سقطت في الثاني من يناير1492م
لم يبق في جزيرة إيبريا عقب موقعة
“العقاب” من الوجود الإسلامي
سوى ولايتي “قرطبة وإشبيلية” ، اللتين تم اسقاطهما قبل الإستيلاء على آخر ولاية في الأندلس وهي ولاية “طليطلة “في معركة بلاط الشهداء !!؟…
إذن ما هي أسباب سقوط الأندلس ؟
هل هي ضعف العقيدة ، أم موالاة
اليهود والنصارى ، أم الإنغماس في
الشهوات والملاهي ؟
وهنا ينبغي أن نتوقف ونشير ولو تلميحاً الى الدور الذي قام به “زرياب”. كما يقال في إنصراف الخلفاء والوزراء والمسؤولين وعلية القوم والمهتمين بالشأن العام
عن رعاية شؤون الدولة ومجاراته في” الموضة ” التي أتى بها من بغداد بعد أن تتلمذ على يد
“إبراهيم الموصلي” كما يشير الى ذلك بعض المُأريخين
أم أن هذه الإشارة تندرج تحت مسمى ” نظرية المؤامرة ” !!؟…
التي يعتمدها المتأسلمون !!!….
فهل ترقية الذوق العام وتنوع الأطعمة وكيفية تناولها بالشوك والمعالق والكذالك وسماع الموسيقى
والتدريب على الرقص وظهور إبن زيدون وولادة بنت المستكفي وشعر
“الموشحات “الذي إعتمد التنوع في
القوافي ولاحقاً أرهص لظهور الشعر الحر في العصر الحديث
كل هذا وغيره من إزدهار حضاري
في الآداب والفنون والعلوم ، جعل الأوروبيين يدركون مدى أهمية هذا المورد الثر والفائق النجابة وغير المسبوق علمياً فأخذوا ينهلون من معينه بنهم …!!!؟؟……
مما كان له الأثر البالغ في النهضة الأوروبية الحالية !!!!؟؟؟……
هكذا سادت حضارة الأندلس ثم بادت بعد أن عاشت عدة قرون !!؟…
* * *
ربما تبادر الى ذهني وأنا أقارن بين تاريخ سقوط الأولى 1492م وقيام الثانية 1504م أن هذا المدى الزمني القصير ، دليل قاطع على أن الأمة الإسلامية ، إذا بادت في مكان ما.. موكلة بالبحث عن آخر ( أرض الله واسعة !!؟…..) … إذن كيف نشأت السلطنة الزرقاء ؟
تأسست نتيجة للتحالف بين قبائل الفونج الذين قطنوا جنوب شرق النيل الأزرق بقيادة “عمارة دُنقس”
مع العبدلاب الذين سكنوا أرض مملكة ملوك النيل ” الحلفاية ” حالياً وعلى رأسهم ” عبدالله جماع “،
هذا التحالف تم بموجبه قيام “مملكة
سنار” وكانت ُتعرف أيضاً ب”مملكة الفُونج” ، وأُطلق عليها فيما بعد ” السلطنة الزرقاء ” وكان رعاياها يلقبون بالسنانير !!؟….
كلا القبيلتين ، يؤصلان عرقيهما بالإنتماء العروبي ، فالفونج يرجحون
أن جذورهم تمتد الى بقايا الأموميين
الذين تشتتوا في مناحي المعمورة ، عقب سقوط دولتهم على يد العباسين
أما العبدلاب ، فهم كما يؤكدون أن
أُصولهم ترجع الى بني العباس
إذن فهم من الأشراف حسب زعمهم.
وكلا المجموعتين تصاهرتا مع سكان الأرض الأصليين من نيليين وغيرهم … ظلت هذه السلطنة تهيمن على مساحة السودان الحالي بإستثناء منطقتي دارفور والجنوب المنفصل
قبل عامين ، الى أن أسقطتها التركية السابقة في عام 1821م
بعد أن عاشت مزدهرة ما يزيد على ثلاثة قرون !!؟…….
تعاقب على السلطة عشرات الحكام الذين جلسوا فوق “الككر” وهو عبارة عن كرسي له ستة أرجل ُُيعتبر بمثابة العرش الذي يُتوج فيه السلاطين والملوك والأمكاك ( مفردها
مك ) والمكوك كانوا من عنصر العنج أمثال بادي أبو شلوخ وأبو لكيلك والمك نمر ……
هذه السلطنة العظمى التي كانت بديلاً لدولة الأندلس وتعويضاً للمسلمين من أجل فردوسهم المفقود في جزيرة إبيريا !!!؟؟……
هل كان إعلانها في هذا الوقت بالتحديد مجرد صدفة ؟
لعل ما أعقب ذلك يُأكد عدم فرضية
هذا الزعم !!؟….
منذ الوهلة الأولى …..
أُسست هذه الدولة على ركائز متينة
أولها العلم ( رواق السنارية في الأزهر الشريف ، و إستقطاب العلماء من المغرب ومصروالحجاز وغيرها )
لذلك يعتبر المؤرخون أن قيام المملكة
السنارية ، كان نقطة تحول هامة في
اتساع وتوحيد الدولة السودانية ،
ولعل سلاطينها وملوكها وأمكاكها ،
الذين كانوا يتسمون بالقوة مع اللين
والسعي الدؤوب لتحقيق العدالة الإجتماعية ، ساعد كثيراً في إستمرار وإنسياب وسلاسة ، فرض
سطوتها على أرض شاسعة ،
يقطنها مزيج من الأعراق لعدة
قرون !!؟….
* * *
تلك المملكة السنارية هي النواة الأصيلة للدولة السودانية المدنية ، ربما كان للعامل المدني المعول الجوهري في بقائها ثلاثة قرون متوالية !!؟…
يتعاقب على ككرها الحكام دون إنشقاقات أو إنسلاخ إقليم ما عن
جسم السلطنة !!؟…
كان لشيوخ الطرق الصوفية الذين
وفدوا إليها من كل حدب وصوب الأثر البالغ في أيلولة مجتمعها الى
مجتمع متسامح ، يُحسن التعامل
مع الآخر ويقبله حتى لو كان غير
مستقيم سلوكاً، كديدن المتصوفة في حلقات ذكرهم الشفيفة !!؟…
مجمل القول إن المجتمع السناري كان مجتمعاً مفتوحاً …..
ولعل الشاعر سامق القامة ” محمد
عبدالحي ” في ديوانه ذو النص الواحد ( العودة الى سنار ) لمح في
أكثر من مقطع الى الهوية السودانية ، بإعتبارها ليست هي العروبة فقط ولا الأفريقانية فحسب ……
إنما نحن السودانيون “هجين” مزيج من العرقين …..
الليلة يستقبلني أهلي
أهدوني مسبحة
من أسنان الموتى
أبريق
جمجمة
ومصلى
من جلد الجاموس
رمزاً
يلمع بين النخلة الأبنوس
و في مقطع آنف ، يقول
حراس اللغة
المملكة الزرقاء. وفي ثالث
ُأُصلي بلسان
وأُغني بلسان
* * *
إذن أصلنا وفصلنا
ينبغي أن يُستلهم من السلطنة الزرقاء !!!؟؟….
ثمة من حاولوا طمس هويتنا !!؟….
أين ذهبت آثارهذه المملكة ؟
يُقال أن هذه السلطنة تركت ما ينيف
على ثلاثمائة مبنى ملكي ….
من قصور ومصالح ومؤسسات تابعة
لإدارة الدولة.
هل لازالت باقية ؟، كشاهد بأن هناك
آثار غير دارسة ، تشير الى بصمات
هذه المملكة السنارية العظمى التي وصلت بصيتها وجاهها الى الأزهر الشريف والمدينة المنورة والقصر السناري في وسط القاهرة …
أم أن هذه الأثار قد دُرست بفعل فاعل ، أراد ألا ينبثق للسودان كنجم ثاقب !!؟…
حينما تم بناء خزان سنار ؟؟!…..
فيصل مصطفى