مشوار هنا قريب ٢ـ٢

[ALIGN=CENTER]مشوار هنا قريب ٢ـ٢[/ALIGN] لم تقتصر مشكلة الصغيرتين (عابدة) ثمانية سنوات و(منال) بسنوات عمرها الست، على اللبس وسوء الفهم بين خالتهما (زينب) وكمساري الحافلة، التي اركبتهما فيها بعد أن أوصته بان ينزلهما في محطة شقلبان، فقد كان خط سير الحافلة ينتهي في المحطة الوسطى في ام درمان، ولعله لم يسمعها بسبب هدير محرك الحافلة وربما نسي امرهما تماما، فعندما وصلت الحافلة للمحطتها الاخيرة نزل جميع الركاب ومن ضمنهم الطفلتين .. بل وزادت الامور تعقيدا على (منال) عندما تلفتت في رعب حولها وسط الزحام لتكتشف ان شقيقتها قد اختفت من امام ناظريها، فدخلت في نوبة بكاء وهي تنادي بزعر:
عااااابدة انتي وين؟!
وقبل ان تندفع وسط الزحام للبحث عنها احست بـ (لبعة) قوية على ظهرها، فالتفتت بسرعة لتكتشف انها (عابدة) التي صاحت فيها بغضب:
ها العبيطة دي! مالك بتكوركي؟ .. ما هديني مشيت اشتريت تسالي من سيد التسالي الواقف هناك.
لم تهتم (منال) بـ حرة اللبعة ولم تفكر في عواقب فياقة (عابدة) التي دفعتها لشراء التسالي بما تبقى في ايديهن من الفكة التي اعادها لهن كمساري الحافلة .. لم تهتم بكل ذلك بل اكتفت بالقبض على يد شقيقتها بقوة لتستمد منها الطمأنية، ثم سألتها بعد برهة صمت التقطت فيها انفاسها:
انحنا رحنا يا عابدة .. المكان ده ما شقلبان .. هسي حا نرجع البيت كيف؟
ظلتا في مكانهما لبضعة دقائق انشغلت فيها (عابدة) بـ فرقعة حبيبات التسالي، وظلت (منال) على تشبسها بيد شقيقتها و(التلفّت) حولها في كل الاتجاهات بقلق شديد .. بعد ان تفلت (عابدة) قشر التسالي من فمها سحبت (منال) ورائها وهي تقول:
ورحكي نسأل لينا زول .. عشان يورينا شقلبان بي وين !
اقتربتا في تردد من امرأة ممتلئة تمشي ببطء .. جرتها (عابدة) من طرف التوب لتلفتها، فستدارت المرأة ونظرت خلفها بدهشة لتجد اربعة عيون صغيرة تحدق فيها برجاء .. سألتهن في حنو:
مالكن يا بنات؟
اجابتها (عابدة) بثبات:
عايزنك يا خالتو توصفي لينا محطة شقلبان بي وين.
سألتهن السيدة بدورها في استغراب:
شقلبان وين .. وانحنا وين؟ انتوا المعاكم منو؟ وماشين وين في شقلبان؟
تسابقت الشقيقتان بكل ما فيهما من قلق في شرح مشكلتهما للسيدة، حكن لها في اسهاب عن ذهابهن مع ابيهن لرؤية أمهن ومولودها الجديد في مستشفى السلاح الطبي، حيث تركهن هناك مع خالتهن التي ترافق امهن لحين عودته، ولكن الممرضات اصرن على اخراجهن مما دفع خالتهن لوضعهن في الحافلة المتوجهة لشقلبان ولكن حسب رايهن البريء فان صاحب الحافلة (مشى ليهو حته تانية غير شقلبان) .. لم تقصر السيدة في اغراقهن بسيل من الاسئلة لمعرفة المزيد من التفاصيل قبل ان تجود عليهن بالقول:
ورحكن معاي النوديكن لي حافلات شقلبان .. انا ذاتي ماشة الثورة بالنص .. ما تخافن يا بناتي بجيهكن تب وما بديكن عوجة.
ثم مصمصت شفتيها باشفاق وحسرة وعقبت: الخلا علي امكن الراقدة في اضان طرش.
تشبست كل من الشقيقتين بيد من يدي السيدة وانطلقتا معها وسط الزحام والضجيج حتى وصلوا لصف طويل من الحافلات يقيف على اوله شاب اشعس يصيح (يللا شقلبان .. الثورة بالنص يا) فصعدن مع السيدة ضمن الصاعدين للحافلة واتخذن مجالسن كل على جانب من جنبيها.
قبل ان تنحدر الحافلة شمالا في طريقها للثورة كان جميع ركاب الحافلة قد عرفوا بقصة الطفلتين التي تبرعت بها السيدة للجميع،وصارت مغامرتهما مثار تعليقات وجدل ركاب الحافلة، فمن يستنكر ترك الاطفال ليخرجوا وحدهم دون مرافق، ومن تتبتب على رؤوسهن في حنان وهي تقول: (كر علي يا بنات امي).
نزلت السيدة الكريمة قبل وصول الحافلة لشقلبان، ولكنها اوصت جميع من بالحافلة للعناية بالصغيرتين وايصالهما لمأمنهما، ولذلك عندما وقفت الحافلة في نهاية الطريق بشقلبان رافقهن الكمساري حتى حافة الطريق وتأكد من معرفتهن للطريق عندما اشارن في فرح ولهفة باصابعهن في اتجاة طريق جانبي:
يا هونداك بيتنا .. الهناك داك !
انطلقن مسرعات ودفعن باب الشارع بشدة عند وصولهن للبيت، لتقابلهن عاصفة من التساؤلات الجزعة:
(الجابكم من المستشفى منو؟)

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version