د. أمين حسن عمر لـ(السوداني):
الحركة تساوم المؤتمر الوطني في قضية المحكمة الجنائية
لن نسمح بانهيار البلد وليس من مصلحة الحركة ان تستعجل النتائج
لست متفائلاً فإدارة اوباما لا تملك سياسة جديدة نحو السودان
الحكومة الاتحادية تأثرت من انخفاض اسعار النفط والأمر لا يقتصر على الجنوب وحده
* مع الفارق في القدرة على التكييف وتباين مستويات التنمية يبقى السؤال عن وضع الجنوب في ظل هذه الأزمة وهناك من يتحدث عن جيش قوامة 130 ألف جندي يحظى بـ40% من الميزانية العامة؟
ليس هناك ما يجبر حكومة الجنوب على ذلك ويمكنها تخفيض هذا الانفاق.
* كيف؟
أحد هذه الأوجه هو تعزيز التفاهم بين الشريكين حتى يطمئن كل منهما للآخر ويلتزم بصرامة على ما اتفق عليه وشخصيا اعتقد ان حكومة الوحدة الوطنية لو استطاعت في بحر هذا العام حل مشكلة دارفور (وهو ما نتمناه) ينبغي ان يمضي في تخفيض القوات الأمنية إلى معدل السلم وتقليل الصرف الأمني وتحويله للتنمية.
* هل هذا متاح في الجنوب؟
نعم واكثر من بقية مناطق السودان الأخرى فحكومة الجنوب ليس عليها ضغط كبير في مسألة المصروفات كما هو الحال على الحكومة الاتحادية لأن 70% من الصرف الاتحادي يذهب إلى المرتبات وهو بند جامد من الصعب جداً التصرف فيه هذا يعني ان الجانب المرن الذي تستطيع ان تتحرك فيه في حدود 30% بينما لا تتعدى النسبة 15% في الجنوب، ولكن الواضح ان حكومة الجنوب والحركة الشعبية قادرة على رفع الصوت بالشكوى لأن ثقافة الاحتجاج مازالت هي السائدة عندها.
* دكتور أمين الحركة تجاوزت ثقافة الاحتجاج إلى سياسة التعاطي الايجابي مع المؤتمر في قضية دارفور ولكنكم وصمتموها بالسمسار بالمناسبة هل مازالت هذه النظرة قائمة تجاه دورها في دارفور؟
ليست هناك حركة سياسية تتعامل مع موقف من المواقف بتجرد كامل، وبطبيعة الحال ستنظر الحركة للمكاسب والخسائر في التعاطي مع أية قضية بما فيها قضية دارفور، صحيح سيظل هناك فرق بين القوى السياسية في مواقفها من القضايا العامة فمن منها سيعلي مواقفه الخاصة ازاء المصلحة العامة فالتجرد الكامل لا تعرفه السياسة ولا امضي للقول بأن الحركة تلعب الآن دور السمسار.
* كيف تنظر لدورها الآن؟
هي لا تنسى نصيبها لحل مشكلة دارفور وبالحكم على تجربتنا في مفاوضات ابوجا كان موقف الحركة ايجابيا.
* هناك مواقف متناقضة للحركة الشعبية ازاء ما ذهبت إليه وهي تعلم مسبقا موقفكم في المؤتمر الوطني تجاه قضية التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية ومع ذلك صدرت دعوة من المكتب السياسي للحركة عقب اجتماعه الثالث بمدينة جوبا تدعوكم للتعامل مع هذه المحكمة؟
ولم الاستغراب؟ في الحركات السياسية تتفاوت الآراء والمواقف.
* في هذه المسألة؟
في هذه المسألة استعصمت الحركة بالغموض والابهام.
* ولكنك وصفت موقفها بالايجابي في دارفور؟
انا احب ان تذكر عباراتي كما قلتها فموقفها في ابوجا كان ايجابيا فيما يخص قضية المحكمة الجنائية فللحركة الشعبية نظرة مختلفة للمحكمة يمكن ان تشكل نوعا من الضغط على المؤتمر الوطني والقول بأهمية التعامل القانوني معها عبارة فضفاضة ونتحاشى التورط ومساندة موقف المؤتمر الوطني اسنادا كاملا فالحركة بمواقفها هذه تستخدم مسألة المحكمة الجنائية في المساومات السياسية من ناحية وفي الناحية الأخرى تريد ارضاء جهات غربية.
* أمريكا؟
امريكا وإلى درجة ما اوروبا والحركة لا تستطيع ان تخرج بمواقف متطابقة مع المؤتمر الوطني ولكن إذا غلبت الرشد ستعلم ان هذه القضية أي المحكمة في غاية الحساسية ولا تحتمل مساومات سياسية.
* وقد تنسف مثل هذه المساومات أساس الشراكة كما اشار نائب الرئيس علي عثمان في وقت سابق؟
بالطبع وحتى المواقف الراهنة فيها خطورة وتهديد لكل المكتسبات هذا لا يعني ان تنهار البلد ومسؤوليتنا كحكومة ان نحافظ على البلد متماسكة في كل الاحوال وتحت كل الظروف وبقراءة المصالح لا تضمن الحركة الارباح ولا اعتقد ان الحركة لها مصلحة بأن تنهار المعادلة القائمة الآن إذ لا يوجد ما يدعوها للتعجل والتوصل إلى نتائج سلبية تهدد كل الاستقرار في البلد، وفي تقديرنا لو صدرت المذكرة سيكون مصيرها كمذكرة هرون وكوشيب إلا إذا وجدت اسناداً من مجلس الأمن وهو أمر مستبعد بالنسبة لي.
* عبارتك الأخيرة تبقى مجرد افتراض؟
ربما إذا كانت هناك قوى أمريكية متهورة لا يهمها استقرار الأمن في المنطقة ولا توجد قوى أخرى مسؤولة تتصدى لها ولكن هناك قوى تدخلت لمنع تمرير المواقف المتهورة مثلما حدث في زيمبابوي حيث كان الوضع اقل تهديدا للسلام وكذلك الحال في ميانما حيث تصدت الصين لمثل هذه السياسة التي هددت الاستقرار الاقليمي في آسيا، فمتابعاتي وقراءاتي تقول ان من المستبعد ان تجد المذكرة الاسناد الدولي.
* القوى الدولية د.أمين هي التي اوصلت القضية إلى مجلس الأمن وصدرت ادانات بالجملة ضد السودان ولم تستخدم لا الصين ولا روسيا حق النقض ضد هذه الادانات هذه هي القوى التي تعول عليها؟
هذا صحيح الوضع هذه المرة مختلف وستلجأ القوى المعادية للسودان لانفاذ قرار المحكمة خارج النظام القانوني الدولي.
* نبقى في دارفور د.أمين إذ قلت ان الرئيس الأمريكي الجديد سينتهج سياسة واقعية تجاه دارفور ويتخلى عن تلك المزايدات التي وصمت فترة الانتخابات الأولية، لكن واقع الحال الآن يقول غير ذلك فتشكيلة إدارته لا تبشر السودان بخير فنائبه جوجايدن ووزيرة خارجيته هيلاري كلنتون ومندوبته لدى الامم المتحدة سوزان رايس ينادون منذ بداية ازمة دارفور باستخدام القوة العسكرية ضد السودان، اين الواقعية هنا؟
السياسة الخارجية الأمريكية تصنعها مجموعات الضغط هذا معلوم لأي دارس للعلوم السياسية ودور جماعات الضغط تجاه دول العالم الثالث اكبر بكثير اذ لا توجد جماعات مقابلة تحمي مصالحها عكس الدول الاقوى فالصين والسعودية على سبيل المثال لديها مجموعات ضغط موالية لها داخل امريكا بلد مثل السودان وهو من بلدان العالم الثالث لا توجد لديه روابط اقتصادية تذكر مع أمريكا فيترك تحديد السياسة الأمريكية تجاهه لمجموعات الضغط والاعلام وغالبا ما تساير الادارات الامريكية هذه المجموعات إلى المدى الذي تعتقد انه لا يمس مباشرة المصالح الحيوية للإدارة الأمريكية فتكون هناك لحظات (توقف عقلاني) لفترة من الزمن، من ناحية أخرى المصالح في السياسة الأمريكية يمكن تفسيرها من خلال تسلم شخص ما لهذا المنصب أو ذاك.
* الديمقراطيون الذين حكموا امريكا طوال سنوات التسعينات انتهجوا سياسات عدائية ضد السودان؟
ونفس الديمقراطيين مهدوا لتغيير السياسة الأمريكية فيما بعد فتقرير معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية هو الذي هيأ لسياسة بوش التي عرفت باعادة تجديد الايقاد هذا التقرير اعدته الإدارة الديمقراطية في الرئيس السابق كلنتون لكن شخصيا لست متفائلا كغيري بأن هناك سياسة جديدة أو رؤية جديدة لاوباما هناك انتقادات صوبها اوباما ضد جماعات الضغط واعتبرها البعض مرحلة جديدة لادارته وهذه لا يمكن البناء عليها قد ينطبق هذا الفهم على مناطق أخرى لكن السياسة الأمريكية تجاه السودان ستسيرها جماعات الضغط كما عهدناها والتي حققت نجاحات كبيرة على المستوى الاعلامي ومن الصعب التراجع عن سياسات املتها اوضاع معينة لان التراجع الفجائي مستبعد.
* هل تعتقد ان سوزان رايس المندوبة الامريكية الجديدة في الامم المتحدة ستظل متمسكة بمواقفها المتشددة التي عرفت بها ابان إدارة كلنتون تجاه السودان؟
لا اعتقد ان سوزان رايس أو غيرها سيتأبطون سياسة قديمة أو مواقف عاطفية سابقة وان كانوا لم يتحللوا من ارتباطاتهم بجماعات المصالح المعروفة بعدائها للسودان.
* لعلك تذكر ان الديمقراطيين مارسوا دبلوماسية الصواريخ حينما قصفوا مصنع الشفاء في أغسطس 1998 هذه النبرة عادت مرة أخرى حينما يذكر اسم السودان؟
لا ارجح تحركاً عسكرياً ضد السودان؟
* الوضع في دارفور اعطاهم الغطاء المناسب لهكذا تحرك ونائب الرئيس جوبايدن ووزيرة الخارجية هيلاري كلنتون يقران هذا النهج؟
يمكن لهما التصريح بهذا القول فهو يطلق من باب الضغط والابتزاز السياسي.
* هم طرقوا تحديدا على مسألة حظر الطيران في سماء دارفور؟
هذا صعب من الناحية العملية وتجربة حظر الطيران التي فرضتها أمريكا وحلفاؤها على شمال العراق في سنوات التسعينات كلفت مليارات الدولارات رغم انها كانت تنطلق من قواعد تركية مهيأة جيدا لمثل هذه المهام، الآن إذا ارادت امريكا ان تنفذ حظرا على الطيران في دارفور هل تتوقع ان تنطلق مثلا من ليبيا أو الجزائر أو المغرب.
* الامريكان انشأوا قيادة عسكرية جديدة لافريقيا وتحدثت تقارير عن تهيئة قواعد عسكرية في تشاد لهذا الغرض وغيره؟
انشاء مثل هذه القواعد مكلف جدا الارقام ستكون بالمليارات قبل الحديث عن قواعد امعن النظر في ضعف همة العالم في تجميع بضع آلاف من الجنود لصالح قوات اليوناميد العاملة في دارفور هل تتوقع حماسة أكبر في عمليات ذات تكلفة أعلى! كل ما يقال في هذا الشأن لا يعدو كونه ضغط غير مفيد على الحكومة السودانية، الحكومة متجاوبة مع كل النداءات المعقولة من تقوية لليوناميد ووقف اطلاق النار واستمرار المفاوضات السياسية ولا يتوقع احد من هذه الحكومة ان تسلم رقبتها للآخرين.
* هل انت من القائلين بان علاقة السودان مع إدارة اوباما الجديدة ستكون في غاية السوء؟
ليس هناك من سبب يجعلها في غاية السوء بل في مستوى الحسن.
* سيظل الوضع مجهدا إذاً؟
إذا قلت بلغت مستوى السوء تفترض في هذه الحالة ان هناك استجابة كاملة للمتطرفين وليس هناك من دليل يؤشر على تغليب التيار المتطرف على غيره، اما الذين يعتقدون ان الإدارة الجديدة ستقبل على الحل الدبلوماسي بصدر منشرح استنادا على تجربة تجديد الايقاد فلا ارى مؤشرات تدل على ذلك رغم ان هذا هو الخيار الواقعي والعاقل وتسعى إليه كل الجهات مثل الجامعة العربية والاتحاد الافريقي والصين وروسيا وغيرها من القوى الحريصة على استقرار المنطقة.
* الخلاصة ان الصورة قاتمة وليس هناك ما يدعو للتفاؤل؟
التنبؤ في أي اتجاه لا يستند على معطيات كافية فيكون اشبه بالتمني وربما التخوف.[/ALIGN]