العدالة هي الحل

العدالة هي الحل
[JUSTIFY] ** مع غلاء أسعار الاسبيرات لم يعد هناك مجال للمفاصلة مع الكماسرة حول قيمة تذكرة المركبات العامة، ومع ذلك، ركبت إحداهن بص الكلاكلة برفقة ابنتها التي لم تبلغ سن الرشد، ودفعت قيمة تذكرة، ولكن الكمساري طالبها بقيمة تذكرتين، فرفضت بتبرير فحواه: (ما بدفع ليك حق تذكرتين، بتي دي صغيرة وما بقت على الدفع)، فتجاوزها الكمساري وهو يهمهم باستياء: (صغيرة قدر شنو؟ أي صامولة في العربية دي نحن بنشتريها بقروش، يعني بتك دي أصغر من الصامولة؟)… ومؤتمر اقليمي مهما أكمل جلساته يوم الخميس الفائت بالخرطوم باتفاق على توصيات مهمة ولو كان ذاك الكمساري متابعاً لهذا الحدث الاقليمي، لسأل سادة المؤتمر بذات الاستياء: (صغيرة قدر شنو؟)!
** لقد اجتمع وزراء الداخلية الأفارقة في مؤتمرهم الاقليمي بالخرطوم، وبعد يوم وآخر من النقاش اتفقوا على ضبط الأسلحة الصغيرة، (صغيرة قدر شنو؟)، الله أعلم، ولكن حتماً أسلحة الدوشكا والرباعي ومدافع الهاون والآر بي جي التي تكاد أن تصبح سلاحاً أبيضا – كما العكاكيز والسكاكين – ليست في حسبان السادة بحيث تشملها قائمة الأسلحة الصغيرة المراد ضبطها، ولو كانت كذلك، لما انتشرت في طول القارة وعرضها بغزارة لاتضاهيها إلا غزارة أمطار الاستوائية، ولن يكون خبراً مثيراً لو تجاوز استهلاك افريقيا للأسلحة معدل استهلاكها للغذاء والكساء والدواء، فالحال يمضي نحو الأسوأ بأجنحة (الجهل المركب)، والأنظمة الحاكمة هي التي تساهم في ذاك الجهل بخلق أسباب انتشار كل أنواع الأسلحة، صغيرة كانت أو متوسطة أو كبيرة!
** فالأنظمة الرشيدة هي التي تحتكر قوة السلاح في مؤسساتها النظامية فقط، وتدفع بشعوبها إلى حيث مواقع الإنتاج والعلوم لتسيطر على الآخرين بإنتاجها وعلومها، ولكن في افريقيا – حيث الأنظمة التي تفرخ الجهل والفقر والنزوح والخوف والاستبداد والظلم – يلهف كل مواطن فيها إلى امتلاك السلاح، إن لم يكن برغبة الهجوم على الآخر فتوجساً من هجوم الآخر عليه، فالأسلحة – كبيرة كانت أو صغيرة لا تنتشر في المجتمعات إلا حين تغيب العدالة، وحين يحل قانون الغابة محل القوانين التي تحفظ كرامة الإنسان، إنسان افريقيا – بسوء نهج ساسته – لم يبلغ مقاماً بحيث ينام مطمئناً، ولم يبلغ مقاماً بحيث يهنأ بحقوقه في الحياة، ولذلك – توجساً أو بحثاً عن تلك الحقوق – يلوذ بالسلاح، ليطمئن به أو ليبحث به عن حقوقه الضائعة، أو هكذا ينتشر السلاح، ولو كانت أنظمتكم – أيها الوزراء – تعترف بحقوقهم وتؤمنهم من الخوف، لاستبدل أفراد شعبكم الكلاش بالحاسوب والدوشكا بالمعاول!
** لم يناقش مؤتمر وزراء الداخلية الأفارقة أسباب انتشار الجريمة والعنف في القارة، بل اكتفى بالنقاش حول (كيفية الحد من الجريمة والعنف)، وقرر ضبط الأسلحة الصغيرة بمظان أن ضبط الأسلحة يعالج أسباب الجريمة والعنف، أو هكذا غطوا الشمس بغربال نهجهم، ثم خرجوا للناس بلسان حال قائل: اتفقنا على ضبط عمليات الاتجار والتداول في الأسلحة الصغيرة، اتفاق لا يتفق مع واقع الحال الافريقي، لأنه يعالج الأعراض ويغض النظر عن أصل الداء، من الاعتراف بحق المواطن الافريقي في أن يقرر مصيره ويحكم نفسه كان يجب أن ينطلق هذا المؤتمر وأي مؤتمر، بالديمقراطية والحرية والعدالة نهضت الأمم الغربية، وبالديمقراطية والحرية والعدالة شيدت عظمتها الحالية، وبالديمقراطية والحرية والعدالة اكتسبت المعرفة، وبالديمقراطية والحرية والعدالة نشرت الوعي في شعوبها ومجتمعاتها، بحيث صار الطفل وهو في مهد أمه يعرف (حقوقه وواجباته)، افريقيا بحاجة إلى ديمقراطية وحرية وعدالة، فقط لا غير، وإذا توفرت تلك، فلن يجد السلاح شارياً، وما لم تتوفر فإن المؤتمرات القادمة لن تكون لضبط الأسلحة الصغيرة، بل لضبط (من الدبابات ولي فوق)!
[/JUSTIFY]

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]

Exit mobile version