محسن خالد: الغموض شكّل جزءاً كبيراً من سيرتي

كان مقدراً له أن يمضي في مسلك الرواية والنقد لكنه تخير طريقاً مغايراً إثر جذب ونزوع سلفي مفاجئ، صاحب (تيموليت) و(الحياة السرية للأشياء) و(كلب السجان) خطف دهشة الآدميين وتمرد على المألوف في الكتابة، صنع من عجين الفقر تماثيل وحكايات رائعة، صنع يوتوبيا ساحرة يتوق إليها المبدعون، انعتق الآن بحسب ما يزعم هازئاً بتاريخه الجمالي، مشغولاً بالتحولات العميقة، والصراع الدائم بين الخير والشر، المشفقون من الأصدقاء يضربون كفاً بكف (لا شيء يضيع هكذا).. محسن خالد الفنان الرائع المعذب ابن (المسيكتاب)، برز في نسخة جديدة منقحة، يبحث عن الحقيقة المخبوءة كما المصعد في حركته صعودا وهبوطا، يبدو مرهقاً وهو يخطو نحو الأربعين بشعر مسدل وعيون حالمة، يبدو ملهماً وهو يحفر في نصوص الدين والتاريخ، يبدو متمرداً وهو يتأمل الكون ويشغل روحه بالخلاص، يبدو أنه لا يعبأ بمن حوله، حاول الدخول إلى بريطانيا ولكنه -بحسب ما رشح من معلومات- فقد حرم من التأشيرة، ربما لقناعاته الجديدة أو ربما هذه التحولات الماثلة في شخصيته، من أي فاكهة غامضة صنع محسن هذه الكيمياء؟ وقبل ذلك من هو محسن خالد؟ وكيف يرى ذاته؟ وهل سينتهي به المآل إلى كائن يقلب الأشياء في سرداب محمود محمد طه والترابي ويوسف زيدان؟ حدثني حديثاً مربكاً، كان ممدداً وهو يجلس على كرسي دوار.. كان يراوغ الأسئلة.. يحدق في الفراغ المهول ويبتسم بصعوبة، وبذلك الندم على كل ما صنعه في حياته، فماذا قال في حواره مع (اليوم التالي)؟

* لو طرحنا عليك السؤال التقليدي؛ من أنت بحقّ النعيم والعذاب؟

– اعتقدتُ لزمنٍ طويل أنّني محسن خالد، أحد الكتاب السودانيين، (الكاتب الغول).. كما أذاع عني الصديق الكاتب عبد الله إبراهيم الطاهر.

* تبدو غامضاً ومثيراً للجدل؟

– الغموض شكّل جزءاً كبيراً من سيرتي، كما كنتُ أظنُّ في السابق، وما كان لي من علم بأن الجزء الأكبر ما يزال يدخرني للعيش بين ثناياه مستكشفاً له، ولهوله الضخم الرابض في الخَفَاء.

* ما هو الأثر العظيم الذي تركته قرية (المسيكتاب) في شخصية محسن؟

– حياتي الآن جديدة، وما كنتُ أعتقد أن ما وهبتني إياه القرية سيصبح سراباً، مثل كل سيرتي السابقة وحياتي الماضية.

* تعني أنك ولدت مرة أخرى؟

– إنني أقوِّم حياتي من البداية؛ من أوّل وجديد كما يقال.. حالياً لا أعرف ما منحتني إياه القرية ولا ما أخذته مني، ولا أشكر لها سوى تعلّم القرآن في الصبا الباكر.

* تيموليت فتاة ملهمة ومجنونة؟

– لقد نسيت كتابها وروايتها ولم تعد تهمني في شيء.. دعنا من تلك الرواية.

* لماذا النساء قاسيات في تقييم جمالهن؟

– لا أدري كيف يَكُنَّ قاسياتٍ في تقويم جمالهن!

* الجنس يشكل محور كتاباتك بالضرورة؟

– أنت تتحدث عن ماضيّ، ولم يكن الجنس يشكل محور كتاباتي كما تقول، ولكن ركّز الناسُ على ما ظنوه جنساً واهتموا به أكثر من غيره.

* كانت تدور في ذلك المضمار؟

– تدور معظمها حول مواضيع فلسفيّة؛ عن بُنَى الإنسان، تكوينه، ثقافته، حيواته، ومعنى الحياة وجدواها.

* الرجل والمرأة.. حكاية مدهشة وألغاز عجيبة..

– هما نواة التعارف حسب القرآن، (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى)، فالتعارف إذن هو هدف سماوي من هذه التعددية التي نشهدها في الحياة، وهو ما يقود إلى حسن المعاملة والمعاشرة بالمعروف بين الناس.

* هل ستتوقف عن الكتابة الروائية وستتفرغ لمهام أخرى؟

– لقد توقّفتُ عن كتابة الرواية منذ زمن بعيد، ولا أذكر آخر مرة على وجه الدقة والتحقيق كنتُ أكتب فيها الرواية.

* لماذا؟

– لم يعد يعنيني من الكتابة إلا تأويل القرآن وتأسيسي لعلم الرموز على نحو ديني، الآن تستهويني الكتابة عن جذور التوحيد، فتاريخ الدين هو تاريخ الأرض في الحقيقة.

* ثمة من يقول إنك الآن خائف من الموت ولذلك تحاول التحرر مما يبدو لك آثاما وذنوبا؟

– الموت لم يُخفني في أي لحظة من لحظات حياتي.

* ومم تخاف؟

– الذي أنا خائف منه حقاً هو آثار كتاباتي العلمانيّة السابقة، لقد تبتُ إلى الله بخصوصها وتبرأت منها أمام الناس والله يشهد وملائكته يشهدون، وكذلك الناس.

* الرجل بين قنطرة وقنطرة يفقد أيامه ويُفلس.. أنت الذي قلت ذلك؟

– صحيح، كان حديثاً هشاً وجاهلاً لقدر الله وعظمة محبته.. الآن لا أقول إلا ما أحسبه يُرضي ربي الله سبحانه وتعالى.

* ثارت ثائرتك على بعض المواقع التي تتبنى أفكاراً إلحادية؟

– في الحقيقة أنا أشفق عليهم مما هم فيه، وأتذكر نفسي حينما كنتُ أعتقد ما يعتقدونه، وكنا نراه الصواب والتحضُّر، بينما هو خدع الشيطان وخطواته الرامية لكبنا في جهنم معه ومع ذرّيته.

* كيف تتبصر حقيقة الشيطان وذريته؟

– الشيطان وذريته هم المغضوب عليهم لا اليهود كما في التأويلات الخاطئة للقرآن.

* تبدو الآن أقرب إلى المتطرفين في رفضك للآخر؟

– لا أرفض الآخر ما دام يقبلني بديني كما هو، ولا إخاء لي معه على حساب ديني أبداً.

* هل صحيح أنهم منعوك من الدخول إلى بريطانيا بعد المراجعات؟

– أنت تقصد وجودي في بريطانيا، فقد تركت حياتي فيها وسافرت عائدا إلى السودان ضد قوانينهم بمحض إرادتي.

* لو افترضنا جدلاً أن الكون مقبل على خواتيمه كما تقول، فهل تعتقد أن الناس سيصدقون ذلك؟

– لم أقل إنَّ الكون مقبلٌ على خواتيمه، ولكن تحدثتُ عن أوان وراثة الأرض. “قيام الساعة” و”ووراثة الأرض” هذان مفهومان شديدا الارتباط ببعضهما بعضا وفي الوقت ذاته كل مفهوم منهما يقوم في معزل عن الآخر.

* تحدثت عن نهاية التاريخ بمؤشرات غيبية؟

– قلتُ إن تاريخ 11 يناير 2014 سيشهد بداية وراثة الأرض، ومن شاء الرؤية كاملة فليبحث في قوقل عن (مراجعة المنهج والتجربة، محسن خالد)، بموقع سودانيز أون لاين.

* هل تعتقد أن الناس سيصدقونك؟

– لن يزعجني عدم تصديق الناس لهذه الرؤية ولكنني أتمنى أن يطلع عليها الناس ففيها الكثير من الرؤى، كما أُقَدِّر، التي تجعل الإنسان يراجع مسلّماته وبدهياته.

* قلت إن الديمقراطية كفر، ما الذي ترمي إليه؟

– الذي أرمي إليه (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)، بمعنى أن يُستمد بناء النظام والدولة من هدي القرآن وما لا يخالفه من السنة، وما يُوافق ذلك مما تحدّده هيئات لعلماء المسلمين.

* ما الذي دفعك لإيجاد روابط فولكلورية لتفسير أحداث التاريخ؟

– الفولكلور هو بالأساس مواد تاريخية، ومما أخذتُه تدليلاً على تاريخ (حداشر يناير 2014) هو شلخ المطارق الثلاث (111) أي حداشر يناير، وقلتُ إن الوقت المعلوم الذي منحه الله للشيطان كان معلوماً بالطبع لآدم عليه السلام وقد توارثته الأمم من بعده وأخذوا ينقشونه على وجوههم بالسكاكين.

* هل يمكن أن تكون (الشلوخ) السودانية لها مدلول ديني وعرفاني على ذلك النحو الذي ذكرته؟

– لقد قدّمتُ قراءات كثيرة في الشلوخ يمكن العودة إليها في الإنترنت لمن شاءها، ولكن شلخ المطارق الثلاث (111) هو أكثر ما شغلني من شلوخ السودانيين لأسباب كثيرة أولها أنه حرف من حروف اللغة المروية الكورسيفية التي لم يستطع أحد قراءة أبجديتها إلى اليوم، والأستاذ غريفث قد أعطى له صوت حرف (ي، أو يا.. Y – Ya)، بما يتوافق مع بداية اسم “يحيى”.

* هل تعني أن الشيطان يخبئ أشياء بالضرورة لابد أن نحصل عليها لندرك مصائرنا؟

– شيئان سعى الشيطان بكل جهد لإخفائهما، أولاً أخفى الشيطان نفسه وذريته عنا لأن وجوده هو أكبر برهان للملحدين والمتشككين على وجود الله، وثانياً أخفى الشيطان الموعد الذي ضربه له الله وسماه بالوقت المعلوم ونزعه من كل الديانات التي كانت تعرفه مثل ديانة الصابئة ويُعطى المقام الأعلى فيها لنبي الله يحيى بن زكريا (المخلص) وهو حي لم يمت تحقيقاً لأن يسميه الله يحيى وهو محجور عليه لدى الشياطين.

* أنت الآن بهذه الشطحات تحاول أن تسوق للخرافات الكبرى؟

– هل صحف البيّنة خرافة؟ هل أوزيريس خرافة؟ هل نبي الله الخضر خرافة؟ هل تموز “ابن الحياة” خرافة؟ هل كوكبة الجبار خرافة؟ لقد قمتُ بربط هذه الدوال كلها بيحيى عليه السلام، وقدمتُ بناء نظرياً متماسكاً وصلدا كما أراه.

* هل بالضرورة أننا في حاجة لتفسير التاريخ والوقائع الإنسانية بشكل آخر؟

– التاريخ مليء بالذي يحتاج لقراءات كثيفة تغربله وتفرز صدقه عن كذبه وهذه القراءات لن تتوقف إلا بظهور الأنبياء المتروك عليهم في الآخرين، أي الذين سيعودن إلى الأرض أوان وراثتها، حينها فقط سيعود الوحي إلى الأرض من جديد ولن تعود هناك حاجة للتعب والقراءات، فتواصل السماء مع الأرض عبر الوحي هو أكبر رحمة عرفتها الأرض وانقطاع الوحي عن الأرض هو ضياع لأكبر نعمة عرفها الإنس والجن.

* قلت إن يحيى بن زكريا هو المهدي المنتظر، الترابي قال إنه لا يوجد مهدي منتظر بالمرة.. من نصدق؟

– لا أدري ما قاله الترابي، ولكن ما تقوله أنت وحسب نقلك عن الترابي يدعم ما قلتُه ولا يتعارض معه في شيء البتة، فهو قد نفى أن يكون هناك مهدي منتظر بالطريقة التي يطرحها السنة والشيعة معاً، وهذا ما أوافقه عليه تماماً.

* الملاحظ أيضا أن كتاباتك الأخيرة اختلطت بمسحة صوفية؟

– لا لم تختلط بأي مسحة صوفية بتاتاً، ولا أرى في الصوفية إلا شركا وبدعا ومنافذ للتواصل مع الكافرين من الجن، إنني من أشد الناس عداء لنظريات الحلول والاتحاد وللجهل القبوري المنتشر في هذا البلد.

* كنت تقاوم النظم الشمولية والعنف السياسي والآن تهادن وتنصرف لقضايا أخرى؟

– هل انصرافي لقضايا أخرى يعني المهادنة؟ وقوفي ضد العنف السياسي وحملة السلاح هذا موقفٌ قديم ومبدئي وليس طارئاً ولن أتنازل عنه.

* على الأقل تبدو لست معنياً بالنضال وتنصرف عن القضايا الملحة؟

– لو كنتُ أتحدث عن وراثة الأرض فهل تغدو هذه الصغائر حينها مواضيع ذات بال!

* معنى ذلك أن السياسة من محدثات الأمور؟

– لا، بل معنى ذلك أن وراثة الأرض أكبر من أي موضوع آخر عداه.

* يقال إنك تحمل اللغة في بعض الأحايين أكثر مما تحتمل في تفسير التاريخ والأنثروبولوجيا؟

– بل اللغة هي التي تحمل أكثر مما نظنّه نحن فيها، لا تنسَ أنني أؤمن بأن أصل الكون لُغوي جاء من (كُن).

* كيف تقاوم الشيطان وما يزينه من وحي تجربتك الشخصية؟

– ألوذ بالله محتمياً به، مستعيذاً بالرحمن، ومتوكلاً عليه.

* محسن، أنت رجل جميل.. الناس مشفقون عليك؟

– وبالمثل تجدني مشفقاً عليَّ وعليهم من تجاهل وراثة الأرض، ومن الغفلة عن التحضُّر للساعة.

* ماذا تعني بوراثة الأرض؟

– ببساطة وراثة الأرض بوساطة عباد الله الصالحين المقصود بها شيئان (وراثة الأراضي السبع) ووراثة (الجنة الأرضية) التي كان فيها آدم وأخرجه منها الشيطان.

* متى سيتم ذلك حسب تأويلك؟

– سيتم قبل قيام الساعة، والجنة المقصودة بقوله تعالى (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) وعمر هذه الجنة محكوم ببقاء السموات والأرض اللتين ستزولان مع قيام الساعة والبعث الكبير، وهي جنة آدم التي سأل إبراهيم ربه أن يكون من ورثتها (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ)، ولذا سيحييه الله ويشهد عودة جنة آدم للمسلمين فهو من الأنبياء المتروك عليهم في آخر الزمان.

* تتحدث أيضاً عن عنترة الدنقلاوي ومقتل هابيل في (قري)؟

– لم أتحدث عن عنترة الدنقلاوي إطلاقاً، ولا أعرف من هو صاحب وجهة النظر هذه، سمعت سماعا من ينسب لعبد الله الطيب أن عنترة كان سودانياً ولم أقف على ذلك بنفسي في ما أذكر له من كتب قرأتُها.

* طيب كيف نصدق أن هابيل قتل في جبال (قرّي)؟

– نعم قلتُ إن هابيل قُتِل في جبال قرّي وتحديداً لدى دائرة جبال المسوّرات التي هي بابل.

* ما هي المصادر التي تستقي منها معلوماتك؟

– كنت أؤسّس لها من خلال تأسيسي للتأويل حسب رؤيتي له، ولعلم الرموز، الموضوع بالأصل هو البحث عن مصادر للتاريخ غير علم الرواية.

* توصلت إلى خلاصات كبرى ومرعبة؟

– الخلاصات التي وصلتُ إليها كثيرة، ولكن بشكل أساسي عرفتُ أنَّ التاريخ كان أكبر ساحة للكذب والتحريف، فالمسألة بدأت بتحريف كتب الله نفسه وكلماته والأسماء الإلهية للأشياء التي عَلَّمها اللهُ سبحانه وتعالى لآدم، ثم انتقل التزوير إلى التاريخ كي لا يكتشف الباحثون فعلاً عن الحقائق وعن ربهم أحابيل الشياطين والمنتفعين من هذا التزوير والتحريف
الخرطوم – عزمي عبد الرازق– اليوم التالي

Exit mobile version