[JUSTIFY]
إذا كان من الطبيعي أن يشعر المواطن السوداني داخل بلاده بالمعاناة الاقتصادية، وإضافة إليها المعاناة الأمنية في بعض المناطق في غرب البلاد وجنوبها الغربي، فالغريب أن يعاني المغتربون من القرارات الحكومية وهم خارج البلاد لا يستمتعون بخدماتها بقدر المتوفر سواء تعليم حكومي أو علاج مثله أو غير ذلك. والمغتربون بالنسبة للظروف المعيشية التي يمر بها السودان خاصة في هذه المرحلة التي تليها ــ بالنسبة للأغلبية ــ مرحلة السقوط في هاوية المعاناة الاقتصادية بالرغم من أن المعاناة الأمنية ومشكلة الاستقرار بدأت حسب الشواهد في الانحسار، إن المغتربين بالنسبة لهذه الظروف يعتبرون سلاحاً ذا حدين، فهم خارج البلاد يقللون من وطأة الحاجة إلى الخدمات الحكومية للأغلبية الفقيرة، ويدعمون اقتصاد البلاد في نفس الوقت بتحويلاتهم التي يقول الأمين العام لجهاز السودانيين العاملين بالخارج كرار التهامي إن قيمتها تبلغ ستة مليارات في العام.. وهو يحتج على قرار وزارة المالية القاضي بفرض ضريبة على المغتربين، قال إنها ستسبب خسارة اجتماعية واقتصادية. ولعله يقصد هجر الوطن بعد مغادرته على أمل العودة بعد تحسين الأوضاع المادية أو زيارته من حين إلى آخر. وكان التهامي في تصريحات صحفية قد لخّص ما يمكن أن ينجم عن قرار الوزارة في عبارة العامية السودانية حيث قال وهو يشير إلى وزير المالية بالاسم : «علي محمود داير يطفّش المغتربين من البلد».. انتهى. لكن قرار الوزارة يخضع لدراسة لجنة لآثاره التي قد تترتب عليه، شكّلتها رئاسة الجمهورية. وكان الأمين العام لجهاز المغتربين قد استبق إعلان نتائج دراسة اللجنة الرئاسية بتصريحات صحفية أبرز فيها أرقاماً ليبين بها مدى ضرر قرار المالية على اقتصاد البلاد إذا أُدخل حيز التنفيذ. أي أن الهدف من القرار لو كان هو الإسهام في المعالجة الاقتصادية في الداخل من أموال المواطنين العاملين في الخارج، فبصورته هذي ستكون النتيجة عكسية. أي كما يقول المثل «جاء يكحلها لكنه أعماها». يقول كرار التهامي إن قيمة التحويلات من المغتربين تبلغ ستة مليارات في العام وإنها كانت قد وصلت في العامين 2007م و2008م إلى ثلاثة مليارات و165 مليوناً وكذلك السنوات التي تلتها واستمرت إلى الأفضل. ويقول بأن الضريبة المباشرة لا تتجاوز المليونين من الدولارات وقد لا تصل إلى هذا المبلغ. وقال إن الحسابات المنطقية هي أن تعتمد الدولة على التحويلات وليس على الضريبة المباشرة.
هذا هو التنوير الذي قدمه التهامي قبل إعلان ما ستتوصل إليه اللجنة الرئاسية ولا بد أنها ستضعه في الاعتبار.
لكن السؤال هنا هو: ألم تدرس وزارة المالية مشروع قرارها هذا جيداً قبل أن تقذف به نحو آمال المغتربين؟!.. ألم تعلم أن الفرق بين الأرقام لا يوفر داعياً لإصدار قرارها شديد الوقع على نفوس المغتربين؟! وهل هؤلاء المغتربون حتى بعد ابتعادهم عن وطنهم تطاردهم لعنة الظروف الاقتصادية في البلاد وهم ضمن الإسهام في معالجتها يعتبرون السلاح ذا الحدين كما أشرنا آنفاً ؟!
لكن ربما انحسر وتضاءل رقم التحويلات الآن ورأت وزارة المالية أن تتعامل مع أصحابها بسياسة «جرادة في الكف ولا ألف طائرة». أو أن الوزارة قامت بدراسة مستقبلية أفادتها بأن «أم جركم ما بتأكل خريفين» بعد الآن وهو مثل من أمثال غرب السودان معناه أن الجرادة لا تعيش فترة عامين لتشهد خريفين تستمتع فيهما بنبات الأرض المروية بالأمطار. اللجنة الرئاسية ربما تلعب دور المرافع عن وزارة المالية وتخرج بتبريرات يمكن أن تكون منطقية من ناحية عملية اقتصادية دقيقة، لكن ما ذنب المغترب الذي حتى إذا غادر البلاد ليستفيد ويفيدها ويوفر لمن هو فيها باقٍ، ما ذنبه يخرج منها ويجر معه أذيال المعاناة أيضاً؟!!
نلتقي غداً بإذن الله
صحيفة الإنتباهة
ع.ش
[/JUSTIFY]