وقبل مفاوضات الطرفين بأديس التي وصل فيها الطرفان لطريق لا نقول مسدود، هناك ثمة مطالب لقطاع الشمال لم تقبلها الحكومة وقابلتها بالرفض، الشيء الذي أدى إلى وصول الطرفين لقناعة بعدم جدوى الحوار وقتها، وألغيت أو أجلت على ضوئه المفاوضات. وقامت الحركة الشعبية قطاع الشمال بقصف كادوقلي التي احتضنت وقتها جلسات ومناقشات ملتقى جنوب كردفان التشاوري بقذائف الكاتيوشا وبعض الأسلحة الأخرى في مسعى منها للحيلولة دون انعقاده حسب ما تم تفسيره من قبل المتابعين لجلسات اللقاء، لتحيل الملتقى وجلساته الى لقاءات بطعم البارود، فقد رفض المؤتمرون الإذعان لرغبات قطاع الشمال وأعلنوا تمسكهم بالمضي في الجلسات التي أعلن عن انتهائها أخيراً وخرج بتوصياته الداعمة للسلام والحوار. واستمر قصف قطاع الشمال للمنطقة ثلاثة ايام أحدث فيها أضراراً كبيرة طالت مؤسسات الحكومة والمواطنين العزل من النساء والأطفال والشيوخ لتحصد أرواح العديد منهم.
كما أدى القصف المستمر وقتها إلى خلق أزمة أمنية بالولاية التي عانت الكثير من المشكلات ومنها الاستقرار. واعتمدت الحركة وقتها في توجيه ضرباتها على جنوب كردفان على أسلحة المدفعية التي قامت باستخدامها هذه المرة، غير أن رغبة الحكومة في التفاوض والدعم الذي وجدته من بعض الأطراف الدولية والمنظمات الداعمة للسلام في السودان، قضى بضرورة استئناف الحوار مع الحركة الشعبية قطاع الشمال وصولاً لحل يؤدي إلى إرساء السلام والاستقرار لإنسان مناطق جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان اللتين تجد فيهما الحركة الشعبية ملاذاً لانطلاق حملاتها ضد الحكومة، وأخذت من قضاياها أجندة تزين بها مطالبها بحسب بعض المتابعين.
والمتابع للأحداث يستطيع أن يربط بين خطاب الحكومة الذي أكدت من خلاله أن الصيف سيكون ساخناً على المتمردين في وقت رحبت فيه بإدارة الحوار معهم لأجل السلام، واستفزازات قطاع الشمال والحركات المسلحة في الأيام الماضية باستهدافه للمنطقة وضربها بالصواريخ وغيرها من الأسلحة، وهي الإستراتيجية التي أعلن عنها وقتها مولانا أحمد هارون الوالي السابق لجنوب كردفان بقوله: «إن الحكومة ماضية في سبيلها تحمل السلاح بيد وتسعى للسلام في الوقت ذاته». وأضاف قائلاً: «الداير السلام بنتحاور معه والداير الحرب بنحاربو والممطورة ما بتخاف من الرشة». فيما يرى مراقبون أن هذا الإجراء نتج عن استفزازات قطاع الشمال المتكررة التي وصفوها بـ «المؤسفة»، ولكن يقول بعضهم إن قطاع الشمال ربما أراد بهذا المنحى إرسال رسالة للحكومة مفادها نحن هنا موجودون كما قال هارون، ولكن الرسالة جاءت على أشلاء النساء والأطفال، في الوقت الذي دعا فيه والي جنوب كردفان آنذاك الى ضرورة التفاوض مع القطاع دون شروط. وكان آخرون يرون أن في هذه الدعوة إضعافاً لقوة الحكومة وتقوية لصفوف الحركة التي جعلت من المنطقة مقراً لها.
وحول هذه المرامي والأهداف من إقدام قطاع الشمال وما معه من قوات الجبهة الثورية، على استخدام النار والبارود، في قصف منطقة كادوقلي، يقول الإستراتيجي المعروف بروفيسور حسن مكي لـ «الإنتباهة» إن قطاع الشمال لديه أجندته الخاصة التي دائماً ما يعبر عنها بأسلوبه، وأنه أراد من هذا الهجوم المباغت أن يقول بل ويؤكد للحكومة أنه موجود وقادر على اختراق القوات المسلحة، إلا أن الأستاذ حسن مكي وصف أي هجوم على مناطق المدنيين الآمنة بأنه غير مقبول على الإطلاق.
وربما خطوات التمرد كانت واضحة من خلال تنفيذ تلك المهمة التي سيكون لها ما بعدها من آثار في مسار العملية السلمية بالولاية، بعد أن تطلع إليها الكل بنظرات باحثة عن واقع أفضل مما هو شبيه بسنين الحرب التي خلت قبل شهور مضت.
واستنكر اللواء عبد الرحمن الأرباب في حديث لـ «الإنتباهة» الضربات التي ظلت توجهها الحركات المتمردة على مناطق آمنة بولايات السودان، وقال: «إن للحكومة استراتيجيات تعمل وفقها، ومن وجهة نظري إنه ومهما تطول الحرب فلا بد ان يجد الحوار طريقه للجانبين، لأن الحرب لا تنتهي أبداً الا بالجلوس للتفاوض والحوار»، مشيراً بذلك للحرب العالمية التي لم تنته الا بالحوار.
وأضاف إنه وفي ظل هذه التوترات لا بد من التفاوض، لأن الحكومة نفسها في رؤيتها التفاوض للحلول والحرب ليست غاية بالرغم من انها وسيلة، الا أن الجلوس هو من يكمل حلقة حل المشكلات، لافتاً لضرورة ان يكون الحوار حافظاً للوطن حقوقه كاملة وللدولة هيبتها. وأبان الأرباب أن القطاع ظل يعمل بإستراتيجية واضحة، بدعم خارجي سياسي ودعم لوجستي من أمريكا ودعم مالي من اوروبا، وفي نفس الوقت إستراتيجيته مستقاة من الإستراتيجية الامريكية في المنطقة، والغرض من ذلك تركيع النظام إن لم نقل إنهم يهدفون الى اسقاطه ليكون جاهزاً للجلوس وفقاً لشروط قطاع الشمال بحيث في النهاية تتحقق الإستراتيجية الامريكية، لذلك ظلوا يضغطون على الحكومة لكي تجلس للمفاوضات رغم أن الحكومة أعلنت رغبتها الجادة في الجلوس مع كل الاطراف التي تحمل السلاح لأجل إحراز سلام يدمل جراحات الوطن. ويأتي هذا في وقت ظلت فيه الحركات المسلحة من جانب والحركة الشعبية من جانب آخر توجه ضربات لمناطق كانت آمنة، وقد أدخلت بهذه المحاولات أهالي تلك المناطق في حالة فزع دائم رغم جهود القوات المسلحة في كسر شوكة المتمردين الذين ينتهجون حرب الصحراء وسياسة «اضرب واهرب» التي خلفت الكثير من الخسائر المادية للمواطنين الذين يقعون في مسارات تلك الجماعات، مما حدا ببعض المتابعين إلى القول: هل ستحقق هذه الحركات لنفسها من خلال ضرب الآمنين من المواطنين ما لم تحققه بالحوار الذي طالبتهم به الحكومة قبل إعلان الصيف الساخن واستفزازتهم المستمرة لكل الآمنين؟
صحيفة الإنتباهة
عبد الله عبد الرحيم
ع.ش