ومن يوم 9 يوليو 2005م إلى 30 أغسطس من نفس العام «ثلاثة أسابيع فقط» تقلد المنصب جون قرنق بموجب اتفاقية نيفاشا مع أنه كان في نفس الوقت منفرداً بموجب نفس الاتفاقية بإقليم الجنوب الذي كانت قد أخلت منه حكومة الخرطوم قواتها المختلفة ومؤسسات السلطة المركزية حتى القضاء والمراجعة العامة والجمارك والضرائب ليصبح في الفترة الانتقالية دولة مستقلة غير معلنة في صورة انفصالية استباقية سبقت إجراء استفتاء تقرير المصير. وبعد قرنق حيث كان قد رحل عن الدنيا في طائرة يوغندية رئاسية تحطمت في ظروف غامضة وهو قادم من يوغندا إلى الجنوب وليس إلى الخرطوم بعده تقلد منصب النائب الأول سلفا كير، ليعود بعده إلى الأستاذ علي عثمان محمد طه.. وها هي رياح الأخبار تهب على بعض الصحف حول طلبه الإعفاء من المنصبين في القصر والحزب الحاكم.
لكن ما يميز علي عثمان عن كل من تقلدوا هذا المنصب بهذه التسمية بسبب ظروف مختلفة هو أنه تنازل عنه إلى موقع أقل لدفع بعض استحقاقات حسم قضية الجنوب ثم عاد إليه بعد انفصال الإقليم صاحب أطول قضية أمنية في إفريقيا منذ عام 1955م حيث أحداث مجازر توريت وثلاثة عشر مركزاً حولها إلى عام 2005م حيث تنفيذ الاتفاقية الأخيرة بشأنه التي مهدت لانفصاله بعد أن عجز المتمردون حتى عن احتلال جوبا، لكن طبعاً كانت فاتورة الحرب مكلّفة أكثر من احتلال جوبا والسيطرة على مناطق جوبا حدود عام 1956م. والآن وبعد مرور عامين من عودته إلى منصبه تنشر أخبار اليوم أنه طلب من الرئيس البشير إعفاءه من مواقعه بالحكومة والحزب.
لكن آخر واجب سياسي شرعي على عاتق النائب الأول علي عثمان ينبغي أن يقوم به باعتباره الممثل الأعلى للحركة الإسلامية ومشروعها الإسلامي هو أن يكون قد اقترح أو أن يقترح على الرئيس تعيين أحد كبار أعضاء الحركة الإسلامية في موقعه بعد مغادرته له ويكون هو الأنسب مثل الدكتور الحاج آدم يوسف إذ إنه سلاح ذو حدين فهو عضو عظيم بالحركة الإسلامية متدين جداً وصاحب ورع محسوب، ومن إقليم بحجم دولة فرنسا وتعداده السكاني الثاني بعد ولاية الخرطوم وهو إقليم دارفور بولاياته الخمس وبقبائله العديدة وبوضعيته الأمنية وأشياء أخرى.
وإذا كان الأستاذ علي عثمان قد تنازل عن منصبه لجون قرنق كعربون للسلام والوحدة، فقد انفصل الجنوب رغم ذلك، لكن ليست في دارفور مشكلة وحدة وإنما مشكلة أمن واستقرار وإن كانت تمضي في انحسار وتقول بعض المؤشرات إنها إلى زوال.
ما يميز علي عثمان عمَّن سبقوه في هذا المنصب باستثناء الرشيد الطاهر بكر هو أنه كادر تنظيم ذكي وصاحب أفق سياسي قل مثله في تاريخ السودان السياسي، ولن يكون مثل الحاج آدم يوسف مثلاً أقل منه من حيث الذكاء السياسي وسعة الأفق. ولن يتأثر الرئيس البشير إذا كان مثل الدكتور الحاج آدم يوسف صاحب الدين والخلق بديلاً للأستاذ والرجل الخلوق صاحب اللسان العفيف علي عثمان.
المهم في الأمر هو أن سُنة الحياة تنطبق على أي مخلوق إذا كان صاحب سلطة أو جاه أو مال أو عمر طويل، ففي نهاية المطاف ليس في الأسواق أعمار للبيع، فكل نفس ذائقة الموت، لذلك ما جاءت به الحركة الإسلامية إلى السلطة بثمن سياسي باهظ هو الانقلاب على الديمقراطية الذي جاء على حساب سمعتها السياسية في سبيل دين الله ينبغي أن تستعيض عن شخصية مثل علي عثمان فهماً وديناً بمثله من أصحاب الورع المحسوب في الحركة الإسلامية، لتمضي مسيرة تطبيق الشريعة بدعاة الشريعة التي تشهد ليبيا الآن تطبيقها وجاء الإسلام غريباً وسيعود غريباً وطوبى للغرباء.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش