85% من إجمالي الدين الخارجي متأخرات.. وأصول الدين تعادل نحو 15% فقط
في الجزء الثالث من حواره المهم مع «أخبار اليوم» قال الدكتور التجاني الطيب الخبير الاقتصادي العالمي وزير المالية الأسبق، قال إن أكبر مشكلة تواجه الاقتصاد السوداني هي مسألة الدين الخارجي الذي بلغ نحو 43 مليار دولار بنهاية العام 2012 م وسيصل إلى 46 مليار عام 2013م، مشيراً إلى أن 85% من إجمالي الدين الخارجي متأخرات وأصول الدين الخارجي تعادل نحو15%.
وقال إن المديونية العامة ليس بها إعفاء من الديون الخارجية ولا بد من طرح بدائل جديد حتى لا نفقد مداخل التمويل الخارجي، وأشار إلى أن ديون صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تعتبر ديوناً سيادية لا تخفف ولا تعفى. فإلى تفاصيل الجزء الثالث من الحوار :
حوار/ عبدالرازق الحارث
ماهو تقييمك لسياسات الإصلاح الاقتصادي الأولى فيما عرف بالتحرير الاقتصادي؟
– حسب علمي أن كلمة التحرير الاقتصادي مصدرها الأول هو الدكتور الشيخ حسن الترابي، ويبدو أن بعض الذين كانوا في مواقع اتخاذ القرار قد أخذوا تلك الإشارة وأطلقوا ذلك الاسم على ما تم من إجراءات إصلاحية.
إذا أخذنا الإنجازات التي تمت كما ذكرنا سابقًا وأخذنا تحديداً جانب الخصخصة نجد أنها تمت في ظرف ما كان يسمى بمصطلح (التمكين) فلذلك تمت على عجل وبدون دراسة وبدون هدف محدد.
وإذا أخذنا دولاً مثل الأردن كان الهدف الأساسي من عملية (الخصخصة) هو استغلال الموارد التي يمكن جلبها عن طريق الخصخصة لسد عجز الموازنة في الدولة.
هنالك دول أخرى استخدمت الخصخصة لأغراض التنمية مثل باكستان والهند وبعض دول شرق آسيا وحتى بعض الدول الإفريقية.
في السودان لم يكن لهذه السياسات هدف ولم تدرس المؤسسات بصورة مبرمجة ومنتظمة لتقدير نقلها من القطاع العام أو صلاحياتها وبقائها في القطاع العام، وإنما تمت بتصور (التمكين) وللأسف الشديد كانت النتيجة ضياع كثير من المؤسسات المؤثرة والفاعلة في الاقتصاد السوداني جراء تلك السياسات، وليس بغريب فقدنا لمؤسسات تكاد تكون محورية بالنسبة للاقتصاد السوداني مثل النقل الميكانيكي والوابورات والسكة حديد وسودانير والنقل النهري ومشروع الجزيره إلى آخر القائمة من تلك المؤسسات الشامخة التي فقدناها وهي كانت تمثل مركز الثقل في الاقتصاد السوداني
واستطرد قائلاً:- للأسف الشديد الخصخصة استمرت بهذا الأسلوب إلى هذا اليوم وبنفس المفهوم، ولن تتم عملية الخصخصة بصوره جادة وذات مصداقية وشفافية عالية إلا إذا رجعنا مرة أخرى ووضعنا إستراتيجية لسياسات اقتصادية إصلاحية متكاملة بهدف تحريك الاقتصاد أو إعادة تحريك الاقتصاد الكلي.
الديون الخارجية للسودان ماتزال عقبة أمام تعاون السودان مع المؤسسات المالية الدولية، في الآونة الأخيرة كثر الحديث عن مشكلة الديون الخارجية وبشر صنّاع القرار الاقتصادي بأن حل مشكلة تلك الديون بات قاب قوسين أو أدنى فماهو موقف الديون الخارجية؟
الدين الخارجي بلغ نحو 43 مليار دولار بنهاية العام 2012 م ومن المتوقع أن يصعد هذا الرقم إلى 46 مليار بنهاية العام 2013م
ماهي توزيعات المبالغ المالية للدين الخارجي؟
85% من إجمالي الدين الخارجي هي متأخرات، و الدين أصلاً يعادل نحو 15% من إجمالي الدين.
الحديث عن الدين الخارجي هو زخم إعلامي ليس إلا.
الحكومة السودانية أوقفت خدمة الدين الخارجي منذ العام 1983م. بمعنى أن الموازنة العامة ليس بها أي أعباء للديون الخارجية، وهي في الوقت الراهن لاتؤثر في الأوضاع المالية لأنه أساساًَ لا توجد خدمات لخدمة تلك الديون.
والحقيقة هي أن تلك الديون ماتزال في دفاتر الدولة وبالتالي قد تكون معيقة لإيجاد سبل ومداخل للتمويل الخارجي. وأسهب شارحاً لهذه النقطة مثل هذه الأحاديث يمكن أن تكون صحيحة لكن قبل أن تصل إلى هذه النقطة. فمعالجة الديون لابد أن تتم.
والدين الخارجي و معالجته تكون عبر آليات ثابتة ومتعارف عليها عالمياً، خاصة في حالة السودان فمعظم ديونه عبارة عن متأخرات وليست ديوناً جارية. السودان طبق نحو 13 برنامجاً إصلاحياً مع الصندوق خلال 16 عاماً، والبرنامج الذي يسمى البرنامج المراقب بواسطة موظفي الصندوق هدفه الأساسى الوصول مع الصندوق إلى سجل يدعم مصداقية الدولة ومقدرتها على اتخاذ إجراءات إصلاحية لدعم الاقتصاد.
خلال 16 عاماً لم يسأل الطرف السوداني عن جدوى تلك العلاقة وماهي الفائدة التي عادت على السودان من صندوق النقد الدولي جراء اتخاذ الإجراءات المضمنة في تلك البرامج.
الديون الخارجية هناك عدة مبادرات لمعالجتها؟
– في أوضاع السودان هنالك برنامج اسمه برنامج تراكم (الحقوق) وهذا البرنامج يطبق على مراحل تتراوح ما بين 3-4 أعوام. وخلال هذه الفترة الإجراءات التي يتم تطبيقها بنجاح تتقاضي الدولة عليها نقاطاً محددة تترجم إلى مبالغ مالية.
وتستمر الدولة في تجميع هذه المبالغ حتى تساوي إجمالي الدين الخاص المطلوب، وتحديداً هذا الدين هو دين صندوق النقد الدولي لأن ديون الصندوق والبنك الدولي تعتبر ديوناً سيادية لا تخفض ولا تعفى، وحل هذه الديون هو المدخل لمعالجة مشكلة الديون الكلية.
واستطرد قائلاً: عندما تجمع الدولة النقاط المطلوبة والمساوية لإجمالي دينها على الصندوق تبحث الدولة بعد ذلك عن دولة أو مجموعة دول تتبرع بدفع المبلغ المطلوب للصندوق، وتعاد جدولة الدين ويعيد الصندوق المبلغ للدولة المتقدمة لسداد الدين في خلال 24 ساعة.
وهذه تعتبر أسرع الطرق .
والطريق الثاني هو اتخاذ سياسات إصلاحية لفترة أطول.
وبموجب هذه الإجراءات تدخل الدولة فيما يسمى بمبادرة (الأيبك) وهي مبادرة تُعنى بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون.
ومشكلة السودان كما أثبتت الدراسة التحليلية استدامة الدين السوداني وهي دراسة مشتركة بين الصندوق والبنك الدولي.
ديون السودان حتى لو تمت الاستفادة من مبادرة الأيبك.. وكل بقية المبادرات الموجودة التي تبلغ في مجملها 4 مبادرات.. دين السودان في النهاية سيكون غير مستدام ما يعني أن تصفية المتأخرات زائد تخفيض الدين هو المخرج الأساسي للسودان.
ماهى التوقعات في حالة عجز السودان عن سداد الدين الخارجي؟
– إذا عجز السودان أو إذا وجد السودان عبر تواصل سياسي وعمل سياسي مكثف مع دولة أو مجموعة دول مانحة لاختصار الزمن أو اختصار الطريق ووافقت هذه المجموعة على سداد متأخراته أو ديونه للصندوق أو البنك الدولى فيمكن أن يختصر السودان طريق البرامج وأن تدفع هذه الدولة أو تلك المجموعة المبلغ للصندوق وتعاد جدولة مديونية السودان على المؤسستين، ويتم إرجاع المبلغ المدفوع للصندوق إلى من دفعه خلال 24 ساعة أيضاً هذا بالنسبة للسودان ويجب أن لا تكون هناك مشكلة إذا تركنا سياسة أو شخصنة القضايا القومية من أجل أهداف شخصية أو عقائدية.
فمثلاً إذا حاول السودان بناء جسور قوية مع المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة وقطر فهذه الدول لديها الآن احتياطي من النقد الأجنبي يفوق الترليوني دولار.
وواصل د. التجاني الطيب حديثه قائلاً أن تدفع هذه المجموعة أو فرد منها للصندوق وللبنك ديونهما المقدرة بنحو 2 مليار في فترة 24 ساعة فقط فلن يسبب ذلك مشكلة لهذه الدول.. ومن الأجدر أن يذهب السودان في هذا الطريق في تعامله مع هذه الدول لإقناعها بأن تفتح الطريق أمام السودان لمعالجة اتفاقية ديونه عبر مساعدته في سداد ديونه للبنك والصندوق، وهما سيساعدان في الذهاب بقضية الديون إلى نادى باريس ليرسم نادى باريس قاعدة لحجم التخفيض الممكن لديون السودان وتطبق هذه القاعدة على بقية الديون الثنائية والتجارية والبنكية. وهذا يتطلب عملاً مكثفاً. وإذا اتبعنا طرق البرامج فأهم شيء في المرحلة القادمة هو أن يعيد السودان علاقة تعاونه مع المؤسسات الدولية، وأن يكون نشطاً سياسياً مع مجموعة الدائنين وأن يستمر في تطبيق برامج جديدة لإثبات المصداقية في المقدرة على الإصلاحات الاقتصادية.
وبدون هذه البدائل مشكلة المديونية ستظل قائمة ولن تحل ودفن الرؤوس في الرمال لن يحل أي قضية.
فالسودان الآن في محك صعب جداً، وكما ذكرت تخفيض الديون عبر الآليات الموجودة لن يصل بالسودان إلى مرحلة استدامة الدين الخارجي لابد من تصفية المتأخرات.
وهذا ما سيضع صناع القرار في المحك الصعب في السنوات القادمة أولاً لإكمال العمل الفني المطلوب لوضع إستراتيجية متكاملة لكيفية التعامل مع الديون، وفي نفس الوقت وضع السياسات اللازمة لعملية إصلاح جذرى يمكن الاقتصاد داخلياً من الوقوف على قدميه، ثم مواجهة المخاطر والمشكلات الخارجية.
ما هي النظرة المستقبلية للاقتصاد السوداني والوضع الاقتصادي الراهن؟
-الوضع الاقتصادي يمكن أن يلحظ مما جاء في الحوارات السابقة وهو وضع صعب ومعقد، والاقتصاد الآن في حالة انكماش لأنه لم يخرج حتى الآن من تداعيات انفصال الجنوب والتداعيات التي صاحبت ذلك.. أهم شيء بالنسبة للنمو هو الاستثمار والقاعدة المهمة للاستثمار هي الادخار خاصة الادخار المحلي.
فإذا لم يكن الادخار المحلي كافياً لابد من البحث عن ادخار خارجي عادة يتمثل في الاستثمار غير المباشر بمعنى أنه لابد من تكملة ادخارنا الداخلي بمدخرات خارجية ممثلة في الاستثمار المباشر من الخارج لرفع معدلات الاستثمار إلى مستويات معينة تعطينا معدلاً يفوق معدل النمو السكاني .
واستطرد قائلاً: ولكن إذا نظرنا للمعدلات الحالية فإن الصورة تبدو قاتمة، وإذا نظرنا لإجمالي الادخار نجد أن الادخار الكلي في الاقتصاد السوداني انخفض من 14% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2010 إلى 8% في عام 2012م.
الاستثمار انخفض من 19% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2009م إلى 15% في عام 2012م .
وبنفس القدر الاستثمار التنموي انخفض من 3% في عام 2008م إلى 1% في عام 2012م.
وعدم الاستثمار نتج عنه ضعف النمو الاقتصادي الذي يؤدي بدوره إلى اختلال في توازن الاقتصاد الكلي من أبرز مظاهره التصاعد المستمر في معدلات التضخم.
وعلى ضوء المعطيات الاقتصادية التي ذكرناها سابقاً فمن المتوقع أن يظل الوضع الاقتصادي صعباً ومعقداً في عام 2014م في حال استمرار السياسات المالية والاقتصادية مع استمرار شح النقد الأجنبي والاستثمار ما يتوقع أن يؤدى إلى تباطؤ قطاعي الصناعة والخدمات مما يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي غير النفطي وبالتالي النمو الاقتصادي الكلي.
أما غول التضخم فمن المتوقع أن يستمر في الصعود ليبلغ أعلى مستوياته في الربع الأول من العام القادم حيث يبدأ في التراجع بعد ذلك؛ لكنه سيظل في مستويات عالية تقارب 30% كما شهدنا في آثار تجربة إجراءات يونيو 2012م
صيفة اخبار اليوم
[/JUSTIFY]