بشير النفيدي .. رحيم بأهله والضعفاء نسجت خيوطه التصوف

[JUSTIFY]”قنديل السماء وضو البلد يا حليلو ..

قمر السبعتين الكان منور ليلو”

هكذا نعى الشاعر أحمد الفرجوني الحاج بشير النفيدي الذي شق رحيله على الناس وعز عليهم باعتباره واحداً من أفذاذ بلادناوكان يشكل “ركازة” أخلاقية وإنسانية واقتصادية ذات قيمة عالية.

الحاج بشير أحمد محمد صالح النفيدي الشهير بـ “بشير النفيدي” والمولود في 1917م بمدينة القطينة، كان شخصاً غير عادي في تكوينه الإنساني،وكان استثنائياً في كل تفاصيل حياته وتعامله مع محيطه.

توفيت والدته وهو طفل لم يتجاوز الثلاث سنوات وذاق مرارة فقد الأم في طفولته ولكن حرص والده على الاهتمام به بشكل خاص.. ورعاه رعاية فعلية كان طابعها عزة النفس والتصوف والتدين وحسن السلوك.. ولم يتلق الحاج بشير النفيدي تعليماً نظامياً ولكنه كان ذكيا بالفطرة فعلمته الحياة وهي مدرسة ليست سهلة.. فكان يجالس الخيرين ويستمع للحكم والمواقف.. والقصص التي اختزنها في عقله الباطن وشكلت في دواخله ضوءا ساطعا نحو الحياة والتعامل معها خاصة أن والده كان من أعيان القطينة ورمزا من رموزها.. بيته مفتوح على مصراعيه للضيوف كما قلبه الكبير لذلك كان ذلك البيت قبلة لكافة ألوان الطيف السوداني مما أضاف للحاج بشير النفيدي ذخيرة واسعة من المعارف.

يتصل نسب الحاج بشير النفيدي إلى سريح بن سالم وهو من فروع الشايقية الذين ينحدرون من جريف نوري.. وقد هاجر جده من بلدته جنوباً واستقر به المقام بمنطقة (الابيضاب) التي تقع على الضفة الغربية لنهر النيل غرب جبل أم علي وعلى بعد كيلومترات من منطقة (المكنية) وقد تزوج من (الابيضاب) ولكن لم ينجب من تلك الزيجة الميمونة.. وسرعان ما هاجر لمنطقة (القطينة) التي تزوج فيها ووهبه الله البنين من تلك الزيجة؛ ثلاثةأبناء وبنت هم (محمد وصالح وبشير وفاطمة).

عرف الحاج بشير النفيدي بالوعي المبكر واللافت للانتباه فكان خلوقاً يعامل الناس بالتي هي أحسن.. سمح إذا باع وإذا اشترى وإذا تعامل.. كان صادقاً في تفاصيل حياته مما جعله محبوباً في أوساط الناس يثقون فيه ويتعاملون معه بكل أريحية وكان محبا للتجارة منذ طفولته لذلك طرق مجالات عدة وعندما فكر في توسيع رقعته التجارية غادر القطينة ليلتحق بشقيقيه (أحمد وصالح) اللذين كانا يديران متجرا في السوق العربي وعمل معهما.. بعدها قرر أن يخوض حياته التجارية لوحده وعمل في مجال النقل والترحيل ثم فتح الله بصيرته للعمل في مجال الزيوت فاشترى مشاريع زراعية وتخصص في زراعة الأقطان وأقام مصنعاً للزيوت يحمل اسم (مصنع النفيدي للغذاءات).

لقد كان الحاج بشير النفيدي أنموذجاً نادراً ومثالا للرأسمالي الوطني الذي أسهم بقوة دفع عالية في الاقتصاد الوطني والنهوض به نحو فضاءات فسيحة وذلك من خلال أفكاره النيرة ومشاريعه الهادفة وتحريك قطاعات الإنشاءات حيث استطاع إقناع كبريات الشركات العالمية بولوج السودان،وظل يعمل في مختلف المشروعات الحيوية ذات الفائدة ولأنه كسب ثقتها تحول إلى وكيل لتلك الشركات التي أحرزت نجاحات لا ينكرها حتى المكابر.

عرف أيضاً الحاج بشير النفيدي بالتواضع الجم والأدب الرفيع وحسن الخلق والأخلاق كذلك كان محبا للفقراء والمساكين عطوفا عليهم يقضي حوائجهم في سخاء المطر.. ولم يعرف عنه أنه غض طرفه أو أهمل مسكينا بل كان كفه جواداً كريماً.. يعطي بيمينه ما لا تعلم شماله.

كذلك كان الحاج بشير حريصا على دمج الخريجين في مشاريعه وفتح فرص العمل لهم وعرف بأنه وفر أكثر من عشرة آلاف وظيفة للخريجين من أبناء بلادي كانت سنداً وعوناً لتلك الأسر التي لم تنس فضله عليها خاصة وأنه عرف بمواقفه في الشدائد ومواضع البذل والعطاء حين يشتد البأس بالناس ويعلم القاصي والداني ما قام به من نقل إمدادات برنامج الغذاء العالمي إلى الصومال وتشاد وإثيوبيا تلك المناطق التي ضربتها الحروب كذلك اهتم بتأسيس دور التعليم والرعاية الصحية فهو يحب الخير لكل الناس!!

ظل الحاج بشير النفيدي صديقا صدوقا لكافة الشخصيات السودانية المؤثرة من آل الميرغني وآل المهدي وآل الهندي.. وكذلك زعماء القبائل والعشائر وكل أولئك يستمدون منه الرأي السديد في كافة القضايا الوطنية والخاصة.

وتميزت تربيته لأولاده بالحزم الشديد ولكن برأفة وحب وعلمهم حسن التعامل والأدب وحرص على أن يتبوأوا مقاعد أمامية في الحياة العامة ولذلك شدد على أهمية التعليم بالنسبة لهم وفي أرقى الجامعات العالمية في أمريكا ولندن وعرف أولاده بأنهم أكثر التصاقاً بوالده موبراً به.. لذلك وفقه الله في حياتهم.. وخدمة بلادهم دون ضوضاء وجلبة وكذلك خدمة البسطاء والمساكين وهم ينفذون وصية ذلك الرجل الذي يمثل علامة فارقة في الحياة السودانية ويكفي أنه أوصى أولاده بأصدقائه ورفقاء دربه والإحسان إليهم وما زالت الوصية تنفذ بحذافيرها.

ولقد كرمه الرئيس عمر البشير أثناء حفل التأبين الذي أقامته له أسرته وأطلق اسمه على أكبر شوارع الخرطوم (شارع الستين) وطالب بالتوثيق لمسيرته حتى يكون نبراساً ومثالا للأجيال القادمة باعتباره واحدا من مؤسسي مؤتمر الخريجين واقتصاديا نادرا وإنسانا استثنائيا.

إلا رحم الله الحاج بشير النفيدي ذلك الإنسان الأنموذج الذي قل أن يجود الزمان بمثله وجعل قبره الجنة ووسع مرقده وأحسن مدخله وأكرم أولاده وذريته بالبركة والخير.

صحيفة اليوم التالي
عوض محمد أحمد
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version