في بيانه أمام البرلمان الواقع الاقتصادي بعيون وزير المالية

[JUSTIFY]من المؤكد أن وزير المالية علي محمود بات مصدر جذب دائم لاهتمام الرأي العام المحلي وللاجهزة الاعلامية بسبب ارتباط وتأثير قراراته الاقتصادية الفوري على حياة المواطنين. ولعل هذا ما جعل بياناته التي يلقيها امام البرلمان ذات اهمية قصوى باعتبارها تجعل الرجل يُخرج الافكار التي تراوده بشكل مباشر.
بخلاف التداعيات المتصلة بمعاش المواطنين المتصلة بالقرارات الاقتصادية والاجراءات المصاحبة لها فقد ارتبطت بتداعيات سياسية جراء التظاهرات الاخيرة التي اعقبت تطبيقها حيث تزامنت كل تلك الاحداث مع عطلة البرلمان ورفع اعماله.
لعل ابرز الجزئيات التي حظيت بالاهتمام في بيان محمود أمام البرلمان هو تأكيده على استمرار سياسة رفع الدعم خلال العام القادم ومقارنته الزيادات التي وضعتها الحكومة مؤخراً على البنزين والجاز وغاز الطبخ بمتوسط السعر العالمي الذي يبلغ 40 جنيهاً لجالون البنزين، 27 جنيهاً لجالون الجاز و90 جنيهاً لسعر انبوبة غاز الطبخ باعتبارها الاسعار التي ستسعى الاجراءات الاقتصادية لبلوغها عقب تحرير اسعار تلك السلع ورفع الدعم عنها.
ازدواجية (الذهب)
رغم أن البيان اشار للدور المهم الذي لعبه الذهب ومساهمته في سد جزء من فجوة الموارد الخارجية لكنه اشار لتسبب شراء الحكومة للذهب في نمو الكتلة النقدية معتبراً ذلك بأنه “اجراء طبيعي لتعويض خروج صادر النفط بأسعار اعلى من السعر الرسمي لتشجيع المعدنين وتحجيم التهريب”. وطبقاً لما ذكره الوزير فقد ارتفع معدل نمو عرض النقود لـ3.8% خلال الفترة من يناير-سبتمبر من العام الحالي مقارنة بـ2% في العام 2012م.
واعلن الوزير عن قيام وزارته والبنك المركزي وضمن سلسلة اجراءاتهما لسد الفجوة في العملات الحرة بتنشيط عمليات شراء الذهب وتوظيف موارده بسعر التكلفة لتخفيض حجم التسريب وجعله في حدود 300 مليون جنيه بدلاً عن 760 مليون جنيه مع الاستمرار في بناء احتياطات بنسبة 10% من مشتريات البنك المركزي للذهب.
وبخصوص آثار الاصلاحات الاقتصادية الاخيرة على مؤشرات الاقتصاد الكلي فقد اشار البيان لاحدها والمتمثل في خفض معدلات التضخم التي نتجت عن آثار تعديل سعر الصرف ممثلة في دعم شراء القمح والتسرب النقدي عن عمليات الذهب في حدود 22%.
مؤشرات الاقتصاد
طبقاً لبيان الوزير فإن معدل النمو الاقتصادي فاق التقديرات المتوقعة في ميزانية 2013م إذ بلغ 3.6% وهو ما يشير “لتوقع خروج الاقتصاد الوطني من شبح استمرار تدني النمو ومظاهر الركود”، مبيناً أن هذا الامر نتج عن النمو المتزايد في القطاعات الانتاجية إذ ارتفع القطاع الصناعي من سالب 4.28% في العام 2012م لموجب 9.68% جراء زيادة الانتاج في القطاعات الصناعية التحويلية والنفط والمعادن في ما ارتفع القطاع الزراعي من 5.74% في العام 2012م إلى 9.15% في العام 2013م نتيجة لتحسن الموسم الزراعي جراء الامطار والتمويل المبكر.
(التضخم) و(الصرف)
في ما يتصل بالتضخم فقد سجل في مارس الماضي لـ48.1% مقارنة بـ23.3% لنفس الشهر في العام 2012م ثم عاود الانخفاض ليسجل في شهر اغسطس 22.3% مقارنة بـ42.6% لنفس الشهر في العام الماضي في ما ارتفع في الشهر الذي يليه إلى 29.4% بسبب زيادة اسعار السلع الاستهلاكية.
رغم أن البيان اشار لانخفاض سعر صرف العملة الوطنية في سبتمبر الماضي من 4.4 جنيهات للدولار إلى 5.7 جنيهت للدولار، مشيراً إلى أن متوسط سعر صرف الجنيه مقابل الدولار خلال الفترة يناير-سبتمبر 2013م هو 3.28 جنيهاً إلا أن تلك الجزئية بدت معتمدة بشكل أساسي على السعر الرسمي وهو امر يبدو غير واقعي عند مقارنته بأسعار السعر الموازي للدولار والذي تجاوز حاجز الـ7 جنيهات للدولار.
إدراج قضية
تلاحظ أن بيان الوزير الذي خصص لمؤشرات الاداء المالي والاقتصادي خلال الفترة من يناير-سبتمبر 2013م ادرجت ضمن محتوياته الاجتماعات التي عقدت مؤخراً بالعاصمة الامريكية واشنطون في شهر اكتوبر الماضي التي عقدتها اللجنة الفنية التي شكلها صندوق النقد والبنك الدولي لأجل اعفاء ديون دولتي السودان وجنوب السودان والتحرك المشترك للخرطوم وجوبا بخصوص هذا الملف، وكما هو واضح فإن هذه الجزئية خارج السياق الزمني لتقرير الوزير باعتباره يغطي حتى سبتمبر وذات الأمر انطبق مع اشارته لقضية زيادة الاجور التي تم اقرارها في اكتوبر الماضي.
القروض والمنح
قام السودان خلال الفترة من يناير-سبتمبر 2013م بالتوقيع على 29 اتفاقية تمويل بقيمة 1.7 مليار دولار منها 19 اتفاقية منحة بقيمة 1.05 مليار دولار امريكي في بلغت قمة اتفاقية القروض 663 مليون دولاراً.
أما ابرز الملاحظات التي اثارت الانتباه في ما يتصل بنسب السحوبات هو تجاوز نسبة السحب من اتفاقية القروض لاكثر من 50% في ما لم بلغت نسبة المسحوب من المنح حوالي 20%. واظهر البيان أن جملة المسحوبات خلال تلك الفترة قدرت بـ586.7 مليون دولار مثلت القروض نسبة 64% بقيمة 372.9 مليون دولار نسبة 64% أما المنح منها والبالغ قدرها 213.8 مليون دولار فلم تمثل سوى 36% من اجمالي المسحوبات خلال تلك الفترة.
سداد الالتزامات
اشار البيان لقيام وزارة المالية وبالتنسيق مع بنك السودان وفي اطار مساعيهما لسد الفجوة في العملات الاجنبية بالتحرك بغرض الحصول على قروض سيادية بقيمة 20 مليار دولار امريكي لدعم عمليات تصحيح سعر الصرف وإعادة التوازن لميزان المدفوعات والتي يتوقع أن تكون في شكل ودائع وقروض سلعية وتسهيلات مصرفية.
ورغم أن اداء الصادرات سجل ارتفاعاً بلغ 3.8 مليارات دولار إلا أن الميزان التجاري لا يزل يسجل عجزاً وقدره 1.4 مليار دولار نسبة لارتفاع الواردات حوالي 5.2 مليار دولار.
وحول سداد الالتزامات الخارجية الواجبة السداد استناداً لاتفاقيات التمويل الموقعة خلال الفترة من يناير-سبتمبر 2013م فبلغت 616.3 مليون دولار تم سداد 207.59 مليون دولار، كما اشار لسداد حوالي 1.7 مليار دولار كجزء من مستحقات شركات البترول.
تنامي الإيرادات والمنصرفات
بلغ الاداء الفعلي للإيرادات القومية خلال الفترة من يناير-سبتمبر 2013م مبلغ 23.3 مليار جنيه بنسبة اداء 127% من الربط المقدر بـ17.5 مليار جنيه مع إشارة البيان إلى أن تلك الزيادة لم تواكبها الزيادة المتوقعة لانتاج البترول مقارنة بذات الفترة من العام 2012م والذي بلغ 13.8 مليون جنيه بنسبة اداء 106%.
وفي ما يتصل بالمصروفات فقد بلغت 24.6 مليار جنيه بنسبة اداء قدرها 106% نسبة لارتفاع الصرف على الدفاع ودعم السلع الاستراتجية وسداد جانب من استحقاقات شركات البترول.
اسباب الزيادة
بخصوص الصرف التفصيلي لبنود المنصرفات فقد توزعت بين تعويضات العاملين التي تشمل المرتبات- والتي بلغت 9.3 مليارات جنيه بنسبة اداء 98%، أما شراء السلع والخدمات والبنود الممركزة فقد سجلت ارتفاعاً بنسبة اداء 112% بمبلغ وقدره 2.2 مليار جنيه نتيجة للصرف على الدفاع والامن والقطاع السيادي.
وفي ما يتصل بدعم السلع الاستراتيحية التي تشمل المحروقات والقمح والادوية- فقد بلغت 5.7 مليارات جنيه بنسبة اداء 160% جراء سداد الالتزامات الخاصة بدعم المحروقات ودعم سعر صرف الجنيه لسلعة القمح.
وذات الزيادة شهدها البند المخصص للخدمات الاجتماعية والتي بلغ نسبة الاداء فيه 140% والذي بلغ 470.2 مليون جنيه ونتجت تلك الزيادة لتحمل المالية دفعيات المتعلقة بالصرف على تخفيض آثار الاجراءات الاقتصادية برفع الدعم عن بعض السلع بسداد مبلغ 151.5 مليون جنيه لوزارة الرعاية الاجتماعية لدعم الاسر الفقيرة بجانب 20 مليون جنيه لولاية الخرطوم لدعم تعريفة المواصلات.
ورغم أن البند الخاص بالدعم الصحي شهد استقراراً في ما يتصل بسداد الالتزامات المخصصة لدعم كل من (الأدوية المنقذة للحياة، العمليات بالمستشفيات، العلاج بالحوادث، علاج نزلاء السجون وتوطين العلاج بالداخل) إلا أن البيان اشار لحدوث تجاوز في ما يتصل بالبند الخاص بالعلاج الداخلي نسبة لارتفاع تكلفة العمليات بسبب زيادة اسعار المستهلكات الطبية عقب التعديلات التي طرأت على اسعار الصرف.
في ما بلغ الصرف على البنود الاخرى 205.5 مليون جنيه بنسبة 107% من الاعتمادات المخصصة وعزا البيان هذا الامر لارتفاع الاداء غير النقدي على بند الرسوم الجمركية لمقابة الرسوم على الواردات.
وبخصوص التحويلات للولايات فقد بلغت حوالي 5 مليارات جنيه وتلاحظ أن نسبة التحويلات الجارية المخصصة لتعويضات العاملين وشراء السلع والخدمات والدعم الاجتماعي بلغت 98% في ما بلغت نسبة التحويلات غير المخصصة 99% أما التحويلات الرأسمالية فبلغت نسبة ادائها 63%.
إقرار بالتحديات
نجد أن البيان تطرق للتحديات التي جابهت الاقتصاد السوداني خلال السنوات الماضية فعلى الصعيد الخارجي فقد شهد ضغوطاً مستمرة نتيجة الافرازات السالبة للازمة المالية العالمية وسياسات معالجتها بالدول بجانب استمرار العقوبات والمقاطعات الاقتصادية بالإضافة لتدني صادرات النفط واستمرار جمود الصادرات غير النفطية -في ما عدا الذهب- وضعف القوى الشرائية للعملة الوطنية وتعدد سعر صرفها بالنسبة للعملات الاجنبية نتيجة لانخفاض الاحتياطي من العملات الاجنبية.
أما على الصعيد الداخلي فقد جابهت تنفيذ الموازنة عدة تحديات تمثلت في (ارتفاع معدل التضخم وعدم استقرار سعر الصرف واتساع الفجوة بين السعرين الرسمي والسوق الموازي، شح الموارد المتاحة للحكومة لمقابلة الانفاق العام، الاستمرار في دعم السلع الاستراتجية ممثلة في المحروقات البترولية والقمح والادوية، ارتفاع حجم الدين الداخلي، استمرار الضغط على ميزان المدفوعات واحتياطي البلاد من العملات الحرة وتزايد مظاهر البطالة الهيكيلة ومشاكل الهجرة الداخلية والخارجية).
وفي يتصل بالتحديات على مستوى السياسة النقدية فقد اشار لنمو الكتلة النقدية الناجمة عن شراء الذهب واتساع تمويل الفجوة الداخلية (عجز الميزانية) من النظام المصرفي مما ادى لارتفاع معدلات التضخم.

ماهر أبوجوخ: صحيفة السوداني

[/JUSTIFY]
Exit mobile version