** وكاد المبنى الكائن بأمدرمان والمسمى – مجازاً – بالبرلمان أن يلعب دور ذاك المستشار السوفيتي الماكر في قضية رفع الدعم عن الوقود، ولكن وزير المالية أفسد خطته وجرده حتى من حق التمثيل وخداع الناس..ورغم بؤس الزيادة ورفض الشارع لها، إلا هناك ثمة إشادة يجب أن نرسلها لوزير المالية بلسان حال قائل ( أحسنت تجاهلهم، بيستاهلو)..ثم رب ضارة نافعة، ودائما ما يشتعل الحريق بعود ثقاب..لقد توقع نواب البرلمان بأن يأتيهم وزير المالية يوم الخميس بمقترح رفع الدعم عن الوقود، ليقبلوه أو يرفضوه..إنتظروا هذا اليوم بفارق الصبر، بحيث يتراءوا أمام الشعب بأنهم رحماء على الفقراء وأشداء على وزير المالية، أو هكذا كان حلم الفاتح عز الدين وبعض النواب، وأحلامهم موثقة في صحف الأسبوع الفائت..ولكن فأجاهم وزير المالية بالزيادة مساء الأربعاء الفائت، وهكذا هو دائما (شايت ضفاري)، ولايؤمن باللعب الجماعي، ولم يكن مدهشاً بأن يباغت أحلام نواب البرلمان قبل يوم من موعد تقديمه للمقترح..!!
** ومن المواجع، كنت بشارع الستين مساء يوم الزيادة، ولاحظت إزدحام إحدى المحطات بالعربات، فوقفت وتوجهت الى حيث العامل سائلا ( خلاص جابو ليكم المنشور؟)، وعندما أجاب بالتأكيد، أتصلت بأحد النواب، وكان قد خصني بمعلومة مفادها بأن الزيادة لن تتجاوز جنيهاً ونصفها، فهاتفته ( يازول الزيادة خمسة، انت موش قلت لي واحد ونص؟، ثم ثانيا انتو أجزتوها متين؟)، فزجرني متهمكاً 🙁 زيادة شنو يا ود ساتى؟، قول بسم الله، ياخ انت زول عارف الدستور والقانون، لسة ما جابو لينا الموضوع ده )، وعندها لم اتمالك نفسي من الضحك الساخر مؤكداً : (يجيبو ليك شنو يا شيخنا؟، جابو هنا في الطرمبة، الزيادة خمسة وقوم تعال لو ما مصدقني)، وأغلق الهاتف بعد أن همهم بنص فحواه : ( كدي دقيقة اشوف الحاصل وارجع ليك)..ولم يرجع الى يومنا هذا، وبالتأكيد (أمبارح شاف الحاصل)..عفوا،(لسة ما حصل شئ)، وما يحدث منذ البارحة محض مناظر، والفيلم قادم، وتلك المشاهد ليست غضبة جياع كما يتوهم البعض، بل هي غضبة لما هي أغلى من الطعام، فالسوداني ليس من النوع الذي يعيش ليأكل فقط كما الأنعام، بل يعيش ليحيا وطنه عزيزاً ، والأرض حبلى بالذين يحبون وطنهم بلا شروط أومقابل، منصباً وزارياً أو مقعدا برلمانياً بلا سلطات..!!
** المهم، ماحدث لايحدث إلا في السودان، فالنائب البرلماني – في أي زمان وأي مكان – شمولياً كان نظام الحكم أو ديمقراطياً، لايتفاجأ بقرار كهذا كأي مواطن..والمدهش ليس عنصر المفاجأة فحسب، بل إقرأ هذا التبرير الفطير.. ( وزير المالية برئ من تهمة تجاوز البرلمان، وأنا بتحمل المسؤولية، أنا قعدت معاهو في اجتماع خاص وقررنا الزيادة)، أوهكذا يبرر أحمد ابراهيم الطاهر لوزير المالية..تبريره أفدح من ذنب وزير المالية، إن كان سيادته يعرف (أبجديات القانون)..ولك أن تتخيل يا صديق : يجتمع رئيس البرلمان بوزير المالية في اجتماع خاص ويوافق على رفع الدعم عن الوقود، ثم لاحقاً يبصم النواب على موافقة الإجتماع الخاص..يبصمون على موافقة رئيسهم وكأن الدنيا تمر ب(أزمة كرامة)، وهكذا دنياهم طبعاً..وهكذا حال الحكم في السودان، وليس حالا شمولياً، إذ في هذا الوصف إساءة للشمولية..لذلك، ليس في الأمرعجب بأن ننحدر إقتصادياً، فهذا الإنحدار محض فرع من ( أصل الأزمة)..!!
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]