دارفور وغزة .. الدوحة منصة الانطلاق للحل

[ALIGN=JUSTIFY]على الرغم من انشغالها بما يدور في غزة وسعيها لعقد قمة طارئة في الدوحة أمس الجمعة، لم تنسَ القيادة القطرية أزمة دارفور، حيث ترأس الشيخ حمد جبر آل ثاني رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الأسبوع الماضي اجتماع اللجنة الوزارية العربية الأفريقية حول السلام في دارفور بفندق الشيراتون بالدوحة بمشاركة وزراء خارجية وممثلي كل من سبع دول عربية هي (قطر، السعودية،مصر ،ليبيا،سوريا،الجزائر ،والمغرب)وسبع دول أفريقية هي (بوركينا فاسو ،تشاد ،تنزانيا ،جنوب أفريقيا ،السنغال، نيجيريا ،والكنغو برازفيل) وبحضور كل من جون بينج رئيس مفوضية الإتحاد الأفريقي والسفير أحمد بن حلى نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية والسيد احمد بن عبد الله آل محمود وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري مسئول ملف دارفور ورمضان العمامرة مفوض السلم والأمن الإفريقي وجبريل باسولى الوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.
ويصف بعض المراقبين الاجتماع بأنه محاولة لاستباق ما قد يصدر من قرار من محكمة الجنايات الدولية بإيقاف الرئيس البشير، لكن المتابعين بدقة لملف دارفور، يعتقدون أن الاجتماع كان مقررا له أن يعقد الأسبوع الماضي غير أن سفر بعض وزراء الخارجية العرب الأعضاء في الاجتماع إلى نيويورك لمتابعة تداعيات الحرب على غزة حال دون عقد الاجتماع.
وبقراءة بيان اجتماع الدوحة في شأن الأزمة السودانية، يرى المراقبون جملة أمور لعل في مقدمتها أن الدبلوماسية القطرية النشطة لحلحلة الكثير من القضايا العربية أصبحت ظاهرة تستحق الوقوف عندها طويلا، حيث يرى البعض أن قطر تقوم بدور يتخطى حجمها الجغرافي والسكاني كثيرا مما يحرج دولا كثيرة في محيطها العربي والخليجي والإقليمي كونها تتصدى لأخطر القضايا في المنطقة، فبعد نجاحها في جمع الفرقاء اللبنانيين في الدوحة وحل المشكل اللبناني الذي استعصى على الكل هاهي الدوحة تتصدى بذات الدبلوماسية الحكيمة التي يقودها سمو أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جبر آل ثاني تتصدى لأخطر مشكلتين تؤرقان العرب والأفارقة والمسلمين بل العالم اجمع مشكلة دارفور والحرب على غزة ،فبدبلوماسيتها الهادئة النشطة تتابع جهودها لجمع السودانيين لطاولة مفاوضات لتحقيق المصالحة الوطنية والسلام الشامل العادل وخلق إجماع وطني كفيل بإطفاء النيران المشتعلة في السودان في ذات الوقت الذي تسعى فيه لإيقاف نزيف الدم الجاري في غزة وهو لعمري جهد تتقاصر دونه طاقات الدول والحكومات.
وكان إجتماع الدوحة قد أطلع المشاركين فيه على نتائج تحركات الدبلوماسي القطري أحمد عبد الله آل محمود بين الفرقاء السودانيين والدوائر ذات الصلة بالأزمة في دارفور خاصة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة وفرنسا وأمين عام الجامعة العربية وأمين عام الأمم المتحدة وغيرهم من الشخصيات قرر الاجتماع.
ويبدو ان أهم ما تضمنه اجتماع الدوحة بشأن دارفور في بيانه الأخير، هو إرسال وفد إلى نيويورك حيث مقر الأمم المتحدة ومجلس الأمن يتكون من دولة قطر والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، على أن تكون مهمة الوفد التنسيق مع الدول العربية والأفريقية الأعضاء بمجلس الأمن لحشد التأييد الإقليمي الدولي اللازمين لدعم أهداف اللجنة المتمثلة في تحقيق السلام في دارفور من خلال الحوار وحده، وإيقاف أية محاولة للضغط على الخرطوم بورقة المحكمة الجنائية الدولية.
لكن إلى أى مدى يمكن أن ينجح الوفد في هذه المهمة؟ إذ ان النجاح يعتمد على عدة معطيات بعضها تتعلق بنفوذ قطر لدى العديد من الجهات الإقليمية والدولية ودوائر صنع القرار حول قضايا مثل هذا النوع، فضلا انها الدولة المستضيفة للمفاوضات المرتقبة.
ومعروف أن قطر تتمتع بعلاقات جيدة مع العديد من هذه الجهات الدولية المؤثرة في الشأن العالمي، مثل فرنسا التي زار رئيسها نيوكلاي ساركوزى الدوحة قبل نحو شهر، وقد تحدث إليه المسئولون القطريون بضرورة دعم ودفع هذه المفاوضات لا سيما وان أحد قادة فصائل التمرد بدارفور يقيم على أرضها (عبد الواحد محمد نور)، كما أبلغ القطريين الرئيس الفرنسي، بأن من مصلحة الحكومة الفرنسية أن تعمل أولا على عدم صدور أي قرار من محكمة الجنايات الدولية يقضى بإيقاف البشير لما يمكن أن يترتب عليه من مخاطر جسيمة وتعقيدات كبيرة لمنطقة تهتم بها فرنسا كثيرا كمناطق نفوذ لها ولديها فيها مصالح عديدة.
وفي جانب آخر، توجد عناصر أخرى تساعد قطر على لعب دور مهم في ملف دارفور، فقطر لديها علاقة جيدة مع الولايات المتحدة، ويشار هنا الى الإشارات الايجابية التي تلقتها قطر من المبعوث الشخصي للرئيس الامريكي المنتهية ولايته ريتشارد وليامسون وهو المسئول عن ملف دارفور في الإدارة الأمريكية، والذي أكد دعمه للمبادرة والوساطة القطرية ولمؤتمر الدوحة، كما أن القيادة القطرية كانت قد اجرت اتصالات بشأن دارفور بالإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة باراك اوباما، وتلقت الدوحة وعودا من الادارة الجديدة بدعم جهودها لإحلال السلام في دارفور.
لكن مراقبين يعتقدون ان الدبلوماسية القطرية تحتاج لبذل مزيد من الجهود مع الادارة الامريكية الجديدة بشأن دارفور، خاصة وأن الادارة الجديدة تعهدت بتغييرات كبيرة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وبالنظر الى العلاقات التجارية بين واشنطن والدوحة، فإن بقطر قاعدة أمريكية هي قاعدة السيلية، مما يشير إلى أن الدبلوماسية القطرية يمكن أن توظف بالتعاون مع أصدقائها الكثر على المستوى الدولي لصالح قضية دارفور ليس داخل أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن فحسب بل حتى مع الحركات الدار فورية سيما وان المشكلة لها علاقة قوية بقضايا الظلم والتهميش في تقسيم الموارد وتوزيع السلطة فإذا ضمنت الحكومة توزيعا عادلا للثروة فان قطر والدول العربية قادرة على مساعدة الحكومة السودانية في تعمير ما دمرته الحرب خاصة أن سمو أمير قطر أبدى استعداد بلاده لدعم صندوق اقترحه لاعمار غزة بمبلغ ربع مليار دولار كما أن القطريين اجتمعوا بوفد من حركة العدل والمساواة في الدوحة ويتطلعون إلى عقد اجتماع آخر مع قادة الحركة فضلا أن العالم كله لا يريد أن يرى مجازر جديدة وانهار دماء أخرى تجرى في صحراء دارفور وفى أوديتها خاصة في حال صدور قرار من المحكمة بحق البشير، إذ عندها لا يتوقع أحد ما سيجرى بالضبط، فكافة الاحتمالات واسوأ السيناريوهات وارد حدوثها على المسرح السوداني.
وتبدو كافة السيناريوهات المحتملة، بعيدة تماما عن المصالح الدولية او الاقليمية، أو السودانية، فالولايات المتحدة الامريكية في عهد اوباما لن تكون قطعا سعيدة بنسف اتفاق السلام الذي أوقف أطول حروب إفريقيا في الجنوب بمساعدة إدارة سلفه بوش ولا فرنسا ستقبل اضطراب دولة قريبة من تشاد ولا الرئيس ادريس دبي نفسه سيجني شيئا من تدهور الأوضاع في دولة جارة ولا الأمم المتحدة ستكون بمنأي من تداعيات أزمة كهذه ولا حتى الحركة الشعبية يمكن أن تضحى بما تحقق لها من مكاسب ظنا منها أن الفوضى الخلاقة يمكن أن تكرس سياسة الأمر الواقع بفصل الجنوب عن الشمال.
ويخشى المراقبون أن تؤدي تداعيات ازمة دارفور خاصة قضية محكمة الجنايات الدولية، لن تكون في مصلحة أى دولة أو جهة أو حركات أو منظمات إقليمية أو دولية، ذلك أن الفوضى حتما ستحرق الأخضر واليابس، مما يتطلب دعما عربيا وافريقيا ودوليا وسودانيا، لمساعي قطر لإحلال السلام في السودان قبل فوات الأوان؟
سليم عثمان: الصحافة[/ALIGN]
Exit mobile version