وما يعزز ذلك وأهميته هو ما ذهب إليه (إخوان وأخوات) زرقاء اليمامة، من توصيات مؤتمرهم القاضية بأهمية تبادل المعلومات وتفعيل أجهزة الإنذار المبكر بين الدول الأعضاء حول نشاط الحركات السالبة، وفي جانب آخر أصدرت ورشة (السيسا) التي عقدت بالخرطوم توصياتها بضرورة تصنيف كافة الحركات المسلحة المتمردة في أفريقيا على أنها حركات سالبة وإرهابية، لقيامها بعمليات قتل وتشريد للمواطنين المدنيين. ويبدو أن من أهم ما جاء في تلك التوصيات هو التوجه نحو مخاطبة مجلس السلم والأمن الأفريقي والاتحاد الأفريقي، بغرض الضغط على حركات التمرد بأفريقيا باعتبار أن ما يترتب على ذلك سيقود إلى رفعها في مرحلة لاحقة إلى مجلس الأمن الدولي وإلى الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة في مجالات حقوق الإنسان. ويبدو حينها أن المؤسسات الدولية ستجد نفسها تواجه خياري الانضمام إلى رؤية الدول الأفريقية وأجهزة أمنها القاضية بمحاربة الحركات المسلحة أو السالبة وتجفيف موارد تمويل نشاطها، أو تأكيد النظرة القائلة بأن المؤسسات الدولية معلولة ولا تتعامل مع الجميع بميزان واحد، وربما يترتب على ذلك الكثير من المواقف حينها. «طه» و«عطا» النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ «علي عثمان محمد طه» ورغم كلماته الناعمة، بدا في حالة من يجيد الارتكاز دفاعاً عن موقفه، حيث قال إن الحركات المسلحة في دارفور اتخذت من الحرب والقتل أسلوباً للحياة ووسيلة لكسب العيش، وأنها أصبحت تحكم بالإعدام على من يتجه نحو السلام. واستدل بمقتل «محمد بشر» رئيس حركة العدل والمساواة الموقعة على اتفاق سلام دارفور بالدوحة، وشن هجوما لاذعا على بعض القوى الإقليمية والدولية التي قال إنها تكيل بمكيالين، وأضاف (تُوقِع على نبذ الإرهاب والمقاومة وتفتح ذراعيها ومؤسساتها لدعم ذات الحركات)، بل وخرج «طه» من دفاعاته إلى موقع المهاجم حيث قال: (إن التدخلات الخارجية أدت إلى تعقيد قضية دارفور وتشعيبها)، وأضاف (ساهم في ذلك رفض قادة الحركات للانضمام للعملية السلمية). وأكد استقرار الأوضاع بمعظم مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وحمّل «طه» قادة أجهزة الأمن والمخابرات الأفارقة رسالة من الرئيس «البشير» إلى رؤساء بلدانهم أكد من خلالها استعداد السودان للعمل مع الرؤساء الأفارقة من أجل إنهاء الحروبات والصراعات الدموية في القارة الأفريقية، والتوجه نحو السلام. وقال: (إن ما تفرزه المجموعات المسلحة والحركات السالبة من صراعات ينتج عنها تعطيل التنمية ونشر الجريمة، ويتوجب مواجهته بكل القوة والحزم).
مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول ركن مهندس «محمد عطا المولى عباس»، بدأ مهاجما للحركات المسلحة منذ الوهلة الأولى حيث قال: (إنها وبعد أن ضعفت وبارت بضاعتها تجمعت من جديد وبمساعدة بعض الدول الأفريقية في شكل جبهوي باسم رنان وخادع تتجمع لتمارس ذات الجرائم البشعة حيال المدنيين الآمنين)، وأضاف (تقتل الضعاف منهم وتنهب أموالهم وممتلكاتهم وتعتدي وتدمر وتخرب البنيات الأساسية التي تبنى من عرق وكدح الشعب السوداني، وتوقف مشاريع التنمية). وأشار إلى أن انتهاكاتها امتدت في الماضي القريب إلى ليبيا، وأضاف (حيث شاركت حركة العدل والمساواة فى القتل والنهب والسلب والاختطاف الذي تم في ليبيا)، وأضاف الفريق «عطا» (نحن لا نجد مسمى لما تقوم به هذه الحركات غير أنها جرائم بشعة، ولا نجد توصيفاً لهذه الحركات غير أنها عين الإرهاب). وأكد الفريق أول «محمد عطا» أن السلام أولوية بالنسبة للحكومة دون تفريط في مسؤوليتها تجاه حماية المواطنين والممتلكات، وأشار إلى أن إيمان الحكومة والقيادة السياسية بالسلام، هو إيمان عميق وراسخ وأكد استمرار الحكومة لمعالجة قضايا السودان الداخلية بالحوار والتوافق الوطني، وأضاف (ما زالت الأيادي ممدودة بالسلام لمن يريد).
أفريقيا تتحدث بدأ تقديمه الأستاذ «الطيب قسم السيد» في جلسة الافتتاح للمؤتمر بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ترمي معانيها إلى توضيح أهمية الماء بالنسبة للإنسان، حيث أن الله سبحانه وتعالى يؤكد أن كل شيء حي يعود في أصله إلى شيء من الماء.. إنه البروفيسور «لوامبا نوتومبا»، ممثل إقليم البحيرات العظمى والذي تحدث امتدادا لكلمات مقدمه عن وجود حركات مسلحة في دول البحيرات العظمى، تستقي أسماءها من الماء حيث تسمى (ماي ماي)، وذهب إلى شرح مدلول ذلك الاسم الذي يعود في المعتقدات المحلية لتلك الحركات، إلى أن الماء الواردة في ذلك الاسم تمنحهم البركة وتحميهم من وابل الرصاص الذي يطلق عليهم ويحجبهم الاسم من الموت.. البروفيسور «لوامبا نوتومبا» لم يبدُ مؤمنا بتلك المعتقدات، لأنه طالب المؤتمرين والدول الأعضاء بعدم قبول الحركات المسلحة والجماعات السالبة على أراضي دول المنظمة، وعدم دعمها أو إيوائها بأي شكل من الأشكال، وقال إنها تشكل خطراً على الأمن والاستقرار في دول القارة والمنطقة لإسهامها في زيادة النزوح والاغتصاب والقتل وتهريب الأسلحة والاتجار بالبشر، وقال البروفيسور «لوامبا نوتومبا»، إن التنظيم الفاعل والآليات والإنذار المبكر والعمل المنظم يؤدي إلى الوصول لمحاربة الجريمة المنظمة، فيما أكد ممثل منظمة التعاون الإسلامي، السفير «مهدي فتح الله»، إدانة منظمة التعاون الإسلامي لأعمال الحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاق الدوحة لسلام دارفور، وطالبها بضرورة التوقيع على اتفاقية الدوحة لسلام دارفور، مؤكدا رفض منظمة التعاون الإسلامي للإرهاب بالإسلام والدول الإسلامية، مشيراً إلى إدانة منظمته للإرهاب بكافة أشكاله. رسائل الظاهر والباطن الدعابة على هامش المؤتمر كانت حاضرة.. «شارلس» بدا مألوفاً للجميع، وتصافح مع زملاء الأمس من ضباط جهاز الأمن السوداني بود لم يكن خافٍ. هو الممسك بملف الأمن الخارجي بدولة جنوب السودان.. طلب بعض ضباط الأمن السوداني لقاءه بعد الورشة للاحتفاء بحضوره.. هكذا قالوها وسمعناها لقربنا من أماكن وقوفهم قبل بداية الجلسات.. ومضى إلى حال سبيله ولكن لم يذهب بعيداً حيث جلس مجاورا لنائب مدير جهاز الأمن الفريق «صلاح الطيب الأمين»، وتبادلا الأحاديث الهامسة، وربما عادا إلى ذكريات التفاوض حول القضايا العالقة بين السودان وجنوب السودان، وهي التي جمعتهما في أديس أبابا في صولات وجولات.
وفي جانب آخر حضر قدامى المحاربين من جنرالات الأمن وتقدمهم السفير اللواء أمن معاش «عثمان السيد» والذي لم تفارقه الدعابة مع كبار رجال الأمن السوداني حينما نادوا عليه بمفردة (يا سعادتو)، فرد عليهم قائلا على سبيل الدعابة: (يا حليلنا نحن زمن سعادتنا ولى.. أنا هسة جيت مع الإثيوبيين ديل)، وجلجلت الضحكات وانصرف السيد في حديث بدا عليه طابع الذكريات مع جنرالات الأمن الإثيوبي، الذين وقفوا معه لفترة زمنية طويلة وهو الذي عمل معهم في بلدهم سفيراً للسودان لعقد ونصف من الزمان، ومشرفاً من قبل على حركات التحرر الإثيوبية والإرترية إبان تقلده منصب مدير جهاز الأمن الخارجي في عهد مايو.
صحيفة المجهر السياسي
أحمد دقش
ع.ش