أوائل الشهادة الثانوية .. لا أحد بارز عدا (عبد الله الطيب والترابي)

[JUSTIFY]ظلت الشهادة الثانوية تمثل المعيار الوحيد لقياس التفوق، بغض النظر عن معايير قياس الذكاء المتعارف عليها عالمياً، إذ جرت العادة أن يتبوأ (100) طالب قائمة الأوائل في امتحانات الشهادة الثانوية المؤهلة لدخول الجامعات والمعاهد العليا، وتلقائياً تنهال عليهم التبريكات والتكريمات، وربما يتشرف بعضهم بمقابلة رؤساء الجمهورية. وكان في العهد الذهبي للتعليم في السودان تشترك كل أقاليمه بحدودها الجغرافية القديمة في رفد قائمة الـ(100) الأوائل الموسومين بالمتفوقين قبل أن تحتكرها (ولاية) الخرطوم وحدها.
الخرطوم تنفرد وتبعاً لما طرأ من تغييرات كبيرة وعميقة في العقود الأخيرة على بنية المجتمع السوداني في كل مناحي الحياة، احتكرت ولاية الخرطوم شرف الفوز بالنصيب الأكبر من قائمة المتفوقين، وذلك لأسباب عديدة ليست موضع طرح في هذه المساحة، ورغم أن الولايات الأخرى كانت سباقة لإحراز المركز الأول، كما حدث في العام 1960م، حيث أحرز الطالب (كمال الهادي عبد الرحمن) من مدرسة حنتوب الثانوية المركز الأول، وفي العام 1965م أحرزه الطالب (ماريو بيتر بوجالي) من مدرسة رمبيك الثانوية، وفي العام 1971م حققه (هاشم باشري عبد العاطي) من مدرسة بربر الثانوية، أما في 1974م فتبوأه الطالب (الطيب الريح خلف الله باشري) من مدرسة عطبرة، وخلال العقود الأخيرة لم تحظ جل الولايات بمراكز متقدمة إلاّ استثناءً كما في حالة الطالب (طه يعقوب إبراهيم) من مدرسة الاعتصام بكسلا في العام 2011م.

وخلال العقدين الأخيرين ظلت ولاية الخرطوم تتربع على القائمة وحيدة، عدا بعض الحالات النادرة من بقية الولايات، حتى كاد يحتل طلابها كل قائمة المائة الأوائل على مستوى السودان، منفردين بها دون منافسة تذكر.
الأوائل ليسوا الأكثر ذكاءً وبالسؤال عن أين ذهب هؤلاء المتفوقون الذين حتماً يبلغ عددهم الآلاف منذ أول دفعة أُمتحنت وإلى الآن، يتضح، وحسب المختصين، أن هؤلاء وإن كانوا الأكثر تفوقاً لكنهم ليسوا الأكثر ذكاءً بالتأكيد، لكن هنالك ظروف موضوعية محيطة بهم أسعفتهم في ذلك الوقت المحدد على التفوق وبرز غيرهم من الطلاب، ومهدت لهم الطريق إلى أعلى القائمة، وهذا ما يفسر انحسارهم فيما بعد وعدم بروز إلاّ قلة منهم على أصعدة كثيرة أكاديمية أو ثقافية أو سياسية، فلم يواصلوا طريق التفوق، بل فارقوه منذ ولوجهم حرم الجامعة وتخرجهم فيها، حيث تحولوا إلى طلاب عاديين عدا إثنين منهم أحرزا المركز الأول ثم واصلا تفوقهما في الحياة العامة، وهما البروفيسور (الطيب عبد الله) والدكتور (حسن الترابي)، أما من سواهما فقد ذهب كالزبد جفاء ولم يمكث في أرض الناس لينفعهم.

تقاعس وتدحرج وقد أرجع الدكتور (جبارة محمد جبارة) رئيس قسم علم الاجتماع والانثربولوجيا والخدمة الاجتماعية بجامعة النيلين أسباب اختفاء المتفوقين بمجرد دخولهم الجامعة، إلى أن المتفوقين في الشهادة الثانوية لا يستطيعون الاستمرار بذات التفوق عندما يصلون المرحلة الجامعية، فالطالب المتفوق في المرحلة الثانوية يكون في سن دون النضوج، لذا كثيراً ما تطرأ عليه تغييرات عندما يبلغ سن النضوج، ولهذا يختلف تحصيله المعرفي تبعاً للمرحلة العمرية الجديدة. وأضاف (د.جبارة) قائلاً: هؤلاء الطلاب يكونون عادة متفوقين نتيجة لتلقيهم دروساً خصوصية مكثفه، بجانب دعم ومساندة الأسرة، لذلك نجد أن كثيراً من المتفوقين ليسوا أذكياء بالصورة التي تجعلهم يتفوقون على أقرانهم، ولكن الظروف المحيطة بهم ودعم الأسرة لهم جعلهم يحققون درجات أعلى ممن لم تُتح لهم ذات الرعاية الأكاديمية والأسرية.

واستطرد (د. جبارة): إن الطلاب المتفوقين من الأول وحتى العاشر تختلف أمورهم عن بقية الطلاب مثل الذين يحرزون مراكز من الحادي عشر وحتى أخر طالب ناجح في الشهادة الثانوية، حسب تقديره. ومضى مستفيضاً: وغالباً ما تتدنى مستويات هؤلاء في الجامعة، بينما الآخرون يتقدمون أكثر في مستوياتهم الأكاديمية، وحينها يكتشف الأوائل أن مثابرتهم في المرحلة الثانوية ليست لها علاقة بالمرحلة الجامعية لعدم ترابط المناهج وتسلسلها، ودخول عوامل أخرى كعامل السن والنضج والبيئة وغيرها.
أين أنتم يا هؤلاء؟ إلى ذلك، وفيما إذا تتبعنا خطى مئات المتفوقين في المرحلة الثانوية بعد وأثناء وعقب تخرجهم في الجامعات المختلفة، نجد أنهم لم يواصلوا هذا التفوق في حياتهم الأكاديمية والمهنية، بل تجاوزهم الآخرون، ولهذا لم نسمع بأي من الذين تربعوا على المراكز المتقدمة طيلة العقود الماضية وهو يحتل مكاناً مرموقاً، بل اختفى جلهم في زحام الحياة، أو ربما اكتفوا بفرحة ذلك التفوق دون أن يضيفوا إليه تفوقاً جديداً.

صحيفة اليوم التالي
محمد عبد الباقي
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version