لكن أولاً دعونا نسأل عمّن ابتدع في الخبر عبارة «خاصة ولاية نهر النيل» ولماذا خصصت من دون ولايات السودان؟! ثانياً كيف يصوّر إستافورد شكل التعاون بين الشركات الزراعية السودانية ونظيراتها الأمريكية في ظل الحصار الأمريكي الذي يرزح تحته اقتصاد البلاد؟! إن أمريكا ليست دولة معزولة من قبل الدول صاحبة الثروات الصادرة منها إلى الموانئ الأمريكية لذلك يمكنها أن تكون قادرة على أن تجعل الحصار الاقتصادي على البلاد فعالاً.
لكن إلى أي مستوى وبأي كيفية يمكن أن يكون هذا التعاون الزراعي السوداني الأمريكي؟! وهل يمكن أن يكون نافذة في جدار الحصار يمكن أن تمر من خلالها الواردات من الخارج إلى السودان؟! من حيث النتيجة لا فرق بين الدعوة إلى الاستثمار والدعوة إلى التعاون، وربما يكون التعاون أفضل بحكم ارتباط الولايات المتحدة الأمريكية باليهود، فقد تدخل البلاد شركة زراعية يهودية أو على رأسها يهودي متآمر ويكون بذلك لا فرق بين السودان ودولة جنوب السودان من ناحية استضافة الشركات اليهودية سواء إسرائيلية أو أمريكية فكلها داعمة للمشروع الصهيوني الاحتلالي التوسعي.
ورب قائل يقول بأن الفرق هو أن وجود شركات استثمارية أمريكية داخل البلاد يكون أفضل من التعاون بينها وبين شركات سودانية من جنسها التخصصي لأن في ذلك إمكانية تجاوز العقوبات الاقتصادية، لكن السؤال هنا إذا لم يكن في التعاون الذي أشار إليه إستافورد مثل هذا التجاوز فما قيمته وما قيمة مقارنته مع الاستثمار في البلاد؟! إن التطبيع الأمريكي يكون في صالح جانب واشنطن مثل وجود سفارة بمساحة قرية، واستيراد ما تحتاج إليه من السودان كالصمغ العربي السوداني إضافة إلى بعض مطامع إسرائيل في المنطقة العربية الإفريقية.. وهذا ما يشكل التناقض وازدواجية المبادئ في السياسة الخارجية الأمريكية ويعني أنها تقوم على عدم الأخلاق وعدم الأدب. وكأنما واشنطن ترى أن قوتها الضاربة تغنيها عن الأخلاق والأدب، وإنها لن تكترث إليهما إلا حينما تضعف مثلما ضعُفت موسكو من بعد قوة كانت تشكل معها التوازن في القوة الدولية.
بحكم أنه دبلوماسي ورئيس البعثة الدبلوماسية الأمريكية في الخرطوم كان على السفير استافورد أن ينفي الخبر بطريقة لائقة من حيث الخطاب الدبلوماسي لخدمة العلاقات بين البلدين باعتبارها علاقة ندية متكافئة، لكنه قال بأنه «فقط» دعا شركات سودانية للتعاون.
وكأن الدعوة للاستثمار ليست مناسبة. والسؤال هنا لماذا لا يقول السفير لا بأس من الاستثمار وإنه يشجعه لكنه تحدّث عن التعاون؟! إن الذي يمنع الاستثمار يجعل التعاون مجرد خرافة ووهم. وما يمكن أن يناله السودان من خلال الاستثمار لماذا لا يناله من التعاون؟!
لكن حتى التعاون فمع أي الشركات السودانية الزراعية يمكن أن تتعاون الشركات الأمريكية؟! هل المقصود شركات زراعية خاصة أو «مخصخصة» مثلاً؟! ها هي شركة الأقطان يكشف فيها المراجع العام في قضية الأقطان عن قيامها بتبديد مائة وعشرين مليون يورو كانت قرضاً من بنك «آي بي سي». وبالطبع مثل هذه الأخبار من شأنها أن تعكس في الذهن الأمريكي صورة مخيفة جداً، إذ إنه مؤشر قوي جداً لحالات الفساد في البلاد. ويمكن إقناع الرأي العام الأمريكي بأن السودان يشهد فساداً يتضرر منه المواطنون هنا أكثر من العقوبات الاقتصادية. وهنا دعونا نسأل بعضنا بوضوح بغض النظر عن الرأي العام الأمريكي. هل الأسوأ هنا في السودان نتائج العقوبات الاقتصادية أم أرقام الفساد؟!
كم هي أرقام الخسائر المادية الناجمة عن الحصار منذ عام 1997م وكم هي أرقام الفساد التي من نماذجها مائة وعشرين مليون يورو؟!
صحيفة الإنتباهة
ع.ش