بعد أن كان الشفاء مربوطاً في نواصي مشرطه الطبي، تحول بخفة الفراشات إلى أكثر طبيب مثير للجدل، تتناوشه القضايا من كل حدب وصوب؛ فمنذ أن خلع د.كمال أبو سن كمامته، عقب العملية الجراحية التي أجريت للحاجة الزينة بمستشفى الزيتونة، وغادر خارج البلاد لتدهور حالة الزينة، التي فارقت الحياة بعدها، فُتح باب الريح في وجه الرجل الذي قال عن نفسه في أحد الاحتفالات التي كانت تقام على شرفه: “قد كنت بارعاً ومبدعاً في الرتق، والنسيج منذ صباي، وكنت أفضل من ينسج العناقريب والسراير بالقرية، وهذا بمثابة نبوغ مبكر في عوالم الجراحة التي تستدعي البراعة والخيال والإبداع، وإتقان الرتق والنسيج”. ويبدو أن الانتقال الضوئي للرجل من هواية التحكم في نسج العناقريب إلى التحكم في نسج أحشاء الناس وشفائها، جعل منه أسطورة، فقد كان في بعض الأوقات بمثابة الطيب الشافي، ما إن تمسّ يده كلية حتى تبرأ من كل فشل. وانداحت سيرته بين القرى والفرقان، بأنه لا يرد مريضاً حتى وإن غلبه المال، واستحكم فيه الداء، ليتحول إلى “الطبيب الطيب”، وأقام منظمة خيرية لمساعدة الناس، ولكن كما إن الملك يُعطى فإن المجد ينزع، بعد أن تكررت عثرات الرجل، وحامل المشرط هفوته ليس كهفوة الشاطر بألف وإنما هفوته تكلف حياة، وهو الذي توزعت مشكلاته من الخرطوم إلى لندن، وهو بين كل هذا يقف مبتسماً ويقول: “أنا مستهدف”.
التأرجح الحرج
وعند فتح سيرة مستر أبو سن، نجعل الطيّب في سيرته مستهلاً للتعريف به، وهو الذي يزهو بنفسه حتى لا يتردد البعض في أن يصفه بالنرجسي، وقد قال ذات نهار بعد أن انهالت عليه السهام إنه “تخرج في جامعة الخرطوم من كلية الطب في العام (1981)، بعد تنقله في الكثير من المدارس، آخرها مدرسة حنتوب، التي كان رئيساً لطلابها بالداخلية”، ويشير إلى أنه قد عمل في المملكة العربية السعودية ما بين (1986و1988) وبعدها بإيرلندا لمدة ثلاث سنوات، ثم خاض تدريباً مستمراً في بريطانيا في تخصص جراحة الكلى منذ العام (1992)، إلى أن منح التخصصية في العام (1999)، وأصبح يتمتع بكافة حقوق الأطباء الاستشاريين في جراحة الكلى، منذ ذلك الوقت وحتى الآن، ويشير أبو سن إلى أن أول رحلة عودة له للبلاد، كانت في العام (2002)، إذ أجرى فيها أول عملية لزراعة الكلى بمستشفى «أحمد قاسم»، وقتها كان المستشفى متواضعاً. ويضيف أنه قد زار مدينة ودمدني في العام (2003)، وأجرى بها أكثر من (60) عملية جراحية لزراعة الكلى، وكانت تلك أول بادرة لتوطينها، وأنه قد انتقل أخيراً لمستشفى الزيتونة، وأجرى بها أكثر من (39) عملية جراحية، كانت ناجحة بنسبة 100%، حدثت فيها حالتا وفاة فقط، هما الحاجة «الزينة»، ومتبرع آخر.
ومن آخر حديثه، نبدأ تقليب السيرة التي لن يرويها عن نفسه، ولكن ترويها قصة الحاجة الزينة التي أجريت لها عملية جراحية لزراعة كلى بمستشفى الزيتونة، تحت إشراف أبو سن، ولقصة الحاجة الزينة روايتان، أولاها يرويها ذووها، بأنه بعد إجراء أبو سن للجراحة غادر البلاد، ولم تشفَ الحاجة، فذهبوا بها إلى مصر ليكتشفوا عدم نجاح العملية، ثم عادوا بها إلى مستشفى الزيتونة، وظلت بها 45 يوماً وكانت أحشاؤها في الخارج، إلى أن توفيت محملين أبو سن المسؤولية عن هذا الأمر، إذ غالبهم الأسى إلى أن اعتصموا أمام المستشفى، حاملين لافتة توضح حالهم؛ إلا أن رواية الرجل لما حدث تختلف، فهو يقول إنه قد أجرى العملية قبل أربعة أشهر، وكانت العملية ناجحة، لأن نجاح العملية يحسب بعد شهر من إجرائها، ولكن بعد ذلك حدثت لها مضاعفات، الأمر الذي دعا لإجراء بعض الفحوصات، فكانت غير موجودة بالبلاد، ويضيف: “طالبنا أسرتها بسفرها للخارج، وحدث لها إمساك وانتفاخ بالقاهرة، فأوقفت عن الأكل والشرب، وكانت قد ذهبت إلى هناك بكلية تعمل، وبعد ذلك أصبحت تلجأ لغسيل الكلى، فجاءت لمستشفى الزيتونة، لكن كانت كليتها معطلة، فكان لا بد من إزالة هذه الكلية، وكان ذلك بتاريخ (2013/1/10)، وظلت تحت رعاية اختصاصي الباطنية، فحدث لها نزف وقرحة فهبطت صفائحها الدموية، وحدث لها تسمم في الدم، لضعف المناعة، وبعد ذلك توقف الدم عن المخ، وحدثت لها تشنجات من المضادات الحيوية وملاريا، فتم نقلها للعناية المكثفة بتاريخ (24/1)، فظهرت فتحة تحت الجلد بتاريخ (4/2)، وخرجت سترات من القلب، وإذا حاولنا إرجاعها لن تتحمل ذلك؛ لعدم مقدرتها على تحمل البنج، ورأوا علاجها عن طريق الملاحظة، وأثناء ذلك كانت تعاني من نزف حاد وتسمم أيضاً وتشنجات، فظهر مع الفتحة المصران الغليظ، ورفضت أسرتها إجراء عملية بالبنج الموضعي لإرجاعه، فلجأنا للمجلس الطبي السوداني، فجاء قراره موافقاً لما ذهبنا إليه، وعادت أسرتها للموافقة، إلا أن مشيئة الله كانت هي الغالبة.
أزمة أخرى
قبلها وفي العام 2009م، كان أبو سن متهماً أيضاً في قضية مماثلة، إذ تقدم عادل الأمير بشكوى للمجلس الطبي، عقب وفاة أخيه محمد إثر عملية جراحية تمت بيد أبو سن بمستشفى الخرطوم، وفي العام 2012م صدر قرار من المجلس الطبي، قضى بإيقاف أبو سن من ممارسة مهنة الطب في السودان لمدة عام، وقالت حيثيات قرار الإدانة، إنه لم يكن هناك توثيق كامل لإجراءات التحضير للعملية، وكذلك الإجراءات أثناء العملية وبعدها، وإن هناك تقصيراً في التعامل المهني مع هذه الحالة وفقاً للبروتكول المعمول به في السودان، واعتبرت اللجنة أن المسؤولية المباشرة تقع على رئيس الفريق المعالج (د. كمال أبو سن)، وهو قرار مسبوق بإيقاف الرجل من العمل بدولة الإمارات، ليعلق الرجل في حوار لإحدى الصحف – بأن “أعداء النجاح يقومون باستهدافه، وأن القرار مأساة لسمعة الطب، وأنه محسود مثل اللاعب هيثم مصطفى الذي كانت تشن عليه وقتها حملة، لأنه انتقل لفريق المريخ، وأنه أجرى عملية لمريض، وسافر للإمارات، ثم حدث له تسمم في الدم وانتكس، وهذا شيء متوقع حدوثه لزارعي الكلى”، مواصلاً السرد: “وعاينته بمستشفى آخر نظراً لعدم توفر سرير بالذي أعمل به، ولكن توفي المريض، فتقدم شقيقه ببلاغ ضدي، وصدر قرار بإيقافي فاستأنفت، فشطبت الدعوى ضدي، لكن أسرة الراحل استأنفت قرار الشطب، فصدر قرار على عجل بإيقافي من وكيل وزارة الصحة الإماراتية، وسحبت رخصتي من الإمارات، وكان من المفترض أن أستأنف قرار وزارة الصحة، لكن لا وقت لديّ لأضيعه، وعدت للبلاد لأمارس مهنتي وسط أهلي، ولكن الشاكي لاحقني، وفتح بلاغاً آخر في مواجهتي بالسودان، وتم إيقافي، واستأنفت وتمت تبرئتي منها، واستأنف الِشاكي وصدر قرار بإيقافي لمدة عام”.
اتهامات التحرش
آخر العواصف التي مرّ بها الرجل، كانت من خارج الحدود في بريطانيا، حيث اتهم بالتحرش الجنسي، وأنه لمس فتاة بشكل غير لائق في مناطق حساسة، أثناء الفحص الطبي. وعلق أبو سن على هذه التهمة بالقول إنه لا يتذكر هذه الفتاة أصلاً، وقال إن هذه العملية التي أجريت للفتاة، يمكن أن تسبب النزف الداخلي، وإنه يجب الضغط على أسفل البطن للتأكد من عدم حدوث النزف، ونفى لمس أجزاء حساسة من جسمها.
وبعد بدء إجراءات المحاكمة، صدر قرار من المحكمة البريطانية، ببراءة الرجل من التحرش، بعد أن وافقت هيئة المحلفين المكونة من أربعة رجال وثماني نساء، على إعلان تبرئة الرجل بالإجماع، لتستمر ابتسامة أبو سن، ولكن ما علق من سيرته قد لا تستطيع تلك الابتسامة ذات البراءة أن تعيده لسيرته الأولى؛ ويبدو أن الرجل الذي قال إنه يطرب لصوت إنصاف مدني، وخاصة أغنيتها (من المسلط من العين الشافتو ما صلّت)، قد أصابته العيْن، ولا ندري إن كان السبب يرجع لعدم الصلاة بعد الرؤية أم هفوات المشرط.
تقرير: خالد أحمد –السوداني