في جلسة البرلمان بالأربعاء الماضي ولدى تقديم وزير الخارجية علي كرتي لخطابه بالمجلس تساءل النواب عن سر فتور وتوتر العلاقات بين البلاد ودول الخليج إلا أن كرتي رفض الخوض في تفاصيل هذه العلاقة عبر جلسة مفتوحة يشهدها الإعلاميون وقدم مقترحًا بعقد جلسة مغلقة وسرية بحضور كل الأطراف ذات الصلة بالملف في البلاد، وعلل موقفه هذا بقوله «هذه الأمور حساسة ولا يمكن البوح بها أمام الإعلام».
يبدو أنه وعقب مرور قرابة ربع قرن من الزمان تتحسس الإنقاذ مواطن أقدامها ومواقفها السياسية، فالعلاقة مع إيران التي تعتبر من مسلمات السياسة الخارجية للخرطوم والتي كلفتها ثمنًا باهظًا قوامه ضعف العلاقات مع دول الخليج وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي التي تضم «المملكة السعودية والإمارات والكويت قطر والبحرين وعمان»، يُذكر أن جوهر الخلاف بين الخليج وإيران مصدره مخاوف الأولى مما تصفه بالسعي الإيراني الحثيث لنشر المذهب الشيعي في البلدان السنية وخاصة الخليج فضلاً عن كونها تسعى لامتلاك السلاح النووي لتعزيز هيمنتها في المنطقة لذا لم يكن غريبًا أن السعودية كانت في مقدمة الدول التي سارعت بالتعليق على الاتفاق الأخير الذي تم بين إيران ودول «خمسة + واحد» حول تخصيب اليورانيوم الإيراني في الأسبوع الفائت، وعمدًا أو صدفة قرن تقرير إخباري في فضائية «بي بي سي» العربية بين تعليق السعودية وإيران الذي أبدى شكوكه حول الاتفاق.
الواقع الماثل الآن يشير إلى قوة العلاقات بين طهران والخرطوم حتى إن تبادل الزيارات على مستوى الرؤساء من الأنباء التي توصف بالعادية فقد زار الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد السودان مرتين أثناء ولايته ومن قبل زار سلفه هاشمي رفسنجاني البلاد كما يزور الرئيس عمر البشير إيران في المؤتمرات التي تقام في طهران أو زيارات في إطار العلاقات الثنائية وتطابق في المواقف السياسية المعلنة حيال قضية فلسطين والعداء المعلن تجاه إسرائيل خاصة عند ممارستها لهوايتها المحببة في حروبها في المنطقة وآخرها الهجوم الوحشي الذي صوَّبته ضد غزة أواخر العام «2008»، ومن قبل حربها مع حزب الله في لبنان عام «2006»
وغني عن القول إن التوجه الإسلامي للخرطوم أحد أسباب فتور علاقاتها مع الخليج الذي يخشى من تصدير ذلك التوجه لبلدانه وامتدت خشيته هذه لمخرجات ثورات الربيع العربي التي أفرزت نظمًا إسلامية منها مصر التي لم يشفع لرئيسها محمد مرسي الذي كانت أولى زياراته للدول العربية التي سارعت لإعلانها بدعم وزير دفاعه عبد الفتاح السيسي الذي أطاح به يوليو الماضي باثني عشر مليار دولاردفعة واحدة «السعودية والكويت والإمارت العربية المتحدة»، ولو عدنا للوراء لوجدنا أن الخليج الذي اصطف مع المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لحرب العراق في «2001» على خلفية احتلاله لدولة الكويت لم يغفر للخرطوم تجاوز موقفهم والاتجاه لمؤازرة العراق، أما آخر الحادثات التي تنبئ عن توتر علاقات الطرفين منع السعودية في أغسطس الماضي لطائرة البشير التي كانت في طريقها لإيران للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإيراني حسن روحاني من المرور عبر أجوائها بحجة عدم استيفاء الإجراءات الخاصة بالعبور. الأسباب السابقة حالت بين الخرطوم وبين مساعدة دول الخليج لها في أزمتها الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها عقب انفصال الجنوب بنفطه في يوليو «2011» باستثناء قطر التي تصدت لقضية دارفور وأشرعت أبوابها للمفاوضات التي تمددت دون كلل أو ملل، وفي الإطار نفسه يُذكر أن وزيري المالية والخارجية علي محمود وعلي كرتي سجلا زيارة غير معلنة للدوحة في منتصف الأسبوع الماضي وفسر المتابعون تلك الزيارة بأنها محاولة لاستقطاب الدعم.
الحيثيات السابقة والتي أوضحت مدى الخسائر التي لحقت بالخرطوم أدت لظهور آراء مغايرة حيال العلاقات بين الخليج وإيران وربما أفرزت عن صدام مكتوم ومعلن بين وزارتي الخارجية والدفاع، ومن ذلك رسو البوارج الحربية الإيرانية في ميناء بورتسودان، كما تفعل من حين لآخر، فقد سبق لمسؤول الدبلوماسية الأول كرتي في مايو الماضي أن صرح بأن وزارته علمت برسو البوراج من وسائل الإعلام، ومعلوم أن رسو مثل تلك البوارج يحتاج لإذن سياسي من الخارجية وإذن آخر من مجلس التنسيق القومي الذي يضم عددًا من الوزرات والجهات السيادية في مقدمتها وزارتا الدفاع والخارجية.
وفي محاولة للموازنة بين كفة الخليج وإيران لدى السودان يشير مصدر في الخارجية، آثر عدم الكشف عن هويته، إلى أن المقارنة بين الطرفين تفيد أن السودان ومنذ أن طور علاقاته مع إيران لم يستفد أي شيء على المستوى الاقتصادي، بل خرج بنتائج عكسية في نواحٍ أخرى، وأضاف المصدر في حديثه لـ «الإنتباهة» أن رؤية الخارجية تصب في خانة الإبقاء علي العلاقات بين الطرفين ولكن بترجيح كفة الخليج على كفة إيران باعتبار أن التطبيع مع الخليج يفيد البلاد اقتصاديًا في وقت هي في أشد الحاجة للدعم المالي والتعاون الاقتصادي الخليجي، كما أن العلاقة مع الخليج لا تنطوي على أي إشكالات أو مخاطر من قبيل تلك التي يجرها توطيد العلاقة مع إيران، ويوضح المصدر أن الوزير كرتي هوالذي تبنى هذه الرؤية عقب مجموعة من الاعتداءات التي تعرضت لها البلاد في هذا العام في الشرق وقلب الخرطوم.
يبقى أن رؤية كرتي لإدارة ملف العلاقة مع الطرفين «الخليج وإيران» الجديدة في ظل توجه سياسي طويل الأجل بلغة المحاسبة تؤيده رئاسة الجمهورية سيجعل مهمتها عسيرة إذا لم تجد تجاوبًا من الرئاسة في هذا الصدد عليه، ربما كان بقاء كرتي في التعديل الوزراي الجديد أو خروجه منه مؤشرًا لموقف الرئاسة من رؤيته تلك أكثر من دعوة التجديد التي تقول بها الحكومة هذه الأيام.
صحيفة الإنتباهة
ندى محمد أحمد