خالد حسن كسلا : بعد ربع قرن .. الإصلاح و«ريرة»

[JUSTIFY]إعلان حزب حركة الإصلاح الآن، ووداع أعضاء مجلس الوزراء وقبل هذا وذاك رسالة السيد الصادق المهدي المفتوحة إلى رئيس الملتقى الاقتصادي الذي انعقد أخيراً عقب دخول البلاد في أزمة اقتصادية حادة لكن دون مستوى اقتصاد الندرة والعدم وهي الحالة التي بعدها ما بعدها. ونعلم ويعلم غيرنا أن بعدها في عام «1989م» كان التغيير. كان تحرك «30» يونيو «1989م» بقيادة عمر البشير.. وكان على خلفية ظروف اقتصادية قاسية، وكان من الطبيعي أن يجد التغيير ولو ضد حكم ديمقراطي منتخب، لأن الإحساس بالجوع والشعور بخيبة الأمل يطغيان على الحسرة على غياب الحريات، فلم يكن في عهد الديمقراطية الثالثة ما يسر ويسعد غير الحريات، ولا يمكن أن تصبح موائد للمواطنين طبعاً ولا قيمة لها بلا أمن ولا استقرار بلا وضع معيشي جيد تتوفر فيه لقيمات يقمن صلب المواطن. لذلك ذهبت الحريات ثمناً لتحسن الأمن والاقتصاد. لكن هل وجد المواطن نفسه بعد ربع قرن من الزمان في واقع يعبر عنه المثل الشعبي القائل «ميتة وخراب ديار»؟! أي أن أهل البيت بعد أن فقدوا عزيزاً فكانت مأساتهم قد امتدت إلى الديار فخربتها. فلم تكن فاجعة الموت فقط بل معها خراب الديار. إن في «30» يونيو «1989م» كان صوت الإصلاح «وقتها» أهم من الحريات السياسية والدعوية، وكان المفهوم لقليل من الشعب أن التغيير لم يكن للرزق لأن الرازق هو الله ويرزق من يشاء في ظل نظام ديمقراطي أو شمولي أو ملكي أو أميري أو إسلامي أو علماني. ولا ننسى أن في عهد سيدنا عمر بن الخطاب مرت دولة المسلمين خاصة في عاصمتها المدينة المنورة بضائقة معيشية في عام الرمادة في حين أن بلاد الكفر والشرك كانت تنعم بالطيبات. وإنما فهموا أن التغيير كان لاستئناف الحياة الإسلامية في السودان مثلما كانت في العالم الإسلامي قبل الاحتلال الأوربي أو أفضل.. أي أنه مشروع كنس آثار الاستعمار الغربي الثقافية والأخلاقية والحضارية والإبقاء على ما ينفع الناس مثل مؤسسات التعليم والاستشفاء والخدمة المدنية وليس معها الخدمة العسكرية.

ولكي تتوافر فرص لتنفيذ المشروع الإسلامي الأخلاقي والقانوني وفق الضوابط الشرعية أو بعضها وهو طبعاً حلم الحركات والجماعات الإسلامية لا بد من الاهتمام بالجانب المعيشي، لكن المؤسف طبعاً أن الأوضاع المعيشية تتأثر بشدة بسبب فواتير الحرب، فما كان أولى به النظام الخدمي يذهب لدعم الدفاع عن البلاد ومواطنيها ومؤسساتها، والمؤسف أكثر أن قضية الجنوب التي كان الأمل معقودًا في حلها ولو من خلال التنازل عن بعض فقرات مشروع استئناف الحياة الإسلامية الذي بدأ العمل فيه بانقلاب «30» يونيو «1989م» المؤسف أكثر أن تلك القضية قد تولدت منها قضية أمنية معقدة في غرب البلاد، وصارت للقضية الأم بعد فصل الجنوب ذيول في جنوب كردفان والنيل الأزرق. كل هذه التحديات قد حاصرت تنفيذ مشروع الحياة الإسلامية بصورة لم تتعرض لها الدولة المهدية صاحبة مشروع استئناف الحياة الإسلامية الأول في السودان قبل حملة مجرم الحرب وكبير مجرمي الحرب كتشنر. فالآن حتى حفيد الإمام محمد أحمد المهدي يتحدّث عن الدولة المدنية.

بعد ربع قرن من الزمان وغازي صلاح الدين يعلن حركة الإصلاح «الآن» والرئيس يودع آخر تشكيلة لمجلس الوزراء ما قتلت ذبابة، والسيد الصادق المهدي في مناخ الملتقى الاقتصادي الذي رفض دعوة المشاركة فيه يتحدث في رسالته المفتوحة إلى رئيس الملتقى السيسي عن أرقام أموال عامة أُهدرت خلال ربع القرن الأخير، بعد كل هذا حق علينا أن نقارن بين حريات مع اقتصاد ندرة وحرب وبين قلة حريات مع غلاء أسعار وحرب. وإذا اختصرنا على طريقة الرياضيات، فإن الحرب مشتركة في العهدين «الصادق والبشير» والمعيشة الضنكة كذلك، إلا أن هناك حريات وهنا قلة حريات. إذن تبقى المعركة معركة حريات. حيث لا يمكن أن تكون بعد ربع قرن من الزمان ثمناً لعلاجات أمنية واقتصادية هي الآن مثلما كانت قبل ربع القرن.. وإذا كان د. غازي صلاح الدين يسمي تنظيمه أو منبره الجديد حركة الإصلاح الآن، فهل يقصد إصلاح الأمن أم الاقتصاد أم الحريات أم كل ما سبق ذكره.. إن الحريات في السودان أصبحت مثل الحسناء «ريرة» في مسرحية ريرة التي كان بطلها الفنان والممثل صلاح بن البادية، وأصبح حال المواطن السوداني مثل حال أوشيك في المسرحية التي يردد فيها بطلها صلاح ابن البادية قائلاً:

وهداك أوشيك راقد في سرير
دا شيخ حيران وقلبه كبير
ولعلاجه يهم من غير تقدير
لو حتى دواو في لبن الطير
موضوعنا اتعقد وحله عسير
وريرة عريسها من حا يصير

صحيفة الإنتباهة
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version