في العام «2004» نظمنا مناظرة لصالح صحيفة الشارع السياسي بوصفي مدير تحريرها وكان معي الزميل مصطفى سيد مبارك بين الطيب مصطفى صاحب الدعوة للانفصال والحاج وراق صاحب الدعوة للوحدة، قبل بدء المناظرة كان أحد «الإخوة» يحدثني عن مزايا الانفصال وأنه الخيار الأفضل، ولكن المفاجأة ألجمتني عندما أخذ فرصة التعقيب فحدَّث الحضور بخلاف ما قاله لي تمامًا، وما أدهشني أكثر أنه لم «يخجل مني»، وقبل ذلك كان أحد القيادات الإعلامية اللامعة المحسوبة على الحكومة يحدِّثنا عن صواب أفكار الطيب مصطفى، وأن حل مشكلات السودان يكمن في انفصال الجنوب، وكانت المفاجآت المتواترة بالنسبة لي في كل مرة عندما يتناول في «عاموده» قضية الوحدة والانفصال فأدرك أنه مثل الكثيرين الذين قصدتهم منافق بدرجة امتياز.. المهم ليس هذا موضوعنا ولكنها واقعة تذكرتها وألحت عليّ: أن أخرجني من صدرك الضيِّق إلى فضاءات أوسع..
ومناسبة «الجدعة» أعلاه هي تلك السهام التي أراها اليوم تنهال بقسوة على الرجل كما لو أنها عمل منظم ليس من خصومه هذه المرة ولكن ممن كانوا أركان حربه كأن لم تكن بينه وبينهم مودة، وقد حدثت هذه التطورات بعد التداعيات الأخيرة. ومن تلك السهام سهم يحمل رأسًا نوويًا كُتب عليه: أن الطيب مصطفى دعا إلى إعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل، وآخر جاء فيه أن الطيب قال: إن عناصر الجبهة الثورية شرفاء وأصحاب قضية عادلة… يمكن أن يُصدق مثل هذا القول إن لم يكن منسوبًا للطيب مصطفى، وببساطة شديدة لأن الرجل «كان» كاتبًا صحفيًا وله زاوية يومية يعبِّر فيها عن أفكاره وقناعاته ومواقفه وهي أمور مكتوبة وموثقة قرأها الملايين ومازال أرشيفي الصحيفة الورقي والإلكتروني يحتضنانها برفق، فالأمر في رأيي لا يحتاج لشخص يختلف مع الطيب مصطفى وفي توقيت معيّن وفي «ظروف» معينة ليقول إن الطيب قال إن قادة الجبهة شرفاء وأصحاب قضية، فقد كتب الرجل عشرات المقالات عن الجبهة الثورية وفظائعها في «أب كرشولة»، وهاجم أصحاب الدعوة للتطبيع، وهذه مواقف «موثقة» لا تحتاج لمغالطات، هذا فضلاً عن أن الرجل صاحب مواقف ويعبِّر عن قناعاته بصدق ومن الصعب أن يغيِّرها بهذه السهولة.
بالأمس القريب كان أحد أركان حرب «الطيب» يحدِّثني عن التراجع في مواقف الرجل وانحرافه السياسي والفكري، وأُشهد الله أني بتُ قريبًا من القناعة بما قال الرجل وكنت مندهشًا لما سمعت وهو ما ورد في صحف الأمس، ولكني وطَّنتُ نفسي واستقصيتُ من أطراف عدة، فتبعثرت قناعاتي السابقة حينما اصطدمتُ بكثير من الحقائق… هناك سؤال يلح عليّ بشدة لماذا هذا «الردم» وبهذه القسوة وفي هذا التوقيت؟ وسؤال آخر أكثر إلحاحًا لماذا حدث ذلك ومعركة الرجل مع الحكومة مازالت مستعِرة؟.
وحتى لا «أُتهم» بأني «منبر سلام» أدافع عن رئيس حزبي أقول قبل أشهر من «الزلزال» الذي ضرب الشراكة بين الطيب وزملائه، وبينما كان الرجل يقف إلى جانبه نائبه الفريق إبراهيم الرشيد دعاني الطيب مصطفى إلى الانضمام إلى حزبه فقلت له بالحرف الواحد: «إن قناعتي الراسخة ألا أنتسب لأي حزب سياسي مهما كانت درجة إعجابي به وهذه قناعة لن تتزحزح»، ليقيني بأن الصحافي يجب أن يعمل بضمير القاضي الذي يراقب الله في كل تحركاته ويعمل ما يرضي ضميره ويستمتع باستقلاليته حتى يأتيه «اليقين»، رفضت الدعوة رغم قناعتي بأن الرجل صاحب مبادئ وقيم وأخلاق.
صحيفة الإنتباهة
أحمد يوسف التاي
ع.ش