ومن أبرز سمات الحكومة الجديدة: أولاً: إن التغيير شمل المتنفذين والممسكين بمفاصل السلطة والحزب- علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع وقريباً منهما نائب الرئيس الحاج آدم يوسف، وربما لم يحدث في المحيط العربي أو الإقليمي أن غادر ثلاثة رجال بجانب الرئيس مناصبهم.
ثانياً: أن الإنقاذ هذة المرة أحدثت «مفاصلة» بائنة بين رفع شعار التغيير وإنزاله أرض الواقع بإبعاد الحرس القديم ورجال الصف الأول من خلال عملية تغيير هي الأوسع منذ قيام الإنقاذ بخروج د.عوض الجاز الذي ظل موجوداً منذ قيام الإنقاذ، د. عبد الحليم المتعافي، أسامه عبد الله، كمال عبد اللطيف .
ثالثاً: حدثت نقلة نوعية كبيرة في وزارة مهمة كالمالية بتجاوز التشكيل للوزير علي محمود الذي حكم الرأي العام عليه بإثارته للجدل وبتعكيره للمزاج العام بصراحته المتناهية ورسمه لصورة قاتمة ليوم غدٍ وإن كان الرجل ينفّذ سياسات الحكومة وذات ما أكده د.نافع أمس.
كما تغيرت النظرة الراسخة بشأن دوران عجلة المالية حول وجوه اقتصادية بعينها مثل عبد الرحيم حمدي، وجئ ببدر الدين محمود «نائب محافظ البنك المركزي» سيما وأن الرجل قريب جداً من المالية، ويتوقع أن يخلق حالة من الإنسجام مع البنك المركزي خاصة وأنه على دراية تامة بحجم المال لدى الحكومة وبحركة دوران العملة الأجنبية ما يمكنه من التحدث بكثير من العقلانية والموضوعية في ذات الوقت. ويتطابق مع ذلك ما أفصح عنه د.نافع علي نافع عندما كشف عن شخصية بدر الدين وأنه جزء أصيل من كل البرامج الإقتصادية للحكومة، وقال نافع إن الرجل يجمع بين الحسنيين فهمه للإقتصاد الكلي ولتصاريف المال وأسبقيات صرفه.
رابعاً: إن التشكيل بشكله الراهن فكك مراكز القوى والتمدد مثل الحالة التي كان عليها أسامه عبد الله، وإن كان خلفه من المقربين إليه وهو نائبه في الكهرباء، د.معتز موسى، ولكن ما يميزه أنه من الوجوه الشبابية والكوادر التي انصهرت خارج المؤسسات الشبابية للتنظيم وحضر دراساته بالخارج ويمتلك قدرات هائلة وكان مشرفاً على كامل الملفات والعقودات الخارجية للكهرباء بمعنى امتلاكه كلمة السر، ويتميز بإجادته للغتين الإنجليزية والفرنسية والتحدث بهما بطلاقه بجانب إلمامه بالألمانيه وله صله بالرئيس البشير خامساً: وضح من التشكيل أن الرئيس عمل على تأمين القصر بشكل محكم، فخليفة طه أقرب الرجال إليه وهو الفريق بكري حسن صالح، بينما خليفة بكري وهو وزير الدولة السابق بالخارجية صلاح ونسي مقرب جداً من الرئيس حيث كان مديراً لمكتبه بالحزب وقبلها كان أميناً للطلاب في فترة عصيبة ساهمت في تامين الإنقاذ وتقوية عمادها، كما أن ونسي من أبناء المؤسسة الأمنية ذات العلاقة الوثيقة بالمؤسسة العسكرية فضلاً عن أن تعيين ونسي في أهم الوزارات بمثابة تكريم لكل المسيرية – التي ينحدر منها – تلك القبيلة المساندة للوطني والبشير بشكل أخص بصورة كبيرة وإن كان المنصب يحتاج لجهد من ونسي.سادساً: وقريباً من المسألة بقاء وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين في موقعه وهو مستودع ثقة الرئيس وإن كان بقاؤه ووجه بمعارضة شديدة داخل اجتماع المكتب القيادي وكاد يطيح المجتمعون بحسين ويتوقع أنه لم يكن ضمن خيارات النائب الأول السابق والذي كشف د. نافع إشرافه حتى آخر لحظة على التشكيل الوزاري، ولذلك و لتلافي الإطاحة بذراع الرئيس الأيمن تم استحداث منصب وزير دولة بالدفاع وهو المنصب الذي ظل شاغراًَ لسنوات وشغله من قبل الشهيد إبراهيم شمس الدين وأحمد الفشاشوية وأسامة، وجئ بشخصية قوية وضابط مقبول في أوساط العسكريين وهو اللواء يحيي محمد خير- له صلة مصاهرة بالشهيد الزبير محمد صالح – وهو من حرر الكرمك وكان والياً مكلفاً للنيل الأزرق وقائداً للحرس الجمهوري، وبتعيينه سيكون حلقة وصل بين الوزارة وهيئة الأركان وتقوية المسافة بينهما.
سابعاً : إن الوطني أراد استمرار الاستقرار في وزارة حيوية ومهمة يرتبط بها بشكل وثيق هي النفط، ولذلك كان من الطبيعي إسنادها لشخصية رصينة وعملية وواقعية بذات مواصفات د.الجاز، وهو المهندس مكاوي العوض، الذي رد له الحزب اعتباره حيث كان قريباً من وزارة الكهرباء في وقت سابق. وعين حاتم أبو القاسم وزيراً للدولة بالنفط باعتباره سيشرف على الملفات الخاصة للوزارة أسوة بإشرافه بملفات خاصة في رئاسة الجمهورية. ثامناً: مضى الوطني في إتجاه تحصين نفسه إعلامياً خاصة وأن الاحتجاجات الأخيرة تعاظمت إعلامياً وبشكل كثيف فدفع بياسر يوسف إبراهيم وزيراً للدولة في الإعلام وهو من القيادات الشابة ويشغل أمين الإعلام بالحزب والأمين العام لمجلس الشباب العربي والأفريقي، ويملك علاقات واسعة مع شباب عرب وأفارقه بعضهم صار من صناع القرار في بلاده وكذلك شباب غربيين، وهو شخصية متوازنه ويتمتع بشعبية كبيرة في الوسط الإعلامي وله صداقات قوية مع كافة ألوان الطيف السياسي، وهو مؤهل خريج قانون جامعة الخرطوم ويحمل ماجستير في القانون من الزعيم الأزهري يتقن الإنجليزية وله قدرة كبيرة علي الإقناع، واللافت فيه مجادلته لخصوم حزبه على الفيسبوك.. ياسر سيضبط إيقاع الخطاب الإعلامي. تاسعاً: استعان الحزب بشخصيات في وزارات تتماشى مع تخصصاتهم ففي الاتصالات تم ترفيع المهندسة د.تهاني عبد الله وزيرة الدولة السابقة بذات الوزارة لمنصب الوزير، وهي أكاديمية وأستاذة بجامعة الخرطوم وميالة للعمل التنفيذي وليس الحزبي فتعتبر من الوزراء «التكنوقراط»، وقدمت مردوداً متميزاً في الفترة السابقة مما أهلها للترقي وقريباً منها وزيرة التعليم العالي د.سمية أبو كشوة، أول امرأة تتقلد منصب نائب مدير جامعة الخرطوم ورئيسة سابقة لاتحاد المرأة وهي تمتلك رؤية واضحة في ضبط مخرجات التعليم العالي وهي صاحبة الرأي الجهير بعدم التوسع في الجامعات وعدم الانفتاح، يشاطرها في الرأي مأمون حميدة، كما وهي من مؤيدي التعريب وإن احتجت على طريقته المستجلبة من دولة عربية وهي من المنظرين لمؤتمر ثورة التعليم العالي. ولكن قد يؤخذ عليها بعض الناقدين للحكومة أنها حرم القيادي بالوطني نقيب المحامين عبد الرحمن الخليفة وذات الأمر ينسحب على وزيرة التربية والتعليم سعاد عبد الرازق التي تم تجديد الثقة فيها، وهي حرم الأمين العام للحركة الإسلامية شيخ الزبير أحمد الحسن.. المهم أن سمية وسعاد مشهود لهما بالكفاءة والنزاهة وقوة الشخصية ويحظيان باحترام كبير بل كل نسوة الوطني لهن مكانتهن بدليل زيادة «كوتة» المرأة هذه المرة.
عاشراً: يبدي البعض استغرابه لإفتقار الوطني لقيادات جديدة في مناطق بعينها ووسط مكونات معينة، فمثلاً ظل د. فرح مصطفى وزير الحكم اللامركزي يمثل رمزية الفور لفترة من الوقت وذات الحال ينطبق علي ابراهيم محمود «شرق السودان» بينما حدث اختراق في مناطق أخرى فمثلاً كان وزير الدولة السابق بالنفط فيصل حماد يمثل بحر أبيض والآن خرج وجئ برئيسة لجنة الشؤون الثقافية والإجتماعية بالبرلمان أميرة السر وزيرة دولة بالسياحة وهي كادر نسوي معروف في النيل الأبيض وكانت أميناً عاماً لاتحاد المرأة بالولاية ومرشحة سابقة للاتحاد العام للمراة.
تخوفات:
هناك حزمة من التخوفات التي ستنتاب البعض تجاه الحكومة الجديدة وهي أقرب ماتكون تحدياً سيجابه الحكومة في المرحلة المقبلة وهي:
الأولى: تحدي يصطدم به وزير المالية وهو كبح جماح التجنيب، والذي أقر الوزير السابق بفشله في إيقافه، بجانب صعوبة ضبط المال جراء تزايد الإنفاق الحكومي خاصة وان المالية من الوزارات التي تنهي عمر المسؤول سياسياً ولا يعمر فيها الوزير كثيراً. ولعل علي محمود يكون أكثر وزيراً إستوزر فيها، قد يسبقه عبد الرحيم حمدي ولكن على فترتين منفصلتين.الثانية: خاصة بوزارة الرعاية الاجتماعية حيث على الوزيرة مشاعر الدولب التي تم تجديد الثقة فيها لنجاحاتها أن تلتفت وبجدية لملف الجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي ووقف سيل الاتهامات التي تحوم حوله وكشفها للرأي العام بأسرع فرصه سيما وأن الجهاز يدير أموالا تقدر بملايين الدولارات، فضلاً عن إشراف الرعاية على مؤسسات ضخمة تحتاج مراجعه دقيقة وشاملة بجانب تحديد ملامح خطة مكافحة الفقر سيما وأن الحكومة مضت في رفع الدعم ولا سبيل لتلافي أضراره إلا بواسطة هذه الوزارة.
الثالثة: خاصة بوزارة الزراعة وهي وزارة توليها الحكومة اهتماماً خاصاً بجانب الرعاية حيث ينظر لها بالمنقذة للبلاد في ظل الأوضاع الراهنة، وقد وضع الوزير السابق المتعافي أساساً متيناً لها للبنيات التحتية والشراكات وطرح محاصيل جديدة ذات جدوى مثل القطن المحور.. والذي يجابه الوزير الجديد إبراهيم محمود هو محاولات اتحاد المزارعين التدخل في شؤون الوزارة والتشويش عليها باللجوء للصحافة ووقف تمدد الشركات الخاصة على حساب المزارع الذي ظل يتصدى له المتعافي وجلب له المشاكل والعداوات وصلت قيادة حملات منظمة ضده في صحف بعينها.
الرابعة: بشأن الخارجية فالإبقاء على كرتي كان في محله وإن لم يكن في توقيته لجهة فتحه لخزانة أسرار علاقة الخرطوم بطهران مؤخراً، ولكن تجاوزاً لذلك فالرجل نجح بامتياز في اختراق الدول الأفريقية وهو ما فطنت إليه الحكومة مؤخراً بتوجهها نحو القارة السمراء بدليل تفرغ د.نافع لمجلس شؤون الأحزاب الأفريقية، ومعلوم السند الاخير الذي حظيت به الحكومة من أفريقيا خاصة في ملف الجنائية كما أنه فتح آفاقاً لعلاقات استثمارية مع أروبا.. لكن بالقطع يحتاج كرتي لوزير دولة بمواصفات خاصة يعينه في مهمته.
خامساً: تتعلق بالداخلية، فتعيين عبد الواحد يوسف مفاجأة خاصة لحساسية الوزارة وإن كان عبد الواحد ضابطاً سابقاً بجهاز الأمن والمخابرات، لكن سيشفق عليه البعض لتحديات الوزارة والعاصمة تحديداً، وإن كانت الشرطة ولائية. سادساً: تخوف أن يفهم التغيير قطعاً للطريق لأبناء الشمالية تحديداً، وجلهم ينحدرون من قبيلة بعينها على رأسهم النائب الأول السابق، الجاز، أسامه عبد الله، وكمال عبد اللطيف الذي خسرته الحكومة. وأيضاً صلاح عبد الله «قوش» الذي كان من المرشحين.
صحيفة آخر لحظة
تقرير: أسامة عبد الماجد
ت.إ[/JUSTIFY]