داخل هذا المنصب شخصيات وصل عددها لعشرة شخصيات كانت من دون غيرها من أمسك بزمام القلم الثاني بعد الرئيس، بل أصبحت شخصيات بعيدة عن العمل العام في الحقل الدستوري بعد إقالتها من المنصب. داخل هذا المنصب مفارقات عديدة منها ما هو مدهش ومنها ما هو ذو مفارقة لم تكن تخطر على البال. وذلك لوضعية جوانب الكفاءة (وفقًا لرأي الرئيس نفسه) والتقارب الاجتماعي والصداقة وبل الإعجاب أيضًا. شكل هذا المنصب أقاويل كثيرة، فبينما يقول مقربون من دوائر صنع القرار بأن المنصب ما هو إلا تكملة لديكور الدولة يقول آخرون بأنه من الأهمية بمكان وذلك لتصريف مهام الرئاسة في غياب الرئيس، أو حتى الاستشارة في قضايا تتطلب التوافق ما بين الرئيس ونائبه قبل خروج القرار إلى حيز التداول الإعلامي.
حكومة مايو الأولى منذ أول تشكيل وزاري لحكومة مايو وفي أواخره كان منصب نائب الرئيس من ضمن ما استحدثه الرئيس النميري. فظل القاضي الأسبق ورجل القانون بابكر عوض الله هو الممسك بالقلم الثاني بعد الرئيس.ولربما كان القاضي الأسبق والمحامي الأشهر في تاريخ العهد الديمقراطي الأول من الشخصيات التي اتفق عليها الجميع يومها باعتباره واحدًا من الشخصيات التي عُرفت بسعة الأفق وغزارة العلم والحيادية التامة التي مكَّنته من العمل تحت وطأة ظروف بالغة التعقيد والخطورة، وذلك في عدد من الأحداث الدالة على عدم اتساق شخصيته مع أصحاب المطامع والمفسدين. دل على تلك الشخصية مطالبته يوم أن كان رئيساً للقضاء بضرورة تقديم الوزراء لمحاكمات رادعة إن ثبت تورطهم في قضايا فساد وإفساد. وغيرها مما يحفظه له تاريخ القضاء في السودان. من غرائب ومفارقات منصب النائب الأول في عهد القاضي بابكر عوض الله أنه الوحيد بين جميع النواب الأوائل الذي تسنم في ذات الوقت منصب رئيس الوزراء. وذلك في سابقة لم تحدث حتى الآن لأيٍّ من الذين تقلدوا المنصب. ولخلفيته القانونية السبب في اهتمامه حين توليه المنصب بالقضايا التشريعية والقانونية، وكذلك الشق المرتبط ما بين الإدارة والتشريع.
تولى بابكر عوض الله المنصب وعمره خمسون عامًا وهو عمر كان مقارنة بأعمار الوزراء آنذاك في تلك الحكومة مناسبًا إذا علمنا أن أحد الوزراء كان عمره ثلاثين عامًا فقط. لم يكن بابكر عوض الله يعمل تحت مسمى النائب الأول للرئيس في حكومة مايو الأولى بل كان يعمل تحت مسمى نائب رئيس مجلس قيادة الثورة وهو السر وراء جلوسه مع أعضاء مجلس قيادة الثورة في الصورة التاريخية التي جمعتهم. بتاريخ «16» ديسمبر «1969م» تمت تسميته نائبًا أولاً للرئيس.. وهو التاريخ المفصلي لظهور المنصب في تاريخ السياسة السودانية.
تلا ذلك أن ظهرت تغييرات جذرية في شكل الدولة ومسمياتها وذلك بعد فشل الانقلاب الشيوعي الدموي في يوليو «1971م» إذ تغير نظام الحكم إلى جمهوري وذلك عبر عمل سياسي كان لا بد له من تشريعات ولوائح تنظمه فكان أن كرس بابكر عوض الله خبرته ليكون بإيعاز من نميري مهندس تلك اللعبة السياسية التي عُرفت بالاستفتاء الشعبي.
وبالفعل ما إن حل يوم «12» أكتوبر «1971م» حتى كان قرار حل مجلس قيادة الثورة وتسمية بابكر عوض الله نائبًا أولاً للرئيس للمرة الثانية خلال ثلاث سنوات من عمر ستة عشر عامًا.
ختام أيامه بالمنصب ظلت كواحدة من ضمن أسرار السياسة السودانية رغمًا عن تسريبات صرح بها بعض معاصري تلك الأيام. وهي قضية مازالت تنتظر الإطلاق الكشفي لها.
بعد تركه العمل في منصب النائب الأول للرئيس في «1972م» ظل الأستاذ بابكر عوض الله ما بين عمله كمستشار قانوني ورحلات متعددة لعدد من دول العالم كان أغلب هذه الزيارات لمصر وبريطانيا.
محمد الباقر أحمد تميزت شخصيته بالصرامة والحزم وقوة الشخصية وهو ما جعله أحد العسكريين الذين يُعتمد عليهم كثيرًا في قضايا التخطيط العسكري والإدارة وهيئة أركان الجيش. انتمى اللواء محمد الباقر إلى الرعيل الأول من خريجي الكلية الحربية في فترة الخمسينيات والذين كان لهم شرف معاصرة سودنة الجيش السوداني وذلك لتخرجه في الكلية الحربية في العام «1951م» ضمن أفراد الدفعة الأولى. ولما كان من البديهي لمنفذ انقلاب عسكري أن يحيل الذين يتقدمونه فقد كان للباقر نفس المصير إذ أحيل للتقاعد بعد مايو «1969م». وذلك بسبب انتمائه للدفعة الأولى التي تخرجت في فبراير «1951م» بينما انتمى نميري للدفعة الثالثة التي تخرجت في فبراير «1953م». حين اشتداد حالة الشد والجذب ما بين النظام الرئاسي ومؤسسة الوزراء الهلامية المسماة بمجلس الوزراء وفي أيام غلب عليها طابع الاستقطاب الحاد لجانبي الحكومة والمعارضة التي كانت تنشط داخليًا فقد توصل نميري لقناعة شخصية مفادها الاستعانة بقدر كبير من الضباط أصحاب الرتب المتقدمة على الرئيس نميري نفسه، فكان أن أعاد للعمل كلاً من الضباط بشير محمد علي، وعوض خلف الله والباقر.أولى مهام اللواء الباقر كانت وزارة الدفاع التي عمل بها وفق خطة صرح عدد من ضباط الجيش بأنها كانت لتطوير قدرات الجيش والارتقاء به. زاد اقتناع النميري بشخص اللواء الباقر فكان أن عينه رئيسًا لهيئة أركان الجيش ثم وزيراً للداخلية. شكل وجود اللواء الباقر في المناصب التي تقلدها سيرًا متصلاً للإنجازات ومتابعة المهام ذات الصلة بمنصبه وهو السبب في تسميته نائبًا أولاً للرئيس. تقول دقائق تحركاته العملية داخل المنصب إنه لو لم يقم بالدور الذي اضطلع به للتقريب بين قادة التمرد والحكومة لفشلت محاولات سلام أديس أبابا، وشهد بذلك رحلاته الماكوكية بين عدد من العواصم الإفريقية والأوروبية لإنجاح ذلك المسعى. زواج الباقر مابين منصب نائب الرئيس ورئيس مجلس الأمن القومي. وهو السبب الرئيسي في إقامته الدائمة بمكتبه كما يقول عددٌ من الذين عملوا معه.
منتهى أيامه بمنصب النائب الأول للرئيس كان حين التقارب السياسي عام «1977م» بين النميري وقادة الأحزاب المعارضة فيما عُرف بالمصالحة التي جعلت المعارضة تعيش فترة زواج مصلحة لم يدم كثيرًا. ففي مفاجأة لم تكن متوقعة بل كانت مدهشة للغاية تقدم اللواء الباقر باستقالته من جميع مناصبه. أكبر الرئيس النميري هذه الاستقالة فظل في ود وتواصل معه. بل احترام لشخصه المحترم. ليظل اللواء الباقر بعدها بعيداً عن أضواء الإعلام كما العهد به أيام عمله وزيرًا للدفاع ورئيساً لهيئة الأركان ونائبًا للرئيس حتى توفي في صيف العام «1992م».
أبوالقاسم محمد إبراهيم منذ اليوم الأول لحكومة مايو وحتى صبيحة السادس من أبريل للعام «1985م» يوم إسدال الستار على مسرحية نظام مايو الذي استمر ستة عشر عامًا، ظل أبو القاسم محمد إبراهيم أكثر أعضاء مجلس قيادة ثورة مايو وجودًا داخل تشكيلات عديدة داخل الحكومة. فمن وزير للداخلية إلى وزير للصحة ومن ثم وزير للزراعة، وأمين لتنظيمات العمل بالاتحاد الاشتراكي السوداني ومن ثم الأمين العام للاتحاد الاشتراكي السوداني. وأخيرًا نائبًا أولاً للرئيس. ستة مناصب كانت حصيلته من سنوات ثمانٍ وهي الفترة من مايو «1969م» حتى أغسطس «1977»، مع احتفاظه بمنصب الأمين العام للاتحاد الاشتراكي السوداني أثناء توليه منصب النائب الأول للرئيس.وهو كذلك عضو مجلس قيادة ثورة مايو الوحيد الذي تقلب وتقلد عددًا من المناصب مقارنة بالآخرين من أعضاء المجلس. في مساء يوم «29» أغسطس س1978م»، وبعد قرار لم يبلغ عدد كلماته الست والعشرين كلمة أُعفي أبو القاسم محمد إبراهيم في بيان للرئيس لم يعلم به المواطنون في تلك الليلة الممطرة.
عبد الماجد حامد خليل شكل إعجاب النميري بعبد الماجد حامد خليل الباعث الأساسي لاختياره نائبًا أولاً للرئيس بعد أن كان يشغل منصب وزير الدفاع ومن ثم القائد العام للجيش. أتى اختيار عبد الماجد حامد خليل لمنصب النائب الأول للرئيس بوصفه أقرب الشخصيات التي من الممكن أن تكون ذات فهم للمنصب. وذلك لشخصيته القوية زائدًا نجاحه في منصبي وزير الدفاع والقائد العام للجيش. لكن سرعان ما شاب العلاقة بين الرجلين الرئيس ونائبه توجس بل وصلت العلاقة للحد الذي أعفى فيه الرئيس نائبه الأول بعد اجتماع القيادة العامة الذي كان حضورًا فيه عدد من الضباط مع الرئيس نميري وبحضور نائبه. عمر محمد الطيب أتى اختيار عمر محمد الطيب لذات المنصب بعد نجاحه في تأسيس جهاز أمن الدولة وإشرافه شخصيًا على اختيار الضباط وتأهيلهم ومتابعة العمل الأمني بل والبقاء بمكتبه برئاسة جهاز أمن الدولة حتى صار واحدًا من أقوى أجهزة الأمن في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء.منذ تاريخ 20 يناير «1981م» حتى صبيحة السادس من أبريل من العام «1985م» ظل عمر محمد الطيب أحد المقربين من الرئيس نميري للملفات التي كانت بيده وعمله الدائم والدائب في إدارة العمل الأمني مع تصريفه لشؤون الرئاسة في غياب الرئيس وهي فترات أسفار الرئيس التي بلغت اثنتين وثلاثين رحلة داخلية وخارجية. جمع عمر محمد الطيب بين إدارته لجهاز أمن الدولة ومنصب النائب الأول للرئيس.
الشهيد الفريق الزبير محمد صالح في الثلاثين من يونيو 1989م كانت الإنقاذ قد تسنمت السلطة. فظهر اسم النائب الأول للرئيس بعد غيبة خمس سنوات هي عمر الحكومة الانتقالية وحكومة الديمقراطية الثالثة التي لم يكن بها منصب النائب الأول. لم تكن فترة عمل الشهيد الزبير في منصب النائب الأول ذات طابع يتسم بالهدوء والحراك السياسي الداخلي والخارجي فقط بل كانت فترة عصيبة لشخصه إذ ألقي على عاتقه ملفات كثيرة منها ملف السلام الذي نجح فيه بإقناع قيادات جنوبية بتوقيعه بالخرطوم في أبريل «1997م». في فبراير «1998م» استشهد الفريق الزبير ليكون أول الراحلين ممن تقلدوا المنصب أثناء عملهم تحت مسماه. علي عثمان محمد طه لدراسته القانون بجامعة الخرطوم وانخراطه منذ سنوات باكرة في تنظيم الإخوان المسلمين السبب الرئيس في وصوله الباكر للعمل السياسي القيادي. فمن مجلس الشعب عام «1981م» إلى زعيم للمعارضة في برلمان الديمقراطية الثالثة (1986 ــ 1989م) فمن دائرة الخرطوم الغربية في انتخابات مجلس الشعب في «1981م» إلى عضو برلمان الديمقراطية عن حزب الجبهة الإسلامية القومية عن دائرة وسط الخرطوم. في فبراير من العام «1998م» وبعد استشهاد الفريق الزبير محمد صالح أوكل إليه منصب النائب الأول للرئيس فظل فيه يباشر العمل التنفيذي مع الوزارات. من ضمن مهامه التي سجلها التاريخ لشخصه توليه ملف السلام مع الحركة الشعبية بجنوب السودان. وتوصله للاتفاق في جولات تفاوض مرهقة لعامين اثنين. يبقى الأستاذ علي عثمان محمد طه هو أكثر النواب الذين شغلوا المنصب لفترة هي من فبراير 1998م حتى يوليو 2005م ومن يناير 2011 حتى الآن..صحيفة الإنتباهة
صلاح الدين عبدالحفيظ مالك
ع.ش