[JUSTIFY]إن أبيى أصبحت الآن على طرف كل لسان ويقتضي هذا معرفة التفاصيل الدقيقة عنها من حيث الجغرافية والتاريخ والمكونات الإثنية والحقوق التاريخية لكل طرف. وهناك ثمة معلومات لا اختلاف حولها بين الجميع وهي أنه في عهد الحكم الثنائي وعلي وجه الدقة فإن الحاكم العام والسكرتير الإداري والإداريين البريطانيين قد أقروا في عام 1905م عند ترسيم حدود المديريات أن منطقة أبيي تقع جغرافياً وإدارياً في مديرية كردفان. وعند تكوين المجالس الريفية بموجب قانون مارشال كون مجلس ريفي بحر العرب التابع لمديرية كردفان وفي الجلسة الافتتاحية للمجلس انتخب ناظر دينكا نقوك دينق ماجوك رئيساً للمجلس رغم أن الأغلبية داخل المجلس كانت للأعضاء الذين يمثلون قبائل المسيرية وجزءاً من قبيلة حمر إذ كانت أبوزبد تتبع آنئذ لذلك المجلس وكل هذا يؤكد (كردفانية أبيي) وفي ثمانينيات القرن الماضي كون الرئيس الأسبق جعفر نميري لجنة برئاسة السيد بشير الشيخ وكيل وزارة الحكومات المحلية لتحديد تبعية دينكا نقوك بأبيي وفقاً لرغباتهم. وكان دكتور فرنسيس دينق يعمل أيامئذ وزيراً دولة بوزارة الخارجية وشارك في هذا العمل، وقد اختار دينكا نقوك بمحض إرادتهم أن تكون أبيي تابعة لكردفان وليس المقصود بأبيي المدينة الريفية أو القرية التي تحمل هذا الاسم، ولكن المقصود هو المنطقة الشاسعة التي تقع حول هذه القرية أو المدينة الريفية من جهاتها الأربع. وهذه المساحة الجغرافية الشاسعة ظلت وعلى مدى عقود كثيرة خلت تضم المسيرية ودينكا نقوك الذين أتوا وافدين قبل قرنين من بحر الغزال واستقروا بها. والمعروف منذ القدم أن المسيرية وغيرهم من عرب البقارة يتجهون بأبقارهم صيفاً لبحر العرب ويمضون عدة أشهر ثم يعودون لديارهم بعد ذلك وهذه حقوق تاريخية أصيلة للبقارة ورغم وحدة القطر قبل الانفصال كانت تحدث مناوشات جماعية أو فردية ومن أشهرها الأحداث الدموية المؤسفة التي وقعت في عام 1964م وبفضل الله سبحانه وتعالى استطاع الناظر بابو نمر والناظر دينق ماجوك أن يصلا بحكمتهما لاتفاق أخمد نار تلك الفتنة. وبعد إعلان انفصال دولة الجنوب كثرت عمليات سرقة أبقار المسيرية وسلبها ونهبها والمعروف أن البقارة يحملون أسلحتهم التقليدية البيضاء أو أسلحتهم النارية البسيطة المرخصة من بنادق ومسدسات لحماية أنفسهم وماشيتهم وبعد إعلان الانفصال أخذت بعض العصابات تدعو لنزع السلاح منهم ليتسني الاعتداء عليهم ونهب ماشيتهم بسهولة ويسر. وإذا مضى مخططهم لضم منطقة أبيي لدولة الجنوب فإنهم سيعملون على نزع الحقوق التاريخية للبقارة وحرمانهم من مساراتهم المعروفة لبحر العرب واعتبارهم أجانب يتبعون لدولة أخرى وعلى أحسن الظروف يمكن أن يسمحوا لهم بالمرور وفق شروط قاسية مجحفة باعتبار أن ما ينالونه هو منحة مشروطة وليس حقاً تاريخياً أصيلاً. وقبل أكثر من ثلث قرن من الزمان أبدت شركة شيفرون اهتماماً بهذه المنطقة وبالتعاون مع جامعة هارفارد قامت بأخذ خرط وصور جوية واستكشافات جيلوجية أثبتت أن المنطقة غنية بالنفط ومن هنا زادت المطامع. وأن أكثر المتشددين الآن في ضم أبيي لدولة الجنوب هم بعض أبناء أبيي الذين نالوا مواقع قيادية في الحركة الشعبية واعتلوا في الفترة الانتقالية بعد توقيع اتفاقية نيفاشا مواقع تنفيذية رفيعة في حكومة الجنوب وفي الحكومة الاتحادية، وأذكر منهم على سبيل المثال دينق ألور الذي شغل في الفترة الانتقالية موقع وزير شؤون مجلس الوزراء الاتحادي وفي مرة تالية حل محل دكتور لاما كول وأصبح وزيراً للخارجية وأن توصيات محكمة التحكيم بلاهاى أشارت بوضوح لأن مسقط رأس دينق ألور والقرية التي وُلد ونشأ وترعرع فيها تقع في السودان الشمالي إذا تم تقسيم منطقة أبيي ويصبح دينق ألور بالتالي شمالياً وهو يرفض هذا لأنه يؤدي لفقدانه لأي موقع قيادي بدولة الجنوب ولذلك سعي هو وزملاؤه الآخرين لضم منطقة أبيي للجنوب من أجل طموحات ذاتية وللاحتفاظ بمكاسب شخصية. وقد حصلوا على أموال طائلة من المنظمات الأجنبية المعادية للسودان لإقامة استفتائهم الأخير في أبيي. وأن حكومة الجنوب برئاسة سلفا كير التي لها مصالح آنية مع السودان لا سيما في تمرير النفط عبر المصافي والأنابيب السودانية مع مصالحهم في التجارة وجلب السلع الحيوية الهامة فإنها أعلنت ظاهرياً أنها لم تشترك في تنفيذ هذا الاستفتاء ولا تعترف به. ولا ريب أن القوى الأجنبية التي تؤيد هذا الاستفتاء لها سيناريوهات معدة وهي تدرك أن ما حدث سيغضب المسيرية وهي تسعي لاستفزازهم أكثر لتدفعهم دفعاً ليقوموا بهجوم على دينكا نقوك ترصده أقمارهم الصناعية مع قدرتهم على الدبلجة ويتيح لهم ذلك شن حملة شرسة عن طريق آلتهم الإعلامية الاخطبوطية ضد البقارة وقبائل المسيرية بزعم الاستعلاء العرقي والعنصري ضد دينكا نقوك وأن دكتور فرانسيس دينق الذي كان يعمل بالأمم المتحدة وله علاقات واسعة هناك أصدر من قبل روايته طائر الشؤم وفيها إسقاطات وإشارات لتلك الأوهام عن الاستعلاء العرقي والعنصري وخلاصة القول إنهم يتحينون الفرص لإيجاد المبررات لتدويل القضية وقطعاً أن الطرف الجنوبي سيجد التعاطف المادي والمعنوي من المنظمات المعادية للسودان في أمريكا وإسرائيل وأوربا بل سيجدون تعاطفاً ملموساً في كثير من الدول الإفريقية، أما دولة الجنوب فإنها تضمن ضم أبيي إليها دون مواجهة مع الآخرين أي أنها تحقق نصراً بلا حرب. وإزاء ذلك هل يقف المسيرية بكل قبائلهم لا سيما الذين تقع عليهم المواجهة المباشرة أم ماذا يفعلون؟ والمواجهة لن تكون بين قبيلة وقبيلة ولكنها ستكون بين قبائل المسيرية من جهة ودولة الجنوب والقوى الأجنبية المعادية للسودان بدعمها المفتوح لهم مالياً ولوجستياً. وأن المسيرية والبقارة عرفوا بأنهم فرسان أشاوس وأبطال صناديد، ولكن القضية ليست قضية شجاعة أو بطولة ولكنها ستكون بين قوتين غير متكافأتين وفي كتابه حرب النهر شهد تشرشل بقوة شكيمة الأنصار المقاتلين في كرري ولكن لم يكن باستطاعة السلاح الأبيض مواجهة السلاح الناري، وفي زمن قصير استشهد أكثر من عشرة آلاف من الأبطال الصناديد وبذات القدر لا يمكن ترك عرب البقارة والمسيرية وحدهم في الميدان ولسان الحال يقول (رماه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك ان تبتل بالماء) وأن التصريحات النارية التي يطلقها بعض أبناء المسيرية في الخرطوم أو في مناطق المسيرية وتتلقفها أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة عن صدهم لاعتداءات المعتدين ودحرهم والانتصار عليهم. وأن حزام قبائل البقارة الطويل الممتد له دور وطني مشرق ومشرف في السلم والحرب وكانوا هم حائط الصد الصلد ضد هجمات المتمردين ودافعوا عن العقيدة والوطن بكل بسالة وآن الأوان أن نرد لهم دينهم الذي طوقوا به عنق الإنقاذ والوطن جميعه وأن على الحكومة الاتحادية أخذ زمام المبادرة بعقد مجلس الوزراء الاتحادي جلسة خاصة مفتوحة ومذاعة يفردها لهذه القضية الحيوية وعلى الحكومة أن تبادر بعقد ملتقى مشترك مع حكومة الجنوب يشترك فيه رموز المسيرية ودينكا نقوك لنزع فتيل الفتن درءًا للمخاطر ولعدم خلق كشمير أخرى. ويمكن أن يتفق الطرفان على جعل المنطقة منطقة تكامل مع منح الجنسية المزدوجة لمن يرتضيها مع منح دينق ألور وجماعته الجنسية الجنوبية ليتسني لهم اعتلاء أرفع المواقع هناك ويكون هذا عربون صداقة بين الدولتين والقضية قضية دولتين جارتين كانا لعهد قريب دولة واحدة وهي ليست قضية قبيلتين فقط ولكنها أشمل من ذلك.