غداة انسلاخ قيادي بارز بأحد الأحزاب التقليدية العريقة وانضمامه إلى حزب الحكومة، استوضحتُ أحد زملائه عن الأمر فضحك ضحكة مجلجة ثم قال لي: فلان عضو أصيل في الحزب ولن يُبدل تأريخه مهما حصل، ونحن نثق في عودته للحزب بانتهاء الأسباب التي دفعته لهذا التصرف «الذكي» الذي نتفهمه جيدًا، وزاد: «هذه يا أخي درقة حماية مؤقتة، ونحن لن نقف ضد حماية مصالحه» ..!!!
كان تشرشل في يوم من الأيام في صحبة أحد أركان حربه مارًا بجوار مقبرة مكتوب عليها هنا يرقد الرجل الصادق والسياسي الأعظم، ضحك تشرشل فسأله أحد مرافقيه عن سبب ضحكه، فرد تشرشل قائلاً: أول مرة أرى مقبرة بها اثنان، فقال له المرافق: إنها شخصية واحدة قال تشرشل لا أظنه صادقًا طالما هو سياسي..
صحيح أن السياسة هي فن الممكن وهي بالضرورة تُعنى بدفع الضرر وجلب المصلحة وتحقيق المكاسب بأقل الخسائر، ولكن الصحيح بدرجة أكبر هو دفع الضرر عن الشعوب وليس أعضاء الحزب فقط والمنتمين سياسيًا إلى حزب الحكومة، وجلب المصلحة العامة وليس المصلحة الخاصة، وتحقيق المكاسب الوطنية وليست المكاسب الشخصية..
وعلى قول تشرشل «ليس هناك سياسي صادق»… قد يكون هناك رجل صادق قادته الأقدار أن يلج بوابة السياسة فأمامه خياران لا ثالث لهما فإما أن يترك فضيلة الصدق كليًا أوجزئيًا أو أن يواجه مُؤامرات زملائه «السياسيين» وكيدهم وخبثهم من أجل إقصائه وإبعاده تمامًا من دائرة الفعل السياسي حتى «يتمكنوا» من وضعه على الرف وإحكام العزلة عليه، وعندها لم يكن أمامه إلا الخروج من الحزب أو الركون إلى واقع العزلة..
أخي القارئ الكريم إن مناسبة هذه «الجدعات» لا يخفى عليك أن موسم الانتخابات والكذب الصراح قد اقترب تمامًا، فلتكن هذه الكلمات هي بمثابة مصل واقٍ أو جرعة تنشيطية تعزز حصانتك ضد الكذب والنفاق، وتقوي جهاز المناعة عندك ضد الفهلوة السياسية حتى لا يصاب مواطن بـ «صدمة» الإحباط بعد ارتفاع سقوفات العشم في العيش الكريم…
لا تندهش أخي المواطن، أختي المواطنة عندما تسمع «الحكومة» تقول نحنا جينا من أجل تحقيق الرخاء للمواطن وإخماد نار الغلاء ورفع مستوى المعيشة للفقراء، ثم تراها في واقع الحال تشعل نار الأسعار وتخمد جذوات الهمم، وترفع مستوى عيش الأغنياء، أو لم يكن الهوت دوغ، والبيتزا دليلاً على رفع مستوى المعيشة في بلاد مازال صبيةٌ فيها يقتاتون بقايا القمامات فهي لا تخلو أيضًا من فضلات البيتزا.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش