خلصنا من الطائرات وبقيت المطارات

[JUSTIFY]
خلصنا من الطائرات وبقيت المطارات

اللهم أجعله خيرا، فقد انتبهت مؤخرا إلى أنني لم اعد أخاف ركوب الطائرات، بل لم تعد المطبات الجوية ترعبني، وربما مرد ذلك أنني صرت أسافر بالطائرات نحو عشر مرات في السنة على أقل تقدير، وعدم خوفي المستجد من ركوب الطائرات هو الذي يخيفني ويجعلني موسوسا، وتذكرت زميلي في جامعة الخرطوم الذي كان كلما استعددنا للدخول إلى قاعة الامتحانات المهيبة، كانت تنتابه نوبة استفراغ، ويظل في حالة عاع وباع، حتى مرور نحو خمس دقائق على بدء الامتحان، والغريب في الأمر هو ان صاحبي الخواف هذا كان يفرغ كل ما في بطنه قبل بدء الامتحانات ثم يفرغ كل ما في دماغه في أوراق الإجابة على أسئلة الامتحانات، بمعنى انه لم يكن يرسب، ووصلنا الامتحانات النهائية لنيل البكالريوس، وذات مساء جاءني في غرفتي وجسمه يرتعد.. سألته: خير يا بطل.. هل سمعت خبرا سيئا؟ هل شاهدت فيلما لفاروق الفيشاوي؟.. قال إنه متأكد من أنه سيرسب في الامتحان النهائي ولن ينال البكالريوس!! سألته مجددا: وكيف وصلت الى هذا الاستنتاج؟ هل أداؤك في الأوراق التي جلسنا لها سلفا كان سيئا؟ كان رده عجيبا: طوال السنوات الفائتة وأنا استفرغ قبل الامتحانات وأنجح «والسنة دي دخلت أربعة امتحانات وما استفرغت!! ما في تفسير للمسألة دي غير إني بدون استفراغ سأسقط في الامتحان»… وظل صاحبي مرعوبا – ليس من الامتحانات – بل عدم الاستفراغ قبل الامتحانات، وظهرت النتائج ونال بكالريوسا نظيفا خاليا من أي مواد مهضومة او غير مهضومة

في ما مضى ما كنت أركب طائرة إلا بعد تناول حبوب دوائية مهدئة بكميات تجارية حتى تتبلد أحاسيسي، والغريب في الأمر أن قرصين من تلك الحبوب تنوِّم الفيل ولكن حاشا لأبي الجعافر أن تغمض عينه في طائرة حتى لو أخذ «بنج كامل»، وطارت عقدة الخوف من ركوب الطائرات، وحلت محلها عقدة التفتيش في المطارات، فمنذ بداية الحرب على «الإرهاب» اعتدت على خلع الحذاء والحزام ووضعها على جهاز الكشف بالأشعة في المطارات.. موضة خلع الحذاء ظهرت مع اعتقال ريتشارد ريد وهو بريطاني الجنسية ولكنه من نفس الفصيلة الجعفرية، يعني من عندنا في إفريقيا من حيث الجذور، وكان يضع متفجرات في كعب حذائه خلال رحلة من بريطانيا الى الولايات المتحدة، لينسف الطائرة، ولكنها طلعت متفجرات فاشوش، فقد تصاعد الدخان من حذائه وكمشوه ودخل السجن مدى الحياة، وقبل سنوات قليلة حاول أحدهم اغتيال نائب وزير الداخلية السعودية بمتفجرات كان قد حشرها في مكان حساس من جسمه.. وقبل أقل من شهرين اكتشفت المخابرات السعودية والأمريكية أمر شخص كان مكلفا بتفجير طائرات بمواد ناسفة منسوجة داخل سرواله الداخلي

ولست خائفا من ان يكون راكب يشاركني نفس الطائرة يحمل متفجرات في قولونه أو نظاراته، أو داخل أذنيه، ولكن إذا كانت محاولة ريتشارد ريد الفاشلة هي التي جعلت سلطات المطارات تقوم بالكشف على الأحذية بالأشعة، فماذا ستفعل تلك السلطات لضمان أن سراويل المسافرين الداخلية خالية من المتفجرات؟ الإجابة بديهية وسهلة: إشلح وإخلع البنطلون.. وعلي بالطلاق لو عرضوا علي جائزة نوبل في الرياضيات والسلام معا بما يعادل خمسة ملايين يورو خالية من الضرائب، مع عقد زواج مسيار لبنت بيل غيتس، مقابل أن أمر بمطار يطلبون فيه مني خلع البنطلون، لما قبلت بذلك.. بل لو سمعت أن غيري تعرض لـ«التشليح والخلع» سأقاطع الطائرات نهائيا وسأركب البحر رغم احتمال التعرض للقرصنة قبالة شواطئ الصومال، فالقراصنة على الأقل لن يطلبوا مني أكثر من خلع نظارتي وساعتي!!
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

[/JUSTIFY]
Exit mobile version