العبرة ليست «كم» شكوى تلقتها الوزارة بشأن الانتهاكات والمظالم والسيئات التي تقترفها أيدي أجهزة الدولة بشكل يومي وبدون مبالاة، هذه قصص محزنة وتراجيديا مؤلمة عايشها الناس «24» عاماً وأصبحت جزءاً من واقعهم البائس.. أن تتلقى الوزارة أو أية جهة مختصة عدداً مهولاً من الشكاوى هذا ليس جوهر القضية، ولكن المهم هو «كم» شكوى وصلت المحاكم وفصلت فيها؟ وهل اقتصت للمواطن المسحوق بما يرضي الله والمواطن المضطهد؟ وهل أقامت الدولة العدل على النحو المطلوب وبدون أية ظلال سياسية؟ ومن هم الضباط أو الموظفون الذين اقتصت منهم الوزارة لصالح مواطن غلبان بلا سند ولا ظهر؟ إذا حدث ذلك حينها حُق لوزارة العدل أن تتباهى وتفتخر و «تخلف رجلاً على رجل» وتقول أنا فعلت كذا واقتصصت من أجهزة الدولة لصالح المواطن الأشعث الأغبر، وقتها سنحترم دولتنا وكل مؤسساتها.
وما أسهل أن تستقبل وزارة العدل شكاوى المواطنين بالأطنان، وما أيسر وضع هذه الشكاوى على الأدراج والدواليب سنين عدداً وقد ران عليها الغبار وأصبحت نسياً منسياً، ولكن ما أصعب الفصل في هذه الشكاوى بالقسط والعدل بعيداً عن مؤثرات النفوذ السلطوي والظلال السياسية، لذلك لن نُلقي بالاً لاستقبال الوزارة لهذه الشكاوى، ولكن ما يهمنا هو الفصل بالحق وتطبيق العدالة على النحو الذي أمر به خالق الكون العدل قاصم الجبّارين العالين في الأرض، جلّ القائل: «ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى»، «قل أمر ربي بالقسط»، «وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى»، «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين أو الأقربين».
هناك متاريس كثيرة تحول دون تحقيق العدالة، وهناك قلاع محصنة يقتل أهلُها القتيل ويمشون في جنازته ويتباكون عليه بدموع التماسيح، هذه المتاريس شكلت حواجز ضخمة ووسعت هوة عدم الثقة في بعض الأجهزة المختصة، فأصبح الباحث عن العدالة «المثال» كالباحث عن «إبرة» في رمال طريق الإنقاذ الغربي، لذلك يحجم الكثيرون عن توصيل شكواهم.
وفي خلاصة القول نشير إلى أن «الحصانات» هذه البدعة التي لا تعرفها دولة العدالة هي أس البلاء، وهي الجسر الذي يسمح بمرور كل المياه الآسنة، ولعل هذه هي المشكلة التي ظلت ومازالت تؤرق الحادبين على إقامة العدل بين الناس.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش