ولكي تتوافر فرص لتنفيذ المشروع الإسلامي الأخلاقي والقانوني وفق الضوابط الشرعية أو بعضها وهو طبعاً حلم الحركات والجماعات الإسلامية لا بد من الاهتمام بالجانب المعيشي، لكن المؤسف طبعاً أن الأوضاع المعيشية تتأثر بشدة بسبب فواتير الحرب، فما كان أولى به النظام الخدمي يذهب لدعم الدفاع عن البلاد ومواطنيها ومؤسساتها، والمؤسف أكثر أن قضية الجنوب التي كان الأمل معقودًا في حلها ولو من خلال التنازل عن بعض فقرات مشروع استئناف الحياة الإسلامية الذي بدأ العمل فيه بانقلاب «30» يونيو «1989م» المؤسف أكثر أن تلك القضية قد تولدت منها قضية أمنية معقدة في غرب البلاد، وصارت للقضية الأم بعد فصل الجنوب ذيول في جنوب كردفان والنيل الأزرق. كل هذه التحديات قد حاصرت تنفيذ مشروع الحياة الإسلامية بصورة لم تتعرض لها الدولة المهدية صاحبة مشروع استئناف الحياة الإسلامية الأول في السودان قبل حملة مجرم الحرب وكبير مجرمي الحرب كتشنر. فالآن حتى حفيد الإمام محمد أحمد المهدي يتحدّث عن الدولة المدنية.
بعد ربع قرن من الزمان وغازي صلاح الدين يعلن حركة الإصلاح «الآن» والرئيس يودع آخر تشكيلة لمجلس الوزراء ما قتلت ذبابة، والسيد الصادق المهدي في مناخ الملتقى الاقتصادي الذي رفض دعوة المشاركة فيه يتحدث في رسالته المفتوحة إلى رئيس الملتقى السيسي عن أرقام أموال عامة أُهدرت خلال ربع القرن الأخير، بعد كل هذا حق علينا أن نقارن بين حريات مع اقتصاد ندرة وحرب وبين قلة حريات مع غلاء أسعار وحرب. وإذا اختصرنا على طريقة الرياضيات، فإن الحرب مشتركة في العهدين «الصادق والبشير» والمعيشة الضنكة كذلك، إلا أن هناك حريات وهنا قلة حريات. إذن تبقى المعركة معركة حريات. حيث لا يمكن أن تكون بعد ربع قرن من الزمان ثمناً لعلاجات أمنية واقتصادية هي الآن مثلما كانت قبل ربع القرن.. وإذا كان د. غازي صلاح الدين يسمي تنظيمه أو منبره الجديد حركة الإصلاح الآن، فهل يقصد إصلاح الأمن أم الاقتصاد أم الحريات أم كل ما سبق ذكره.. إن الحريات في السودان أصبحت مثل الحسناء «ريرة» في مسرحية ريرة التي كان بطلها الفنان والممثل صلاح بن البادية، وأصبح حال المواطن السوداني مثل حال أوشيك في المسرحية التي يردد فيها بطلها صلاح ابن البادية قائلاً:
وهداك أوشيك راقد في سرير
دا شيخ حيران وقلبه كبير
ولعلاجه يهم من غير تقدير
لو حتى دواو في لبن الطير
موضوعنا اتعقد وحله عسير
وريرة عريسها من حا يصير
صحيفة الإنتباهة
ع.ش