن الشعب من تحديد أبعاد القضية الخلافية قبل إعادة جولة الجلوس مع هؤلاء القادة المنفلتين الذين ما أن يتواثقوا مع النظام ثم يعيدون الكرة مرة أخري خروجاً علي الشرعية فندفع نحن هي بمثابة سياسة لقمة بلقمة حيث تتعامل معنا حكومتنا وكأننا لسنا جزء من القضية وكأنها تتعامل مع الفراغ غير آبه بما لنا من مصالح وحقوق وغير مكترثة أثناء تحفيزها للمنفلتين الذين روعوا شعبنا وأرهبوه وشردوه وقتلوه بالدم البارد.
فالحقيقة التي يجب أن تدركها الحكومة أن قادة الجبهة الثورية قد وقعوا في الفخ حالياً فلكي يجيشوا مواطني المناطق التي يحتلونها فهم في حاجة إلي أموال طائلة أولاً لإدامة هذه الحروب فهم في حاجة إلي تلك الأموال لتغطية التزامات المقاتلين من حملة السلاح والوفاء باحتياجاتهم التشوينية.
وبالتالي هم مهددون بتمردات داخلية وهذا سبب في الانقسامات وشروخ الجبهات إلي عدة أجنحة، بجانب إن هؤلاء القادة يخافون علي مصالحهم، ولكن الغريب في أمر حكومتنا إنها تختزل القضايا الوطنية في شخوص المخالفين الخارجين علي القانون الذين تعتبرهم القضية فتمنحهم الحوافز المالية والوظيفية بينما تظل القضية قائمة دون أن تبرح مكانها.
دون أن تدرك أن القضايا الوطنية يجب أن تختزل داخل التركيبة الوطنية لأن مشاكل البلاد الخلافية متداخلة وبالتالي متنافرة.
فالمحاولات الجارية حالياً لتزليق وتحريف القضايا الخلافية وتفريغها من محتواها باعتبار أن تحفيز المخالفين ذريعة أو قميص عثمان لاحتواء الأزمات أو تقصير مسافة الحلول لهي رؤية بالية.
فالحكومة بعد أن بدأت أولي خطواتها لتنمية مناطق جنوب كردفان بإقامة بنية تحتية ومشروعات تنموية اندلع التمرد لإيقاف تنمية تلك المناطق وكأن المتمردين يستهدفون إنسان الجبال، فأدرك أهل الجبال أن ما يفقرهم ويثقل كأهلهم ويقطع أنفاسهم هم أصحاب القبضة التخريبية من المتمردين تحت دعاوي المظالم التي تلحق بالمناطق المهمشة.
من حق أي مواطن أ يطالب بحقه في المشاركة العادلة في السلطة ومن حقه أن يكون له نصيباً في ثروات بلاده ولكن عر الوسائل الاقتراعية أو عبر الوسائل الإنتاجية.
أما أن يحتمي المرء بقوة خارجية فإن ذلك ظاهرة عارضة ودخيلة وهلامية علي بلادنا، وأهل الجبال والنيل الأزرق ودارفور يرون الآن أن تلك الحروب قد أدت إلي تفريخ شرائح اجتماعية متميزة من النازحين والمشردين والمنكوبين.
أما الذين اختاروا جانب الحياد من أبناء تلك المناطق ولم يخرجوا علناً لإدانة تلك الممارسات الهمجية فإن هذه المواقف التوليفية لن تخدم قضية السلام والحلول العادلة.
لأن القضية لن تحسم في تقدمها أو ارتقائها وتصاعديتها وانعطافاتها ومنعرجاتها أو انفراجتها ولا انكفاءاتها طالما إنها مصاحبة للحروب.
ولم تعد تلك الحروب مختزلة بين الحكومة والمتمردين بل بدأت تتكثف وتزداد اشتعالاً بينما الخاسر الأول الوطن ومواطن السودان.
فيجب علي قادتنا من أبناء المناطق المشتعلة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق أن يخرجوا علناً لإدانة تلك العمليات العسكرية الإرهابية من جانب الجبهة الثورية، لأنهم بالسلام سيكونون أكثر الناس استبشاراً بالنقلة المباغتة التي حققت السلام علي أيديهم لا علي أيدي الآخرين.
فمعظم قادة دارفور الحاليين المنضويين تحت لواء الحكومة هم أبناء السلاطين والمشايخ والعمد يمكن أن يلعبوا دوراً في إطفاء نيران الحروب المحتدمة في ولاياتهم عبر حكومتهم الإقليمية المعروفة بالسلطة الإقليمية.
والجميع يعلمون أن خيرة أبناء السودان من المثقفين والمتعلمين ورجال الفكر والسياسة والمال من إقليم دارفور وأن النخبة المستنيرة من أساتذة السياسة والطب والعلوم الإنسانية والقانون وخريجو الجامعات العالمية بأعلى الدرجات العملية من دارفور فكيف للعلماء الأجلاء الأوفياء الأتقياء أن تنزلق قضية الإقليم من أيديهم لبحثوا عن خبيراً خارجياً لوضع الحلول لقضيتهم؟ إنها فاجعة مؤلمة.
صحيفة المشهد الآن
عثمان الطويل
ع.ش