بورتسودان بين الازدهار والتدهور !

[JUSTIFY]عدت بعد زيارة خاطفة لبورتسودان مدينتى للاطمئنان على صحة والدتي حفظها الله والتي لمزمت الفراش الابيض في مستشفى الجمارك الذي وجدت فيه كل العناية والرعاية على إيدي الأخوة الأعزاء طاقم المستشفى وعلى رأسهم النطاسي البارع الأخ الدكتور طه إسماعيل الذي لم تنقطع زياراته لها حتى في العطلات, ولن أنسى طبيب أسرتنا الأخ الشريف أبوفاطمة, ثم متابعة أبننا الطبيب الشاب الدكتور أحمد عبدو ربه الذي وفر لها الدواء ووسائل الراحة حتى في المنزل , مما جعلنى أعود للخرطوم وأنا مطمئن بعد عودتها للمنزل معافاة بحمد الله وعنايته وهو نعم المولي ونعم النصير.وأتقدم بأسمى آيات الشكر والتقدير بهذه المناسبة لكل الأهل والعشيرة في ولاية البحر الاحمر الذين عاودها في المستشفى وكذلك الأصدقاء الاحباب والزملاء والأخوة من ضباط الشرطة بمختلف رتبهم وكل قيادتهم في شرطة الولاية والشرطة الموحدة و إدارة الموانىء والعلاقات العامة والاعيان في مدينة بورتسودان الجميلة.

وبمناسبة جمال بورتسودان وهي حقيقة لا انكرها لأنها أصلا جميلة منذ أن اختارها المهندس (كندي) كميناء حديث للسودان عندما طلب منه رئيس وزراء بريطانيا السير واطسون البحث عن ميناء بديل لسواكن ذات العمق الضحل والمدخل الضيق بسبب الشعب المرجانية وإن كان هناك سبب سياسي وراء ذلك وهو وأد الميناء الاسلامي التاريخي الذي انجب أمير الشرق ابن سواكن, وبما أنني من الجيل الثاني الذي ينحدر من آباء رحلوا من سواكن رغما عنهم إلى المدينة الجديدة وسكنوا ديم سواكن وديم العرب حيث ولدت في ديم المدينة على يد الداية البلدية بدون شهادة ميلاد وبالتالي أصبحت من مواليد 1/1/1944 حسب شهادة تقدير العمر في ملف خدمتي إلا أنني استعمل براعة المتحرين من رجال الشرطة في أنقاص العمر عند تقديمهم للقضايا أمام المحاكم ,حيث تفتحت عيناي على معالم تلك المدينة الجميلة بشوارعها وشواطئها ومقاهيها الأروبية ( رامونا) ومتجر (لندن هاوس) وحمام السباحة الإنجليزي والكوز وى الكبري القديم والفنارات واستوديو كوستي والمارين غاردن وأرصفة مينائها المزدان دائما بالسفن القادمة من كل موانىء العالم , ولعبنا في برندات سوق ديم المدينة عند إنشائه لأول مرة مع ساحر الكورة (طاهر حسيب) رحمه الله واليوناني (لوكا) ابن صاحب مطعم “على كيفك “فى سوق المدينة وعملت (فورمن) لعمال الشحن والتفريغ مع والدي خلال عطلت المدرسة في شركات وتوكيلات الشحن والتفريغ تحت إدارة الخواجة (نيكولا كونتوبلس) وكنا نتفاخر بأن مدينتنا تعد من احدث واجمل المدن عند الونسة مع زملاء الدراسة القادمين من عطبرة وبربر ونحن جلوس في مدرجات فصول المدرسة الاعدادية القبطية بجوار الكنيسة بالرغم من تهميش أهلنا البجا في الريف والمدينة بسبب سياسة الاستعمار.

صحيح أن الوالى (أيلا ) أعاد لبورتسودان جمالها بطريقة لم نقم بها نحن أبناء المدينة عندما كنا مسؤولين عنها في العهود الماضية سواء في الجهاز التنفيذي اوالسلطة على مستوى المحافظة إبان الديمقراطية الثانية,إلا انني لاحظت مع كل الازدهار الذي حدث هناك قصور في الخدمات خاصة في الصحة والتعليم وهو أمر لا تنفرد به بورتسودان بل كل مدن السودان بسبب التعليم الخاص الذي لا يقدر عليه إلا ابناء الأغنياء والمستوصفات الاستثمارية والمستشفيات الخاصة لذلك يعتبر المرض اكبر معضلة يواجهها المواطن لذلك تجد الكثيرين من المرضى يستجدون أمام الصيدليات لأن مظلة التأمين الصحي لا تغطي الجميع في وقت زحف فيه جميع سكان الريف المهمل والمهمش إلى درجة “الهمشوش” وهي كلمة بجاوية تعني الفقر المدقع والبؤس الشديد إلى المدن التي اكتظلت واحاط بها أهل الريف وارتفعت معدلات البطالة بين الشباب من الخريجين,
وبالرغم من مساعدة الانترلوك على نظافة المدينة وسلامة صحة البيئة إلا أن المشكل الأكبر ظل كما هو , وهو فقدان بورتسودان لأسباب الحياة وهي (المياه) التي لم تجد مكانها في الأولويات المقلوبة في برنامج التنمية المدعاة وكل المنافحات التي قمنا بها لم تجد من يسندها ويتابعها , وحتى مسعى رئيس لجنة المياه العم (علي الزين المساعد) احد القيادات المدنية الوطنية التاريخية والذي أتى بعرض مغر مع شركة ألمانية استبعد من المنافسة بسبب المكايدات الحزبية السياسية ؟! وبالتالي أضحت كل الأسر في المدينة تصرف على بند المياه من ميزانيتها المحدودة وهذا الوضع جعل حال الولاية أشبه بحالة رجل (بهلوان) يقف على رجل واحدة بل يرتكز على صباع واحدة من هذا الرجل وهو الصرف على بند (السياحة) في مدينة بنيت أساسا على موارد ثابتة هي عائدات خدمات مرابط الميناء والشركات التجارية والعوائد المرتبطة عضويا بتلك الخدمات للميناء وعمليات التخليص والتخزين والغربلة التي توفر العمالة لسكان المدينة قبل أن تجفف تلك الموارد وينسحب أصحابها من المدينة لأسباب وعوامل متعددة لا يسع المجال الحديث عنها, والمطلع على كل هذه الخليفية يرى في ما يجري الآن من أنشاءات اخلت بالتوازن البيئي حيث قفل مستوى ارتفاع الانترلوك والترتوارات مجاري صرف مياه الامطار بل قفلت مصبات مجاري الخيران والتي وإن تأخرت الأمطار تفيض وتنجرف في مسارها الطبيعي وتدمر كل شيء أمامها كما حدث في اعوام سابقة وما زالت مجاري الخيران حسب رواية سكان سلالاب بعمل سد لمجري الخورتحت عمل ما يسمى ب(البحيرات) كما حدث في سلالاب مربع (8) وثم ما نتج من أشجار (الدبس السعودي) من اضرار لشبكة المياة الداخلية وهذا النوع من الاشجار أصلا تصلح كأشجار زينة للحدائق العامة والمنتزهات العامة وتستعمل كمصدات للرياح حول المدن وليس شوارع الاحياء السكنية التى اصلا تعاني من الضيق بسبب الإنترلوك حيث لا تسع لموقف عربتين او مرورها في وقت واحد والمصيبة الاكبر مواسير المياه تحت طبقة الانترلوك المعظم شأنها التى لا يسمح بكسرها إلا بعد سداد رسوم عالية, والمحصلة النهائية لانعدام دراسة الأثر البيئي لهذة المشروعات وعدم توفر مواصفات الجودة الهندسية , حتما تؤدي هذه المعادلة إلى وضع يُحدث درجة من التدهور الذي يبطل الازدهار الذي يبهر سواح الداخل مما يجعل الوضع أشبه بلعبة الاطفال البسيطة “اللودو” التى يصعد فيها بالسلم وينحدر ساقطا بالثعبان؟!

أما السياحة في مدينة بورتسودان فهي كانت مصدرا ثانويا حتى وقت قريب إلى أن تحولت إلى مصدر رئيسي تنشغل بها كل الولاية شعبا وحكومة وتشيد لها المسارح والمنتجعات, بينما كانت تعرف المدينة سياحة دائمة في ما كان يسمى (سياحة البحارة) وذلك عند نزولهم للمدينة بإذن من السلطات المعروفة ب””0ff Shore والتي كانت تهيء له السلطات البريطانية ما يشتهيه البحارة من مشاهد وحدائق وحانات تقدم لهم الاطعمة والمشروبات الروحية وأندية واحواض سباحة وأماكن للمتعة المحرمة وهي طبعا غير متوفرة الآن , وهو أمر لا ينبغي أن يسمح به لبعض القادمين من سواح الداخل لغرض الترفيه والسلوك الماجن ويخالفون بذلك قوانين النظام العام التي تحمي الفضيلة في هذه المدينة تحت ستار السياحة كما يتحدث عنها الخيرون وأئمة مساجد المدينة بأنها حدثت في احتفالات رأس السنة الماضية. .

أما المهرجانات الغنائية فأصبحت مكررة وهي لا تعتبر جاذبة للسياح الأجانب ما عدا زوار بورتسودان من الداخل المنبهرين بالإطار الخارجي لصورة المدينة وشارع الكرنيش في رأس لسنة بسبب الطقس الذي تتمتع به مدن الساحل في فصل الشتاء وهي فترة محدودة لا تستدعي كل هذا الصرف البذخي ولوحات الإعلانات الملونة فحتى مهرجان “بعلبك” في أكبر مدينة عربية للسياحة (بيروت) لا يكلف كل هذا الزخم والذي تشارك فيه كل فعاليات الفرق العربية لتعكس فنونها وتراثها في تنافس كبير بين الفنانين العرب ينتهى برنامجها في زمن لا يستغرق (أسبوعين) بينما مهرجاناتنا تستمر لشهور حتى بدون أن تعكس الفنون المحلية البجاوية بشكل كامل لتعرض تراث المنطقة مثل ما حدث قى مهرجان سنكات هذا العام والتي يمكن أن يقدمها بطريق جذابة فنانو الشرق أمثال (دوشكا) (وشامي) بدلا من أن تتكلف حكومة الولاية كل عام و تجلب لمهرجاناتها المكررة الفنانين والفنانات من الخرطوم ليعدوا بالمغانم والهدايا على حساب مواطن الولاية المسكين المغلوب على أمره الذي يتحسرعلى حاله ويقول إن أهل “بعلبك” يقدمون فنونهم وتراثهم ويكسبون من وراء مهرجانهم وأنا “بل 00على 00أبكى”!! من حالة البؤس التى أعيشها والمسرحية التي تجري على حسابي كل عام إلى أن يقضي الله أمر كان مفعولا .

صحيفة الإنتباهة
د/عثمان أحمد فقراي
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version