أما ما هو غير طبيعي هو أن تحارب دعوة الإصلاح، ودائماً ما تجد دعوات الإصلاح مقاومة شرسة كان الأنبياء والرسل هم أول من ووجهوا بالمعارضة بل بالنفي والتعذيب والطرد، إنها حرب الفساد ضد الإصلاح!!
مراكز القوى وأصحاب المنفعة هم من يفسدون ورفضهم لأي صوت إصلاح يقول كما قال مناهضو الإصلاح للإنبياء.. إنما نحن مصلحون!!
ومربط الفرس في «إنما نحن مصلحون» هذه.. إذن ما يدور من فساد وإيكال للأمر لغير أهله حسبما يقولون هو الإصلاح، ومن هنا تبدأ المأساة التي تتجسد في إنكار الفشل بل وتحويره إلى نجاح وإنجاز!!
ربع قرن من الزمان تم إنكار الفشل فيه تماماً.. أما الفشل الذي لا يستطيعون إنكاره فإن هناك شماعة جاهزة لتعليقه عليها.. الحصار!!
فالحصار لم يأتنا بالتقاوي الفاسدة، ولم يمنع الزراعة في مشروع الجزيرة ولم يوقف السكة حديد ويبيع أراضيها ويدمر خطوطها وهي وسيلة النقل الإستراتيجية مدنياً وعسكرياً.. الحصار لم يمنع حفر وحصاد المياه في دارفور، وأزمة المياه كانت السبب الرئيس لاندلاع الأزمة في دارفور، بسبب المياه تحولت الأزمة إلى أزمة أمنية ثم تطورت فأصبحت أزمة سياسة وجد الغرب الذي نحيل إخفاقاتنا وفشلنا إليه.. وجد ذلك الغرب الفرصة في التدخل بعد أن تطورت أزمة دارفور إلى سياسية وألزم السودان بإدخال القوات الأجنبية، فصارت دارفور تحت الوصاية الدولية!!
وفشل النظام وإخفاقه يتجلى في عدم قدرته على استغلال الموارد الغنية التي تزخر بها بلادنا، واليوم المفهوم السائد في العالم، إن من لا يستطيع استغلال موارده فإن هناك من يستطيع وهذا يعطي نفسه الحق بحجة أن العالم يحتاج لهذه الموارد!!
نلوم الغرب ونعلق على شماعته فشلنا وإخفاقنا، ولكننا قبلنا ما قدمه لنا من اتفاقيات وضع لها السيناريو والصياغة ووقعناها تحت الضغط ودون أن ندرسها ونكتشف السم الذي دس لنا في دسمها!!
السياسية الداخلية في السودان تكيل الاتهام لأمريكا وتعزو كل إخفاقات النظام إلى أمريكا بينما الرأس الدبلوماسي للخارجية السودانية يلهج بالشكر والعرفان لأمريكا، أي فشل وإخفاق أكثر من هذا حين تناقض السياسة الخارجية سياسة الدولة الداخلية في حين أنها إنما انعكاس لها، فالسياسة الخارجية هي ممثل الداخل في الخارج لا نقيضه!!
من أسباب الفشل والإخفاق هو أن لا أحد يتحمل مسؤولية ما فعل ولا أحد يُسأل عما يفعل ولا عجب أن تترى الإخفاقات زرافات ووحداناً فلا أحد يسأل عنها وعدم تحمل مسؤولية الفشل والإخفاق هو ما جعل الفشل السمة الظاهرة والفساد يستشري ويسري في جسد الدولة سريان خبيث الأمراض!!
أكبر سوءات النظام هو عدم الاعتراف بالأخطاء التي لا يمكن تعليقها على شماعة الغرب المتآمر علينا، وأسوأ ما في الأمر ألا يعترف المرء بخطئه.
إن أول أمر سماوي نزل على سيد الخلق عليه الصلاة والسلام كان «اقرأ» هذا الأمر السماوي تحول بمفهوم النظام إلى «اضرب»
إن الله علم الإنسان ما لم يعلم «بالقلم» وليس بالبندقية ولا القبضة الأمنية وبهذا انتفى دور القلم، الذي استبدل بالبندقية وذهب الأمر السماوي «اقرأ» بعد أن حل مكانه أمر آخر «اضرب»!!
وما قدمت البندقية والقبضة الأمنية يوماً حلاً لأزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية، فالبندية والقبضة الأمنية لا تراعي كل هذه القيم التي يقوم عليها أي مجتمع سليم!!
مستقبل السودان ضبابي وسيكون أكثر إظلاماً إذا اصطدمت الفصائل المسلحة مع النظام حيث تعم الفوضى والقتل على الهوية لينهار مشروع دولة لم يكتمل منذ ستة عقود وأكثر!!
على النظام إدراك وفهم حقيقة أن دوام الحال من المحال، فهو إن تنصل من مسؤوليته عن الأمة في الدنيا، فلن يستطيع التنصل منها في الآخرة، وكذلك أحزاب المومياء وتحضير الأرواح بما فيها المؤتمر الوطني!!
وهذا الوضع أحدث شللاً فكرياً في كل من نظام الحكم ومعارضته والشباب أصبح بلا قيادة وبلا هدف وبدأ يتوارى عن الأنظار، فالوضع الاقتصادي، والعطالة واهتزاز الفكر لديه هي من الأسباب التي جعلته محايداً، وأرجو ألا يستكين النظام لوضع الشباب هذا، وعلينا ألّا نطمئن لوضع الشباب هذا بل على العكس علينا أن نتوقع ثورة أو ثورات أشد عنفاً ودموية.. من يبرأ من ذنب الوطن حينها؟!!
صحيفة الإنتباهة
ع.ش