* للأسف تسببت الظروف الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا في تفكك الأسر الكبيرة التي كانت ممتدة ومتكافلة فيما بينها، وأصبح بعض الآباء والأمهات من كبار السن يقضون حياتهم في عزلة قاتلة بعد أن تفرق الأبناء والبنات كل في طريق وتفرغوا لأسرهم الجديدة.
* العزلة القاتلة تكون أكثر مأساوية في حالة غياب النصف الآخر سواء بالسفر الطويل الأمد بعيدا عن نصفه الآخر أو بالطلاق أو الموت لأن حياة العزلة في هذه الحالة تصبح أكثر جفافا وجفاء.
* في بلاد كاستراليا مثلا يحاول كبار السن وحتى الصغار منهم وبالأخص النساء تعويض جفاف حياتهم والجفاء الاجتماعي بتربية الكلاب التي يرون أنها تؤنسهم في وحشتهم وتلهيهم بما يعوضهم شكليا عن الحياة الاجتماعية السوية المعافاة للإنسان الذي هو بطبعه حيوان اجتماعي.
* حكى لي أحد السودانيين الذين طال بهم المقام في استراليا عن أحد الأثرياء الكبار وهو كبير السن أيضا يملك مؤسسات ضخمة في استراليا وفي خارج اسراليا ولكنه يعاني من العزلة القاتلة بعد أن انصرف عنه الأبناء والبنات بمن فيهن من لم تتزوج بعد، الحمد لله لم نصل لهذه المرحلة في بلادنا.
* قال لي الصديق السوداني – في صدق معلوم ـ إن كل هذا الثراء لم يحقق لصاحبه السعادة وأنه أصبح كثير الشكوى من العزلة القاتلة التي يعاني منها، ووصل به الحال إلى أنه عرض على أسرة متوسطة الحال أن يتبنى أحد أطفالهم ويتولى الإنفاق عليه مدى العمر من المرحلة الأولية حتى يتخرج من الجامعة بل تعهد بإلحاقه في المستقبل بعمل في إحدى مؤسساته الكبرى.
* المفاجأة التي صدمت الثري الكبير أكثر أن الأسرة متوسطة الحال رفضت عرضه لأنها اعتبرته صفقة يتم بموجبها بيع طفلهم نظير سعادة متوهمة ومشتراة، لم يستطع الثري نفسه بكل ماله تحقيقها لنفسه، وبهذا الموقف قدمت له ولنا هذه الأسرة متوسطة الحال درسا في الحياة الأسرية والاجتماعية.
* نقول هذا ونحن ندرك أهمية الاستقرار الاقتصادي للأسر ـ خاصة في ظروفنا الراهنة ـ لكن التجارب الحياتية علمتنا أن المال وحده لا يحقق السعادة وأن هناك كثيرا من الأسر الغنية ماديا فاشلة اجتماعيا وأسريا وتربويا، وأن كثيرا من الأسر الفقيرة متماسكة اجتماعيا وغنية بأبنائها وبناتها الناجحين الصالحين.
*حقا ليس بالمال وحده يحيا الإنسان.
كلام الناس – السوداني